محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

تبرعوا لزواج اليتيمات والقاصرات!

محمد الشماع

الثلاثاء، 03 مايو 2022 - 06:30 م

المشكلة ليست فى تلك الجمعيات فقط، لكنها وصلت إلى مشاركة بعض المسئولين والإعلام فى غياب الخطاب الدينى!

حدثنى أحد الزملاء ممن أثق فيهم وفى نزاهتهم عن أنه عضو فى  جمعية خيرية لخدمة أبناء المجتمع فى محيط محل إقامته بإحدى المناطق الشعبية بالقاهرة وطلب منى التبرع بمبلغ للمساهمة فى أعمال الخير، رحبت به وشكرته على أنه أتاح لى فرصة المشاركة فى فعل الخير وبعد فترة زمنية قصيرة زارنى واشتكى لى من أن موارد الجمعية نفدت وأنه أمامهم حالات كثيرة تستدعى التبرع للمساهمة فى حل مشاكل غير القادرين من جيرانه.

سألته ما هى تلك المشاكل؟
فقال إنهم يقومون بتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج وأن لدينا حالات كثيرة تتطلب سرعة المساهمة والتبرع لاقتراب الموعد المحدد للزواج وأن بعض هذه الحالات ينقصها شاشة التليفزيون والثلاجة والغسالة فول أوتوماتيك، والحمد لله البوتاجاز تبرع به أحد أفراد أهل الخير!

سألته: طيب يعنى انتم جهزتم كل شىء؟
قال: الحمد لله احضرنا لهم الأساسيات وباقى شوية حاجات رفيعة وبسيطة برضه ربنا يسهل وأهل الخير كتير.. أصل البنات صغيرة وملهاش حد يصرف عليها ولهم اشقاء صغار ربنا يقدرنا وندبرلهم أمورهم!
قلت له: والعرسان أخبارهم إيه، موظف أو بيشتغل وظيفة ثابتة؟
قال: العريس على باب الله.. يوم شغل وباقى الأيام مفيش ما انت عارف الظروف صعبة!
وهنا وجدت نفسى أوجه له سؤالاً وأنا أتمالك نفسى من شدة الغضب: طيب العريس والعروسة هيعيشوا ازاى ومن أين تأتى لهم الأموال التى ينفقنها على أنفسهما وإذا انجبا طفلا من الذى يتكفل به!!
يرد وهو يبتسم احنا يا بيه عايزين نلمهم وربك بيرزق!!
واستطرد قائلا: احنا عملنا حالات كثيرة أوى وكل ده احنا قاصدين خير وكله فى ميزان حسناتك!!

كله على الله
لم أتمالك نفسى من شدة الغضب وقلت له: انتم تساهمون فى صنع مشاكل وكوارث لا يعلمها إلا الله.. إذا كان هؤلاء الفتيات لا يملكن شيئا وازواجهن كذلك ومعظمهم بل والغالبية من أفراد هذه الزيجات ليس لهم مصدر رزق ثابت من وظيفة دائمة أو حتى مؤقتة ولا يستطيعون التكفل بالانفاق على أنفسهم فكيف بالله عليك أن تساهموا فى صنع تلك المشاكل، خاصة بعد أن تزيد هذه الزيجة وتصبح ثلاثة أفراد أو أربعة أو أكثر من الذى يتولى رعايتهم وتربيتهم وعلاجهم وتعليمهم.. أم انهم أيضا سينتظرون أهل الخير!
إذا كان هذا هو سلوك وثقافة المواطنين البسطاء من أهل الخير الذين يريدون مساعدة الآخرين غير القادرين لكنهم بحسن نية يسيئون التصرف ويكونون سببا فى مشاكل أكبر وأخطر!!.. وهذه الجمعيات «الصغيرة» منتشرة فى كل محافظات مصر وتقوم بنفس العمل.
ابتزاز غير أخلاقى
شاهدت بنفسى حالات تدعو إلى العجب وقد لا يصدقها العقل! احدى الحالات سيدة شابة لديها ثلاث فتيات صغيرات توفى زوجها وتركهن بلا عائل ولا معاش أهل الخير جمعوا تبرعات لتلك الأسرة واستطاعوا أن يجمعوا لها مبلغا تشترى به بعض الحلوى تبيعها أمام منزلها ثم كبرت البنات والكل يريد أن يساهم فى جهاز الشابة الصغيرة فاشتروا لها معظم احتياجات بيت الزوجية وتأجل الزواج حتى يحضر لها أهل الخير غسالة أطفال بعد أن تم توفير الثلاجة والبوتاجاز والغسالة الفول أوتوماتيك وتسبب التأخير فى عكننة مزاج العروسة وأمها!!
بعد سنوات من استمرار عملية التبرعات لهذه السيدة وبناتها فوجئ أهل الحى بأن السيدة ذهبت إلى احد ملاك عقار مكون من أربعة أدوار حديث البناء لكى تشتريه وتدفع له المبلغ «كاش» بشرط عدم اعلان الخبر لأهل المنطقة التى تقيم بها.. ورفض المالك!
من تعود أن يعيش على حساب الغير، لن يتغير سلوكه حتى لو صار مليونيرا ولدىّ حالات كثيرة عايشتها بنفسى والأكثر سمعته من الغير ممن أثق فيهم تماما!!
تذكرت واقعة ذكرها أحد رؤساء الجمهورية السابقين وكان فى موقع وظيفى كبير جدا قبل الرئاسة أنه عندما اشترى مروحة استاند لمواجهة شدة الحرارة فى منزله ان طفليه كانوا مبهورين بالمروحة وظلا يدورون حولها يوما كاملا!!

أخطاء قاتلة للمسئولين
المشكلة ليست فى تلك الجمعيات فقط لكنها زادت ووصلت إلى بعض المسئولين فى الدولة، ففى السنوات الأخيرة أصبحنا نشاهد حفلات الزواج الجماعى فى معظم محافظات الجمهورية تحت رعاية السادة المحافظين لزواج اليتيمات وغير القادرين ومعظمهن من صغار السن وتتم تلك الاحتفالات تحت عدسات الصحافة والتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى ويجلس السيد المحافظ أمام تلك الوسائل الإعلامية التى يتم دعوتها خصيصا أثناء توقيع السيد الوزير المحافظ على عقود الزواج وتنشر وتذاع الصور تحت عناوين براقة وصور رائعة للعرسان فى استاد المحافظة والموسيقى والرقص أشبه بمهرجان كبير يتكلف الكثير والكثير من الأموال تحت عناوين.. زفاف ١٠٠ عروس من اليتيمات.. حفل زفاف جماعى.. المحافظ يشارك فى الاحتفال ويشهد على عقود الزواج! ويشترط على رجال الأعمال بتوفير المساعدات لعملية الزواج وتقديم الأجهزة الكهربائية وبعض الأثاث مجانا إكراما للسيد المحافظ وليس لليتيمات!

هل فكر السادة المحافظون الذين يرعون تلك المهرجانات فى بحث تلك الحالات وهل الازواج لديهم وظائف دائمة توفر لهم الانفاق على بيت الزوجية الجديد، وهل الفتيات ايضا لديهن دخل من عمل أو وظيفة تساعد فى الإنفاق على حياتهن الجديدة التى تتطلب اعباء مالية كبيرة لا تخفى على احد؟! وهل هذه الزيجات تمت للشباب الذين هم فى سن رشيدة تقدر المسئولية ولديه ثقافة كافية بالزواج وتحمل أعباء تكوين أسرة صالحة، أم ان الهدف هو الزواج فقط وبعدين يحلها ربنا والعيل اللى بيتولد ييجى برزقه!

كان أولى بهؤلاء السادة المحافظين والمسئولين أن يشمروا عن سواعدهم ويوفروا فرصا لعمل الشباب والشابات فى نطاق محافظاتهم وتيسير انشاء المشروعات الانتاجية والخدمية التى أعتقد بل متأكد ان أبناء محافظاتهم فى أشد الحاجة إليها.. بدلا من المشاركة الكاذبة تحت زعم إسعاد الشباب والشابات اللى هى فى الحقيقة إتعاس للمجتمع وهزيمة لكل خطط التنمية غير القادرة على تلبية احتياجات الزيادة السكانية، وماذا لو تأجل الزواج عاما أو اثنين أو ثلاثة حتى يتم اكتمال استعداد الأسر التى ترغب فى زواج أبنائها والتى يتم أغلبها تحت زعم زواج اليتيمات والتى يكون أغلبهن فى سن صغيرة على الزواج وتريد الأسرة أن تسرع بزواجهن والتخلص منهن-تبقى فى رقبة راجل- وتغسل يدها وكأنها مشكلة أو كارثة أو لا قدر الله عيب! لقد أصاب البعض الرعب من أن يفوت بناتهن قطار الزواج وتصر بعض الأمهات على اتمام الزواج ومش مشكلة تبقى تتطلقى ويبقى اسمك تزوجتى.. هل هذا معقول؟!

الظاهرة والخطاب الدينى
الأخطر من ذلك هو دخول بعض مشايخنا الافاضل على الخط من خلال بعض الجمعيات المجتمعية يدعون إلى المشاركة فى زواج اليتيمات وضرورة التبرع لهذا العمل الذى يمنحك الله عليه ثوابا كبيرا وأن مساعدة اليتيمات عمل يرضى عنه الله ورسوله.. هذا صحيح تماما ولكن كيف بالله عليك ان تشارك فى زيجة طرفاها ليس لديهما المقومات الأساسية للزواج.. وهل التبرع سيذهب لزواج اليتيمات فقط. طيب هناك فتيات غير يتيمات وآباؤهن وأمهاتهن أحياء متعثرون، لماذا لا يتم مساعدتهم، أم اننا نستخدم اليتم فقط لجلب التبرعات؟

كنت أتصور أن يكون جمع التبرعات من اجل اقامة مشروعات لتدريب الفتيات اليتيمات وغير اليتيمات على تحقيق كسب مادى يساعدهن فى نفقات الحياة الصعبة لا أن يوفر لهن كل شيء قبل الزواج، طيب وبعد الزواج ستستمر الحياة عن طريق جمع التبرعات لهن ولأبنائهن الذين لا ذنب لهم.. وإذا لم يتحقق شرط العمل تكون النتيجة الطلاق وأطفالاً مشردين فى الشوارع!

ألم يعلم هؤلاء من أهل الخير الذين يقومون بتزويج الفتيات أنهم يرتكبون خطأ كبيرا.. المساعدة مطلوبة وضرورية لشخص أو أسرة تعرضت لا قدر الله لكارثة أو مشكلة طارئة أو وفاة عائل الأسرة التى لا تجد من يعولها أو مريض يريد علاجا تكاليفه باهظة أو صاحب مسكن أصابه ضرر أو شاب يريد استكمال تعليمه أو طفل يحتاج إجراء جراحة دقيقة أو أى انسان تعرض لظروف خارجة عن ارادته ويطلب المساعدة أو حتى لم يطلب هو المساعدة علينا أن نقف جميعا بجانبه.

كم من شخصيات معروفة ورجال أعمال كبار كانوا لا يملكون أى شىء على الاطلاق وبدأوا من تحت الصفر وأصبحوا نجوما فى مجال الاقتصاد والأعمال ومنهم من أصبح فى مراكز عليا فى المجتمع لأنهم اعتمدوا على أنفسهم وعلى جهدهم وعلى ما اعطاه الله لهم من حُسن التفكير والفعل فوصلوا إلى ما وصلوا إليه ويفخرون بأنهم بدأوا من تحت الصفر ولا يخجلون من ذلك.

اعرف مسئولين كبارا ورجال أعمال ونجوما تزوجوا بغرفة نوم مش كاملة ومن بدأ على مرتبة على الارض وأصبحوا اليوم من الأثرياء من خلال عملهم ومنهم من اشترى أول تليفزيون بالقسط على عدة سنوات كما اشترى الغسالة العادية بعد سنوات من زواجه وكان ثمنها ثمانين جنيها بالقسط وكانت السعادة كل السعادة عندما يشترى جهازا ضروريا من تلك الأجهزة التى جمع ثمنها بالقرش والجنيه ويوفره من طعامه وضروريات الحياة! فى الوقت الحالى ترفض شابة إتمام الزواج إلا بعد إحضار غسالة الأطفال وحجرة خاصة لهم!

الدولة تعمل على قدم وساق لتنفيذ خطط التنمية المستدامة، وتحقيق معدلات تنموية متقدمة جدا لكنها لا تواكب الزيادة السكانية الرهيبة نتيجة زواج القاصرات وصغار السن من الشباب ويعلو الصراخ من الأسعار وللأسف الشديد فشل الخطاب الدينى فى مواجهة هذه الظاهرة، .

اتق شر من أحسنت إليه
أعرف أصدقاء ندموا على فعل الخير بسبب انهم كانوا يقومون بمساعدة أشخاص لفترات طويلة مساعدات كبيرة، ثم توقفوا عندما تأكدوا انهم فى غير حاجة للمساعدة، فما كان من بعض هؤلاء الذين يحصلون على تلك المساعدات إلا توجيه كل غضبهم لمن كانوا يقدمون لهم المساعدة، بل ووصل الأمر إلى طلبهم من الموبايلات الحديثة التى يمتلكونها وتوجيه الشتائم لهم والدعاء عليهم بالفقر والعوز!!

كان الله فى عون الدولة وخططها التنموية والزيادات السكانية التى هزمتها حفلات الزواج الجماعية الرسمية المجتمعية وشبه الجمعيات والخطاب الدينى غير المستنير يشارك فى ضرب خطط الدولة وإفشالها لعرقلة خططها فى مواجهة الزيادة السكانية والظروف الدولية والإقليمية المعقدة والسيئة المقبلة على العالم خلال الفترة القادمة!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة