إيهاب فتحى
إيهاب فتحى


لعبة الطائر الأزرق

أخبار الحوادث

الثلاثاء، 03 مايو 2022 - 02:11 م

حتى أيام قليلة لم يكن يتصدر الأحداث فى المشهد الدولى سوى الأزمة الأوكرانية وتداعياتها لكن مع ظهور أغنى رجل فى العالم أيلون ماسك ومعركته من أجل الاستحواذ على الطائر الأزرق أو موقع تويتر للتواصل الاجتماعى تراجعت الأزمة الأوكرانية. 

استحوذ بالفعل ماسك على طائره الأزرق مقابل 44 مليار دولار فى صفقة تعتبر الأكبر بين صفقات الاستحواذ على مواقع التواصل الاجتماعى، لكن هل هذه الصفقة صفقة اقتصادية خالصة أم هى لا تنفصل عن الأزمة الأوكرانية التى تشغل كل صناع القرار فى العالم؟ الأهم هل صفقة الطائر الأزرق بعيدة عن ترتيبات المشهد الدولى التى يستعد لها العالم بعد انتهاء معارك كييف؟ وأين موضع «ماسك»  وطائره الأزرق من الصراع الداخلى فى الولايات المتحدة  من جهة والصراع الأمريكى الصينى لقيادة العالم من جهة أخرى وعلى رأس ساحات هذا الصراع ساحة حرب الدعاية بين العم سام والتنين الصينى؟  

قبل الدخول فى تفاصيل صفقة «ماسك» وارتباطها بالصراعات الأمريكية الداخلية والتعقيدات على الساحة الدولية، يجب أولا إلقاء الضوء على طبيعة موقع تويتر بالنسبة لمنظومة السوشيال ميديا العالمية، فى حالة تقييم موقع تويتر من الناحية الاقتصادية فهو لا يحقق هذا الإبهار الربحى للمستثمرين، فحسب آخر الإحصاءات حقق تويتر 1.28 مليار دولار فى الربع الثالث للعام 2021 مع تكلفة أو خسائر تشغيلية 753 مليون دولار عند حساب الفارق فى ما تحقق قد لاتجذب هذه الأرقام عيون صانعى السياسات المالية الدولية والمسيطرين عليها والمصابين بنهم الاستحواذ على كل ماهو مربح. 

تعطينا نفس الإحصاءات مؤشرات أرقام المستخدمين، يضم تويتر 1.3 مليار حساب الناشط منها 211 مليون عند المقارنة بين حجم الفاعلين فى تويتر ومواقع التواصل الاجتماعى الأخرى سنجد أن المقارنة تصب فى صالح هذه المواقع وليس الموقع الأزرق، بحسابات أرقام الربحية والأعداد يتم تقييم تويتر بأنه موقع غير ملفت لكن الحقيقة أن تقييم تويتر لا يقتصر فقط على أرقام الربحية والعدد.

وفق أسباب أخرى قائمة على تجاذبات الصراع السياسى الدولى وصدام التيارات السياسية والفكرية وحروب الدعاية وأيضا اعتبار النخب الدولية بتنويعاتها أن تويتر هو موقعها السوشيالى المفضل لتطلق تغريداتها من عليه، تحول هذه الأسباب مجتمعة تويتر من موقع غير ملفت إلى الموقع الأكثر خطورة فى منظومة السوشيال من ناحية التأثير على مزاج المجتمع البشرى، لذلك غير مستغرب أن تخوض قوى عظمى وأباطرة المال والسياسة الحروب من أجل السيطرة على الطائر الأزرق وتغريداته. 

عندما يكون محتوى الصفقة بهذه الأهمية فالأسئلة التى طرحناها عن طبيعة الصفقة تبقى على نفس الدرجة من الأهمية، لكن هناك مستويين من الأهمية أولهما بالنسبة للداخل الأمريكى والصراع المحتدم بين تيارين رأسيين القوميين والمحافظين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب من ناحية وعلى الناحية الأخرى من يتبنون العولمة ويرفعون رايات الليبرالية التى تصل إلى درجات التوحش وعلى رأسهم إدارة بايدن. 

تحول موقع تويتر إلى الساحة الأكثر عنفًا بين التيارين الأمريكيين رغم تعدد ساحات المعارك بينهما وكانت لحظة الصدام الكبرى والأعنف  عندما تم حجب تغريدات الرئيس السابق ترامب ومعه مئات من المنظرين والشخصيات العامة  والسياسيين المؤيدين للتيار القومى الوطنى الأمريكى حتى بعيدا عن تأييدهم من عدمه لترامب فكثيرًا منهم لم يكونوا مقتنعون بالترامبية وبعضهم لم يكن له علاقة مباشرة بالصراع السياسى بل كانت تشغلهم القضايا الاجتماعية. 

قرر تويتر ماقبل «ماسك» الانحياز الكامل إلى الليبراليين والمعولمين وبشكل فج ولم يكن جاك دورسى مؤسس تويتر هوفقط المحرك لهذا الانحياز الجائر بل كان المحرك الرئيسى هو»فيجيا قادى» القانونية والمسئولة عن مراقبة المحتوى بموقع تويتر وذات الأصول الهندية وهى تتشابه فى بعض تفاصيل حياتها مع نائبة بايدن كاملا هاريس، وليس التشابه فقط فهى داعم مادى ومعنوى لحملات هاريس الانتخابية حتى وصولها للبيت الأبيض.

لم يكن تويتر هنا وبسبب «فيجيا» محايدًا بالمرة فى هذا الصراع الأمريكى / الأمريكى بل وصل الأمر غير حجب الأصوات القومية والوطنية وترامب إلى التجاهل الكامل لكل المعلومات والتقارير الصحفية التى تدين هانتر بايدن ابن الرئيس الأمريكى والمتعلقة بفساده وصفقاته فى أوكرانيا وكانت فيجيا قادى هى من أصدرت الأوامر بهذا التجاهل. 

عندما ذهب ماسك إلى معركة شراء تويتر فى الأغلب لم يكن ذاهبًا بصفته رجل الأعمال الباحث عن فرصة الاستثمار الذهبية لكن كان ماسك ووفق معتقداته وتصريحاته وتغريداته ممثلا للتيار القومى المحافظ والذى دعم قادته ماسك فى معركة الشراء. 

يعتبر لقب أغنى رجل فى العالم هو لقب استعراضى ويبدو أن هناك من هو أكثر غنى ونفوذًا من ماسك داخل هذا التيار الشرس ولكنهم لايريدون الصعود إلى قطار الشهرة مكتفين بإدارة اللعبة ومصالح الامبراطورية الأمريكية من خلف الستار والتى أصبح يتطاول عليها يساريون وليبراليو العولمة، لذلك لم يكن مستغربًا أن يغرد ماسك على تويتر بعد الاستحواذ عليه « أقصى اليسار يكره الجميع بمن فيهم أنفسهم « أو يبدأ ماسك التخطيط لطرد «فيجيا جادى» إلى الشارع بعد الاستلام النهائى لتويترمعلنًا انتصار التيار المنتمى إليه وقادته انتظارًا لمعركة الحسم فى 2024 أو الانتخابات الأمريكية والتى ستحدد توجه الولايات المتحدة ولا نبالغ إذ قلنا العالم فى خلال النصف قرن القادم حتى فى عدم وجود ترامب وبايدن كمتنافسين لأن الصراع بين تيارين ومصالح بحجم امبراطورية وليس صراع أشخاص وبهذا المستوى من الصراع يعتبر رقم ال 44 مليار دولار غير مهم. 

إذا كانت عملية شراء تويتر بهذه الأهمية بالنسبة للداخل الأمريكى فالخارج المتصارع على لقب القوى الأعظم كان يراقب تويتر بشراسة ودقة لأنه الساحة الرئيسية لفرض النفوذ الدعائى السياسى ولهذا كان التنين الصينى يضع تويتر فى مرمى أهدافه الرئيسية، قبل توجه ماسك لمعركة شراء تويتر كان جيش محاربى الذئاب الصينى والمكون من دبلوماسيين وشخصيات صينية مؤثرة يأخذ مواقعه على تويتر ليواجه النخب الأمريكية الموجودة على الموقع وينشر دعايته وبالفعل استطاع جيش محاربى الذئاب تثبيت مواقعه على تويتر وتزامن ذلك مع صعود نسبة ماسك فى أسهم تويتر منذ العام 2019 . 

لم يكن تواجد محاربى الذئاب فى حدائق الطائر الأزرق مرحبًا به فبدأت المطاردات والحجب والمنع وأصبح من الواضح أن تويتر يخطط لمنع كافة اشكال الدعاية الصينية التى أصبح تويتر هو نافذتها الرئيسية على الداخل الأمريكى والعالم وتزامن ذلك مع نشوب الأزمة الأوكرانية ليصبح تويتر بالنسبة لدعاية التنين الصينى حياة أو موت لهذه الدعاية وليس مجرد نافذة. 

عقب صفقة شراء تويتر خرج خصم ماسك جيف بيزوس مالك أمازون مصرحًا  «سؤال مثير هل اكتسبت الحكومة الصينية بعض النفوذ على ساحة البلدة؟ وقصد بيزوس هنا بساحة البلدة تعريف أيلون ماسك لتويتر حيث اعتبره ساحة بلدة االسوشيال ميديا أو الميدان الرئيسى فيها . 

لم يكن بيزوس مخطئًا كثيرًا فى تصوراته فأيلون ماسك هو الأكثر قربًا والتصاقًا بالتنين الصينى ويمكن مجازًا اعتباره رجل الصين فى واشنطن بسبب شركته الرئيسية تسلا لصناعة السيارات الكهربائية فالصين تعتبر السوق الرئيسى لسياراته الكهربائية وبكين هى المورد الأول للبطاريات عماد صناعة السيارات الكهربائية.

فى نفس الوقت حصل أيلون ماسك على تسهيلات ومميزات داخل الأراضى الصينية لم يحصل عليها مستثمر أمريكى من قبل لدرجة أن العبارة المشهورة فى سوق الأعمال الأمريكى تقول « الصين وماسك لايستغنيان عن بعضهما « لعمق العلاقة لم يكن مستغربًا أن يصطحب ماسك سفير الصين بالولايات المتحدة فى جولة بالموديل الجديد لسيارات تسيلا الكهربائية وقبل أيام من توقيع صفقة تويتر. 

هذا التوافق فى المصالح بين ماسك وسياسات التنين الصينى يوازيه عدم اختلاف بين مصالح التيار القومى الأمريكى وحصة الصين داخل نفوذ الامبراطورية الأمريكية ، لهذا لايعتبر خروج  الطائر الأزرق من تويتر إلى يد رجل الأعمال أيلون ماسك هو صفقة اقتصادية مجردة بل أمر ارتبط بمشهد دولى وامريكى أكثر اتساعًا من الاقتصاد والمال.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة