مبروك عطية
مبروك عطية


يوميات الأخبار

حتى تكتمل السعادة فى العيد

الأخبار

الخميس، 28 أبريل 2022 - 11:18 م

.. الخطاب للقادرين ماديا الذين يخرجون زكاة الفطر ويعجلون بها قبل صلاة عيدهم حتى يغنوا المساكين عن الطواف وقد أشرقت شمس العيد

من الأحاديث ذات الأبعاد النفسية العميقة ما رواه الأرقطنى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فى يوم العيد اغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم − والخطاب للقادرين ماديا الذين يخرجون زكاة الفطر ويعجلون بها قبل صلاة عيدهم حتى يغنوا المساكين عن الطواف وقد أشرقت شمس العيد وضجت الدنيا بالبهجة والسعادة والإحساس بطاعة الله تبارك وتعالى بصيام رمضان وقيامه واحتسابه فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه فما البُعد النفسى الذى يحمله معنى هذا الحديث إنه يزيل معوقا من معوقات تحقيق السعادة فى يوم العيد، وهذا المعوق يتجسد فى رؤية المساكين يطوفون بالناس يمدون أيديهم ويستجدون، كيف يسعد المرء وهو يرى هذا المشهد المر، يريد الدين أن يجعله يوما خاليا من منغصات السعادة، صافيا بلا كدر، حلوا بلا مر، وسبيل ذلك أن يمنع السائلين عن التطواف ومد الأيدى، وهو لا يمنعهم بكفهم ونهيهم وزجرهم، وإنما يمنعهم بإعطائهم ما يكفيهم ويمنعهم عن السؤال، فيختفون فى ذلك اليوم بالذات كى تتحقق السعادة للجميع فى يوم السعادة فيه مشروعة، وفرق بين السعادة المشروعة وبين السعادة المصطنعة، فالأولى ذات بهاء وجمال حقيقيين، والثانية تظاهر بمعطيات السعادة، وما أكثر الذين يتظاهرون بالسعادة وقلوبهم تعتصر ألما، ويتظاهرون بالقوة وضلوعم تئن وجعا!
وفى أوائل سورة طه يقول الله تعالى: «طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى» وما دام الله تعالى ما أنزل القرآن لنشقى إذا أنزله لنسعد فالقرآن الكريم مصدر سعادة حقيقية، لانه يدعو إلى السعادة من فوق سبع سماوات، سعادة القرآن الكريم مشروعة فلم يحزن الإنسان؟ كيف يحزن وهو يؤمن بقيوم السماوات والأرض، من يدبر الأمر، وأمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، ومن عباراتى القديمة: لست وحدك وإنما لك رب يدبر لك أمرك، وقد نهانا ربنا عز وجل عن الحزن صراحة لا تلميحا، حيث قال جل شأنه: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» وإن بمعنى قد فى هذه الآية الكريمة، أى قد كنتم مؤمنين فكيف تضعفون أو تحزنون! وبجعلها على بابها شرطية يكون المعنى إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا، جعل عدم الحزن شرطا للإيمان وفى كلا المعنيين خير كثير لمن فقه وتدبر فإن قيل ما بال الذين فقدوا أولادهم وشيئا من أموالهم! كيف يسعدون فى يوم السعادة المشروعة، كيف يسعدون فى العيد والجواب يتلخص فى كلمة قالها أبوبكر الصديق رضى الله عنه حين عزى قوما فقال لهم قبل أن يغادرهم: لا مصيبة مع العزاء، وهذا يفتح لنا بابا مهما من أبواب الشريعة وهو باب العزاء الذى صار فى زماننا شكلا، والأصل فيه أن يكون فعلا، فالمعزى يقوى المصاب بعطاء، صحيح أنه لن يعوضه عن مصابه تعويضا كاملا، وإنما يجبر بخاطره ويسعفه ويعوضه بما يستطيع فتهون عليه مصيبته، ويخف عنه أثرها، ومالا يدرك كله لا يترك كله، هكذا تقول حكمة الدين والدين كله حكمة وكتابه حكمة يس والقرآن الحكيم، وقد أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم الكتاب الحكمة وعلمه مالم يكن يعلم وكان فضله عليه عظيما كما جاء فى سورة النساء، فنحن أمة ربنا حكيم وكتابنا حكيم ورسولنا صلى الله عليه وسلم حكيم فكيف تغيب عنا الحكمة!
أن الذى قبض الأولاد وابتلى بنقص من الأموال شرع العزاء وأمر بالتعاون على البر والتقوى، وهذا الدين دين المعادلة فكيف لا تتحقق السعادة المشروعة الذى شرعها بين السبيل لتحققها، بكف المساكين عن السؤال فى هذا اليوم فلا تقع أعين السعداء على قبيح، فأمرنا بإزالة القبح، كما أمرنا وسن لنا الاغتسال فى العيد، لتغيير الهيئة وتنشيط الأجسام، تذكر كتب التاريخ والسير أنه يوم مات جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه شهيد مؤتة دخل النبى صلى الله عليه وسلم على أولاده؛ فبكت أرملته أسماء بنت عميس؛ فقال لها صلى الله عليه وسلم: أتخافين عليهم وأنا وليهم، عبارة ينبغى أن تشيع، وأن تأخذ حقها فى الخطاب الدينى، فجعفر رضى الله عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أخيه، فكيف تخاف أرملة الأخ مع وجود الأخ ولى بولى غير طامع فيها وفى ميراث أولادها.


السبت:


البعد النفسى للحديث النبوى


لا يهتم بعض الناس بالبعد النفسى للنصوص الدينية توهما منهم أنها هكذا وردت، وبكذا وكذا حكمت، وعلينا السمع والتسليم، وكأنهم يريدون للدين أن يكون جافا عصيا، أو أنهم يرون الدين شيئا، والحياة الدنيا شيئا آخر.


والحقيقة أن الدين برمته جاء لربط الإنسان بالحياة، وتنبيهه إلى مواطن الحسن فيها، ومن دعاء القرآن الكريم، وكان أكثر دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: «ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»، وحسنة الدنيا هى كل ما يجعل الدنيا حسنة من صحة وسلامة من الآفات، ومال تقوم عليه الحياة، وزوجة صالحة تحقق السكن والمودة والرحمة، وولد بار يعين أباه، ويسره بنبوغه وخلقه، ويكون دعوة مستجابة لوالديه إذا صارا من أهل القبور، وجيرة حسنة تحقق نعمة الأمن والاستقرار فى البيوت، وقد لخصت سورة قريش تلك المعانى فى قوله تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» وكم ربط الدين بين ما يحبه المكلف −والمكلف بشر يحب ويكره− وبين التكليف، فحين دعانا ربنا تعالى إلى التصدق أغرانا بما نحب من كثرة الثواب المدخر عنده تعالى، فقال عز وجل: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ  وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» والإنسان حين يطالع مثل هذه الآية الكريمة يشعر ببعدها النفسى؛ فيتأثر وينفق وهو سعيد بنفقته التى يخلفها الله عليه، ويجزيه عنها أوسع الجزاء، وفرق كبير كالفرق بين السماء والأرض بين أن ينفق المتصدق وهو يعلم أنه لا أجر له، وبين أن ينفق وهو على يقين من أن له أجرا واسعا، والله تبارك وتعالى لا يخلف وعده.


وحين نهانا ربنا تعالى عن الغيبة قال: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» ولهذه الآية بُعد نفسى هو تنفير المكلف من اغتياب الناس؛ إذ مثله حين يغتابهم مثل من يأكل لحم أخيه ميتا، فكما يكره ذلك ينبغى أن يكره الغيبة، وينأى بلسانه عنها، ويحف لسانه عن الخوض فى أعراض الناس لاسيما أعراض المحصنات الغافلات المؤمنات: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» وإذا تتبعنا النصوص الدينية بهذا الاعتبار ألفناها ذات أبعاد نفسية عميقة تكشف لنا سرا جديدا من أسرار الخطاب الدينى، وهو أن هذا الدين يربط المكلف بمشاعره، والمكلف يحب الفتح القريب؛ إذ إنه عجول، يستعجل الخير ولا طاقة له بالانتظار الطويل؛ لذا جاء فى سورة الصف فيما وعد الله به المؤمنين المجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم بنصره وفتحه القريب «وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ» ولك أن تتأمل قوله تعالى: «وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا» لترى كيف ذكر لنا ما نحب، ونحن نحب أن ندعو الله تعالى فيأتينا جوابه فى طرفة عين؛ حيث إننا لا نحب الانتظار الطويل؛ فراعى ربنا سبحانه أمرا نحبه، وبيّن لنا سبيله، ومع الأسف نرى كثيرا من الدعاة يدعون الناس إلى الاستبعاد وعشق البطء فى إجابة الدعاء مع صريح وعد الله بتحقيق القرب فقط أن نسلك سبيله، وهو الإيمان بالله ورسوله، والجهاد فى سبيل الله بالنفس والمال.


الاثنين:


رحم الله الفلاحة القديمة


كانت لنا جارة من حكماء الزمان، مات زوجها وترك لها ولدا شابا، وجدته فى يوم العيد نائما خاملا كسولا فنادته:


وقالت له: اليوم عيد يا ولدى! قم واغتسل وغير ثيابك واخرج إلى رفاقك


فقال لها ولدها: عيد إيه يا أمى وأبويا ميت.


فصاحت فى وجهه: قم قم، بكرة تدفن أمك جنب أبوك، وبكرة تحصلنا، وكلنا يا ولدى ميت، والبقاء والدوام لله عز وجل، اخص عليك كنت مفكراك أحسن من كده أبوك مات ما نكلش، أبوك مات ما نشربش!

ابوك مات ما نستحماش ونغير يوم العيد، هو أنا باقولك أعمل نصبة وهات فرقة بلدى ورقاصة؛ فابتسم الولد وهب من كسله واغتسل وحين رأته على غير الهيئة التى كان عليها ساعة أيقظته قالت: أيوه كده قل الله يرحمك يا والدى، فقال الله يرحمه ويحسن إليه ويجعل قراره الجنة.

قالت وكأنها أبوحنيفة إن الله يحب العبد يدعوه وهو سعيد.


صدقت ورحمها الله حيث كانت ملهمة موفقة مع أن قدمها لم تطأ أرض مدرسة ولا جامعة، وهذا دين الفطرة التى فطر الله الناس عليها، غيرت من هيئة ولدها، فاغتسل وغير ثيابه، ودعا لأبيه وهو مستبشر غير قانط، لكننا فى هذه الأيام اعتدنا أن نرى من يدعو الله باكيا حزينا، أو إذا أراد ان يدعو الله تباكى واستدعى دواعى النكد والمواجع، وكأن الدعاء وهو عبادة وقف على المحزونين، وهو ليس كذلك، روى عن الحسن البصرى أنه كان يفسر قوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى  فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» وفهم بعض تلاميذه الآية على غير وجهها فلما عاد إلى بيته وأراد أن يشرب حيث كان عطشا قال فى نفسه تريد نفسى أن تشرب الماء باردا! لا وألف لا.

 ووضع الماء على النار وغلاه وشربه وهو يغلى فجرى له ما جرى من انتفاخ شفتيه، وعلم الحسن رضى الله عنه بما كان من تلميذه فذهب إليه وزاره وقال له ضاحكا من غبائه: يا بنى إنك إن شربت الماء باردا وقلت الحمد لله قلتها بارتياح، وإن شربت الماء ساخنا وقلت الحمد لله قلتها بكظاظة، والله عز وجل يحب أن يسمعها منك بارتياح.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة