فن زخرفة البيض الأوكرانى
فن زخرفة البيض الأوكرانى


فن زخرفة البيض فى أعياد شم النسيم

رغم الحرب الدائرة.. «البيسانكا» يبث روح الأمل فى أوكرانيا

آخر ساعة

السبت، 30 أبريل 2022 - 01:12 م

دينا توفيق

الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.. لا يلوح فيها أي أمل من التهدئة فى الوقت الحالي.. الدبابات ودوى المدافع ارتفع صوتها عن أصوات الأجراس لإحياء الأعياد.. طوعًا أو كرهًا يبقى الأوكرانيون منعزلين سواء فى الملاجئ أو عابرين الحدود تاركين منازلهم ربما لا يعودون لها، ومنهم من يظل حائرًا بين البقاء أو الرحيل، الانهيار يصاحبهم والتضرع إلى الله ملجؤهم.. ومع الأعياد يقرر البعض منهم الصمود بطريقتهم السلمية، ومحاولة لتخطى آلامهم باتخاذ فن زخرفة البيض الأوكرانى المعروف باسم «بيسانكا» سلاحًا، يسعون إلى صنع لوحه من هذا الألم، وإرسال بادرة سلام ورسائل مفعمة بالأمل والقوة.
 

مع احتدام الحرب فى أوكرانيا، اتخذ تقليد الربيع القديم المتمثل فى تزيين بيض عيد الفصح (عيد القيامة) معنى مختلفًا هذا العام؛ صدمة وذهولاً، حزناً وغضباً، أجواء مضطربة بين الخوف واليأس يصحبهما الأمل.. الفنانون ذوو الأصول الأوكرانية اللاجئون إلى بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا؛ يعبرون عن آمالهم ومخاوفهم ودعم شعبهم فى مثل هذه الأوقات المظلمة من خلال تقاليد عمرها قرون، حيث ينظمون حملات لجمع التبرعات ويبيعون البيض المزخرف «بيسانكا» للجهود الإنسانية فى أوكرانيا.

 

فى مدينة نيويورك، على سبيل المثال، دعا المعهد الأوكرانى الأمريكى أفرادًا من الجمهور للمساهمة بالبيض المزخرف بيسانكا وكان يعرض هذه الطلبات للبيع أمام الجمهور وثمنها يؤول إلى متضررى الحرب. ولقد أصبح بيض بيسانكا وسيلة لإظهار الدعم للأوكرانيين فى هذه اللحظة الحاسمة من تاريخهم. والبيض مع الأصداف المزخرفة التى هى شكل من أشكال الفنون الشعبية الأوكرانية التى كانت تمارس لعدة قرون من قبل النساء فقط ولكن الآن الجميع يشارك رجال ونساء وأطفال. والبيسانكا تعنى «الكتابة»، والبيض دليل على الصبر والعناية، ويتميز بيض عيد الفصح الأوكرانى بألوانه الزاهية ورسوماته الخلابة، تصميمات هندسية وزهرية معقدة. ويقام مهرجان بيض الفصح قبل العيد وينتهى بعده بأسبوع. يحمل كل رمز وتصميم ولون معنى وأهمية وتقاليد معينة وغالبًا ما تتضمن أملًا أو رغبة فى المستقبل. 


بالنسبة للأوكرانيين، يعد بيض البيسانكا جزءًا أساسيًا من احتفالات عيد الفصح. لقد كانوا جزءًا من مهرجانات الربيع الأوكرانية منذ فترة طويلة إلى عصر ما قبل المسيحية؛ ولكن لا أحد يعرف متى بدأ هذا التقليد بالضبط، ولا يزال هناك عدد من القصص القديمة المختلفة والأساطير. تقول إحدى هذه القصص أن الطقوس تهدف إلى الاحتفال بعودة أشعة الشمس بعد شتاء طويل، ويتم استخدام البيض لأن صفاره يشبه الشمس، وفقًا لعالمة الإثنوجرافيا وفنانة البيسانكا «سوفيكا زيليك» الأوكرانية المقيمة فى نيويورك، وهناك أسطورة لديها إجابة لمشاكل العالم؛ ووفقًا لتفاصيلها، يُعتقد أن مصير العالم يعتمد على البيسانكا، أنه طالما بقى كتقليد، واستمر تزيين البيض، فسيظل العالم موجودًا. وإذا توقفت العادة، سيحيط العالم بالشر ويدمره، نظرًا لوجود مخلوقًا يجسد الشر مقيدًا بشدة بالسلاسل فى جبال الكاربات الأوكرانية، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يزخرفون البيض من خلال فن البيسانكا، تم إحكام السلاسل حول هذا المخلوق وتقييده، مما يسمح للحب بقهر الشر ويبقيه بعيدًا حتى لا يدمر العالم. وإذ قلت تتحلل سلاسله ويبدأ الشر فى التدفق فى أرجاء الأرض. ومن بين الأساطير المنتشرة حول البيسانكا أيضًا، أسطورة تتعلق بالموت؛ حيث قامت عائلة بوضع بيضة ملونة فى التربة الرخوة فوق قبر أحد أفراد أسرتها الذى رحل، فإذا عادت الأسرة ووجدت البيض سليمًا، فقد عرفوا أن الروح قد تم قبولها وكانت آمنة فى الجنة. وإذا كانت على البيضة علامات، أو إذا أخذها حيوان أثناء الليل، فمن المؤكد أن الراحل يحتاج إلى مساعدة أهله، وصلواتهم.
 

وربما تكون هذه الأساطير حول القوى السحرية لبيض عيد الفصح قد تلاشت، لكن تقليد صنعه ما زال على قيد الحياة. ولكل مقاطعة فى أوكرانيا الزخارف التى تميزها عن غيرها؛ على سبيل المثال، يتباهى عشاق البيسانكا فى غرب أوكرانيا برسومات من الطيور لتمثيل الخصوبة والغزلان لتمثيل القوة والازدهار. لم يُمارس تقليد بيسانكا كثيرًا فى أوكرانيا عندما كانت البلاد تحت الحكم السوفيتى منذ الحرب العالمية الثانية حتى عام 1991، عندما استعادت أوكرانيا استقلالها. وتقول زيليك إنه منذ تلك اللحظة، كان هناك ولادة جديدة لهذا التقليد فى البلاد.
 

وتستمر رمزية بيسانكا لفترة طويلة بعد عيد الفصح؛ حيث كان يُعتقد أن البيض يحتوى على قوى عظمى، اعتقد الأوكرانيون ما قبل المسيحية أن البيض يعالج العقم، وحماية المنازل ومنع المجاعة، وضمان صحة جيدة. وبالفعل يضع الأوكرانيون قشر البيض فى علف الماشية أو وضعها فى الحدائق لتقوية التربة ومن ثم زيادة المحاصيل. ومن المفترض أن يؤدى وضع بيضة فى كل ركن من أركان المنزل الأربعة إلى جلب الحظ السعيد. وبالتالي، يأمل الفنانين الأوكرانيين فى المساعدة بشكل رمزى فى إعادة إحياء البلاد وجهود إعادة البناء. 
 

وتعتبر زخرفة «بيسانكا» الآن أكثر من أى وقت مضى، أحد الطرق لإظهار أن الثقافة الأوكرانية موجودة فى وقت تهدد فيه الحرب بتدمير مواقع الثقافة والتراث الأوكرانية، فقد كان متحف لفيف الوطنى فى غرب البلاد، أحد أكبر متاحفها، قادرًا على الحفاظ على مجموعته سليمة خلال حربين عالميتين. ومع ذلك، منذ أن غزت روسيا أوكرانيا فى 24 فبراير، اضطر المتحف إلى تفكيك معارضه بسرعة. هذا بجانب المتاحف ودور المحفوظات فى جميع أنحاء البلاد تتدافع لحماية القطع الأثرية والوثائق التى تمثل التاريخ الأوكراني.

 

وترى الفنانة الأوكرانية «تيتيانا فودوفيز»، التى تعيش الآن فى واترلو، لندن، أن بيسانكا تشبع الآمال والرغبات وتظهر النوايا الطيبة. تتكون الخطوط والأشكال الدقيقة على البيضة باستخدام الشمع الساخن باستخدام أداة تشبه القلم تسمى kistka. وتُنقع البيضة بعد ذلك فى الصبغة، ويمنع الشمع الصبغة من تغطية التصاميم والرموز. تتكرر هذه العملية مع طبقات إضافية من الشمع وألوان أغمق تدريجيًا. وعندما تكتمل الطبقات، توضع البيضة على اللهب ليذوب الشمع، ويكشف عن البيسانكا مفصلًا. ويستخدم اللون الأحمر للعاطفة والأمل والدم، والأبيض للبراءة والنقاء، والأخضر للولادة الجديدة، والأسود للأبدية والتربة الخصبة، التى فى أعتقدهم سببًا فى أن تصبح البلاد سلة خبز العالم لوفرة القمح بها.
 

وإدراكًا لمدى تأثير البيسانكا فى معركة أوكرانيا الحالية من أجل البقاء، أطلق الفنان مشروعًا جماعيًا لصنع وجمع أكبر عدد ممكن من البيض، مثل «زيليك» التى تجمع بيضًا مزخرفًا من جميع أنحاء العالم فى المعهد الأوكرانى الأمريكي. وعن رسالة بيسانكا للفنانة «تانيا ميكيتيوك» فهى رسالة الحماية والأمل والقوة والحب والحداد؛ الشكل السائد هو توت كالينا الأحمر، وهو رمز وطني، والنجمة الثمانية التى ترمز إلى الشمس وهبة الحياة، كما تشع النجوم البيضاء السلام والأمل والطاقة. أما رسالة الفنانة الأوكرانية «هاليا بالاشتشوك» فكانت على بيضة نعام، أُطلق عليها اسم «المجد لأوكرانيا».

 

التصميمات تقليدية يعود تاريخها إلى قرون مضت وقد تمت كتابتها من أجل الحب والأمل والحماية والازدهار فى أوكرانيا. وتأثرت «نادية كواليشين» بمقطع فيديو شاهدته لفنانة بيسانكا فرت من أوكرانيا عندما اندلعت الحرب ولم تحضر معها سوى لون واحد من الصبغة؛ ولهذا استخدمت كواليشين صبغة واحدة، وهى الأحمر للأمل والدم الذى يبقينا على قيد الحياة، بخطوط جريئة وواسعة بشكل متعمد لترمز إلى القوة. فيما استوحت «لاريسا سبولسكي» تصميمها من الأغنية الأوكرانية «Dva Kolory»، والتى تعنى لونين. والأغنية تحكى قصة أم قامت بتطريز قطعة قماش لابنها، ثم حملها طوال الحياة، وترمز إلى مصير الطفل المجهول. وتعكس بيسانكا «تيتيانا فودوفيز» أوكرانيا، التى تجسدها فى صورة امرأة ترتدى زى أوكرانى تقليدي، تخيط وتعالج الأرض التى دمرتها الحرب، وتشرق الشمس فوق التلال والمروج خلال فصل الربيع، لتمثل التجديد والبعث. وعلى الجانب الآخر، تظهر العائلة كاملة وآمنة ومحاطة بعباد الشمس، والذى يمثل النصر والانتصار.


ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» قصة زيليك التى عقدت ورشة عمل لتعليم فن الباسانكا، وتبرعت بالعائدات لجهود الإغاثة الأوكرانية. وقالت «إذا كانت الأساطير صحيحة، فإن مهمتنا هى أن نجنى أكبر عدد ممكن من بيسانكا لدرء الشر، فهذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكن المساعدة بها»، إن فكرة بيض البيسانكا الذى يجلب الخير والحب إلى العالم ويقهر الشر؛ قد ألهمت الكثيرين للتضامن مع الصراعات الدائرة حول العالم. فأساطير البيض الملون وجمال زخرفته، تبث روح المقاومة لتقديم صلاة صادقة لكل الشعوب المتضررة من ويلات الحروب الآن فى أوكرانيا، وفلسطين.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة