أخبار الحوادث

الأحد، 01 مايو 2022 - 01:44 م

كتبت: مي السيد

فتاة في عمر الزهور واجهت أبشع أنواع التنمر والقتل، ليس على يد مجهولين أو مجرمين أو حتى عصابة متخصصة فى جرائم الخطف، بل جاءت الطعنة من أقرب الأقربين الذين كانوا أصدقاء الأمس وتحولوا فيما بعد إلى ألد الأعداء.

 

منذ فترة تصدرت صور الفتاة الفرنسية «إليشا» الصفحات الأولى في المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام الفرنسية؛ حيث احتلت قصتها اهتمام جموع الفرنسيين بسبب ما تعرضت له من وحشية من قبل صديقيها في المدرسة، الذين لم يرحما توسلاتها وألقاها في النهر حية حتى ماتت غرقا بعد تعذيبها.

 

لكن ما جعل تلك القضية تأخذ هذا الاهتمام الكبير هو حدوثها في إحدى أهم ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، والتي يطلق عليها اسم ضاحية أرجونتوي، والتي تقع فيها المدرسة المهنية التي ترتادها إليشا صاحبة الـ14 عاما، وكان مثلها مثل الكثير من البشر لم تكن على قدر كافٍ من الجمال، إلا روحها وخفة ظلها وذكائها كما وصفها أصدقاؤها جعلها محبوبة بين مدرسيها وزملائها. 

 

كان لـ«إليشا» صديقان مقربان هما فتاة وشاب أكبر منها بعامين تقريبا، حيث تعرفت عليهما بعد فترة من دخولها للمدرسة، ومع مرور الوقت أًصبحوا أعز أصدقاء، وكانوا دائما متواجدين مع بعضهم البعض، وكما جاء فى التحقيقات لم يفترقوا إلا عند النوم فقط، ولكن دوام الحال من المحال وتبدلت الصداقة الكبيرة إلى عداوة أكبر.

 

اتسمت إليشا بالخجل كما وصفتها والدتها خلال إحدى المقابلات، ولم يسمع أو يعرف عنها أنها فتاة ذات سمعة سيئة، وكانت مجتهدة في دراستها عكس صديقيها اللذان كانا في حالة يرثى لهما، ولم يكونا على قدر من العلم أو الاجتهاد في دراستهما مثلها وهو ما كان أحد أهم الخلافات الصغيرة داخل تلك الصداقة التى سرعان ما بدأت تكبر وتكبر بسبب تنمرهما الدائم عليها وتقليلهما من تفوقها العلمي فى دراستها.

 

لم يكن التفوق وحده هو ما بدأ يزعزع استقرار جدران تلك الصداقة، ولكن خجل إليشا واحترامها لنفسها وعدم وجود علاقات عاطفية في حياتها، جعل هناك شرخا آخر داخل جدران تلك الصداقة، على عكس صديقيها اللذان كانا يتهكمان عليها دائما بسبب انطوائها على نفسها وجديتها في دراستها، واحترامها المتزايد لنفسها.

 

فى ذلك الوقت بدأت إليشا تشعر بأن استمرار تلك الصداقة لم يعد ممكنًا وأنهما مختلفان عنها تماما، لذلك ابتعدت عنهما رويدا رويدا، ثم قطعت صلتها بهما تمامًا، ولكن ذلك جعل الحقد والحسد يزداد في نفس الصديقين، اللذان بدءا في مضايقتها والتنمر وإطلاق الشائعات.

 

 

كل تلك الإساءات لم تتحملها إليشا، وهو ما جعلها تبلغ إدارة المدرسة بما يحدث معها، الأمر الذي جعل إدارة المدرسة تتخذ قرارات صارمة ضد الشاب والفتاة؛ طردتهما لفترة زمنية وحذرتهما بعدم عودتهما إلى تلك الأفعال مرة أخرى، ولكن للأسف وبدلا من الابتعاد عنها كان ذلك سببًا فى مضايقتها أكثر فأكثر، بل والتخلص منها تماما بعد ذلك.

 

وقد مر وقت من الزمن اعتقدت معه إليشا أنها بدأت صفحة جديدة في حياتها للبحث عن أصدقاء جدد على نفس تفكيرها، ولكنها لم تعرف أن ذلك الهدوء كان يسبق العاصفة، حيث كان المجرمان يخططان لشيء بشع يسعيان من خلاله لفضحها والتشهير بها، وقد تمكنا منه بالفعل.

 

توجهت إليشا كعادتها إلى المدرسة، ولكن كان هناك شيء غريب تراه خلال نظرات كل من حولها فالجميع يتهامسون وينظرون إليها بنظرات غضب وتعجب في نفس الوقت، دون أن تدري أن هناك كارثة حلت بها، حتى فوجئت بإدارة المدرسة تستدعيها، وكانت المفاجأة بالنسبة لها حيث واجه مسئولو المدرسة إليشا بصورة خادشة لها منتشرة على صفحات التواصل الاجتماعى وبين الطلاب بالمدرسة، الأمر الذي جعلها في حالة صدمة شديدة لم تستطع استيعاب ما يحدث، وعجزت عن أن تنكر الصور حيث أقرت أنها تخصها بالفعل، لكنها لا تعرف من سربها ونشرها.

 

عادت الطالبة إلى منزلها وهي في حالة يرثى لها، حيث حكت لوالدها ووالدتها ما حدث معها، الأمر الذي جعلها تدخل في حالة من الاكتئاب فلم تتمكن من العودة إلى المدرسة مرة أخرى، وعجزت عن أن تبرئ نفسها من نشر الصور، إلا أن عددًا من زملائها تتبعوا القضية وتمكنوا من معرفة ما حدث.

 

أكدوا لها أن هاتفها تم اختراقه وتسريب كافة الصور من داخله هكذا علمت إليشا كيف انتشرت صورها على كافة مواقع التواصل الاجتماعي، وبين الطلاب داخل المدرسة، وهو ما جعل إدارة المدرسة تعفو عنها، ولكن دون معرفة الفاعل الحقيقي، الذي كان واضحًا أنهما صديقيها، ولذلك قررت إليشا مواجهتهما بما حدث ومعاتبتهما على تلك الفعلة الشنيعة.

 

 

عندما علم المجرمان أن إليشا توصلت إليهما، وعلمها بأنهما وراء اختراق هاتفها وتسريب صورها وفضحها بهذا الشكل البشع، قررا أن يخططا لجريمتهما الأكبر بدلا من الاعتذار، وهو ما نجحا فيه بعد أيام فقط من تسريب الصور، حيث فوجئت إليشا بمكالمة هاتفية من صديقيها يطلبان منها الحضور لمقابلتهما بجوار نهر السين للاعتذار لها، ولكونها طيبة بطبعها كما تصفها والدتها لم تتخيل إليشا ما يخططان لها، لذلك لم تتردد فى الذهاب إليهما.

 

وهناك كان قدرها المحتوم في انتظارها، وبدلا من الصلح والاعتذار وجدت إليشا نفسها أمام تعدي صارخ من قبل صديقيها عليها، وكما جاء في تفاصيل التحقيقات وجدت نفسها أمام كمين محكم لم تستطع الخلاص منه.

 

عند أعمدة جسر نهر السين  كان المشهد الأخير في حياة إليشا، حيث كانا صديقيها في انتظارها وما إن وصلت تعديا عليها بالضرب المبرح، لم يرحما توسلاتها وقاما بإلقائها فى النهر وهي لا تزال على قيد الحياة، وفور أن تأكدا من اختفائها أسفل النهر فرا هاربين من المكان معتقدين أن أحدا لم يتمكن من كشف دورهما فى الجريمة.

 

غضب شعبي

 

أثار مقتل أليشا الغضب في فرنسا، و نظم ما يزيد على 2000 شخص مسيرة، مرتدين قمصانا بيضاء عليها صورة الفتاة المراهقة وشعار «إليشا تمثلني»؛ حيث دعا العديد من الناس إلى الحد من التنمر وإلى إحقاق العدالة للمراهقة، وهو ما دعا المدعى العام لإصدار بيان حول تفاصيل القضية للكشف عن هوية الجناة.

 

وهنا أكد المدعى العام؛ أن الفتاة تعرضت لكمين بالمكان وتم التعدي عليها من قبل صديقيها بالضرب المبرح، ثم ألقيت فى النهر فيما كانت لا تزال بكامل وعيها، وأوضح المدعى العام أن تشريح الجثة توصل إلى أن أليشا توفيت غرقًا.

 

وبعد عام من الجريمة وبعدما مثل المراهقان لأربعة أيام أمام المحكمة في جلسات مغلقة، كان الفصل الأخير في القضية ينظر أمام العدالة، وداخل قاعة محكمة الأحداث كان الوضع مشحونًا للغاية فأسرة القتيلة تنتظر تطبيق العدالة والقصاص لنجلتهما التي لم تعد متواجدة بينهم، وفي الجهة المقابلة كانت أسرتا المتهمين تنتظران الرحمة بأولادهما  الصغار.

 

قضت المحكمة على المتهمين الشاب والفتاة بالسجن عشر سنوات بتهمة قتلهما المراهقة اليشا، وقال رئيس المحكمة؛ إن ذلك الحكم يأتي لعدم ظهور أدلة واضحة بما يكفى تثبت التخطيط لـ«أعمال تحضيرية» في شأن وفاة المراهقة، كما أن المراهقين كانا على إدراك كامل بالوضع ولا يمكنهما إغفال الحالة الواضحة للضحية التى توسلت إليهما.

 

كما حكم عليهما أيضا بدفع 180 ألف يورو بالتكافل والتضامن كعطل وضرر جراء الأذى المعنوي الذي لحق بأسرة إليشا، وصرحت والدة الضحية عقب الحكم بأنها كانت تتوقع حكما ينصفها أكثر من ذلك بالقانون، مستغربة من أنهما سيخرجان بعد عشر سنوات بعد الجريمة التي ارتكباها بقتل نجلتها الصغيرة في ريعان شبابهما.