الأديب أحمد حسن الزيات
الأديب أحمد حسن الزيات


أحمد حسن الزيات «كنز التنوير».. 54 عاما على رحيل جاحظ القرن العشرين

آخر ساعة

الأحد، 08 مايو 2022 - 04:51 م

حسن حافظ

رغم منجزه الضخم وتأثيره الواسع وموهبته التى لا يتطرق إليها شك، فإن النسيان غطى ذكرى الأديب أحمد حسن الزيات، أحد أشهر القامات الأدبية فى النصف الأول من القرن العشرين، وصاحب الأسلوب الأدبى الفريد حتى وصف بجاحظ عصره، ومؤسس مجلة "الرسالة"، إحدى أهم المجلات الثقافية فى تاريخ مصر الحديث، فضلا عن عدد من المؤلفات التى دافع فيها عن العربية وأساليبها، وفى ذكرى رحيل الزيات فى 12 مايو 1968، نتذكر أحد أعلام الثقافة المصرية الكبار، ونستعيد دوره التنويرى الذى ساهم فى إثراء المشهد الثقافى المصرى.

 

ترك الزيات خلفه كنزا معرفيا لمن يريد أن ينهل من مجالات الأدب والنقد والتاريخ والفلسفة والقصة والشعر وغيرها من حقول المعرفة، التى عملت مجلة الرسالة على تغطيتها، فتحولت المجلة على مدار عشرين عاما، إلى مفرخة للأدباء ومدرسة تخرج منها جيل كامل من الكتاب والمفكرين، الذين عرفوا أول الطريق على صفحات الرسالة، ولا يعنى هذا أن الزيات كان متساهلا فى النشر، بل إن سمعة المجلة كمجلة لا تنشر غثاء الكلام، ظلت كالعملة الذهبية غير المغشوشة، فكم جاء من شباب لا يمتلكون الموهبة إلى باب الزيات، وتعامل معهم بحنكة المعلم، فلم يصرفهم فى غضب، بل احتواهم فى حنان المربي، فلم يسمح لنفسه بالنشر إلا لما يستحق أن ينشر، لذا كان النشر لأى شاب أو شابة فى الرسالة تعنى شهادة ميلاد فى مدرسة الزيات، فمن هو هذا الرجل الذى كان ملء السمع والبصر فى عالم الثقافة؟

 

ولد أحمد حسن الزيات فى قرية كفر دميرة التابعة لمحافظة الدقهلية، فى أبريل 1885 على الأشهر، وعاش فى كنف أسرة مستورة الحال تعمل بالزراعة، وكان والده حسن الزيات يعرف القراءة والكتابة، وهو أمر نادر فى ذلك العصر الذى عاش فيه الفلاح المصرى فى هوان وذل، ومع إيمان الوالد بقوة المعرف فقد دفع بابنه إلى الكتاب مبكرا فحفظ القرآن الكريم فى حدود العاشرة من عمره، وكان حلم الأب والابن معا هو الالتحاق بالأزهر الشريف أهم معهد علمى فى مصر، والنافذة الوحيدة المتاحة وقتها لأبناء عامة الشعب لكى يواصلوا تعليمهم.

 

ويقول الزيات عن هذه الفترة فى كتابه "فى ضوء الرسالة": "أول ما عرفت الأدب كان ذلك وأنا فى الحادية عشرة من عمرى حين حفظت القرآن، وأحسنت القراءة، وجودة الخط استعدادا للانتساب إلى الأزهر، والأزهر يومئذ هو المعهد العلمى الذى كان الريفيون لا يعرفون غيره"، لكن قبل أن يذهب إلى الأزهر انفتحت أمامه كنوز التراث الشعبي، إذ بدأ خلال حفل زواج شقيقه الأكبر فى الاستماع لحكايات الراوى من سيرة سيف بن ذى يزن، وبعدها أتمها قراءة، ثم تعرف على شيخ ضرير فى القرية، يدعى الشيخ عطا، طلب من الفتى الصغير أن يقرأ له سيرة عنترة بن شداد وألف ليلة وليلة، ويقول الزيات: "وقضيت أنا وشيخى عطا سنة على هذه الحال قرأنا فيها القصص الشعبية كلها قصارها وطوالها، والقصص تتكرر أو تتشابه، فحفظت الكلمات والتعابير، وفهمت الاستعارات والتشابيه".

 

وهناك فى قريته الصغيرة، أصدر الزيات أول مجلة فى حياته عنوانها (الانتقاد)، "وموضوعها مدح العمدة وذم خصومه بالمقال والقصيد والزجل، كنت أكتب منها نسخة واحدة بيدي، وأقرؤها للمشتركين بنفسي، ثم توقفت بانتقالى إلى القاهرة عند عددها الرابع". وسافر الفتى إلى القاهرة حيث التحق بالأزهر وهو فى الثالثة عشرة من عمره، وقضى فى أروقة الأزهر عشر سنوات ينهل من علومه، خصوصا من أساتذته الأقرب إلى عقله، الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد محمود الشنقيطي، وسيد المرصفي، وكان يصاحبه فى هذه الدروس، زملاء صاروا أصدقاء، وعلى وجه الخصوص طه حسين، ومحمود حسن زناتي، وقد قرر الأصدقاء الثلاثة ترك الدراسة بالأزهر، بعد كثرة اعتراضهم على طرق التدريس العتيقة فى المشيخة، وبحثهم عن مناهج عقلية جديدة، فكان قرارهم بالالتحاق بالجامعة الأهلية (جامعة القاهرة فيما بعد)، والتى تأسست سنة 1908، وكان الزيات يدرس فيها مساء ويعمل صباحا بالتدريس فى المدارس الأهلية، وحصل على الليسانس عام 1912، واستمر فى التدريس حتى العام 1922، إذ تم اختياره لرئاسة القسم العربى فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

 

بالتوازى مع كل هذهت التحق الزيات بمدرسة الحقوق الفرنسية ليحصل على ليسانس الحقوق من جامعة باريس بعد أن قضى سنة فى فرنسا سنة 1925، وتخلى من وقتها عن الزى الأزهري، ليعود إلى الجامعة الأمريكية ويواصل مهام منصبه بها حتى العام 1929، ثم انتدبته الحكومة العراقية ليعمل أستاذا للأدب العربى فى دار المعلمين ببغداد، ومكث هناك ثلاث سنوات، وكان سبب حصوله على الانتداب ترشيح صديقه عباس محمود العقاد، الذى طلبته الحكومة العراقية فى البداية، لكنه اعتذر بسبب انشغاله بالحياة السياسية وعمله مع حزب الوفد، لكنه رشح بديلا له صديقه أحمد حسن الزيات، الذى عاش فترة مهمة فى العراق يفيد ويستفيد، وقد اهتم العراقيون بزيارة الزيات، ما تجلى فى تأليف جمال الدين الألوسى لكتاب (أدب الزيات فى العراق)، وهو من أطلق على الزيات لقب جاحظ القرن العشرين.

 

عاد بعدها ليكون أول مشروع ينفذه فى القاهرة هو تأسيس وإصدار مجلة الرسالة فى 15 يناير 1933، ولم يكن أحد يتوقع أن تنجح مجلة ثقافية جادة وسط مناخ غير ثقافى يهتم إلا بالمقالة الخفيفة والقصة الخليعة والنكتة المضحكة، كما أخبر طه حسين صديقه الزيات عندما أخبره بفكر المجلة، لكن كانت المفاجأة التى فرضت نفسها على الجميع، إذ حققت المجلة نجاحا هائلا، وحظيت بإعجاب القراء من المثقفين فى مصر والعالم العربي، وبات النشر فى الرسالة شهادة ميلاد لأى مبدع، فأصبح رؤية المرء لاسمه على صفحات الرسالة حلم كل الكتاب العرب، وظلت الرسالة على مدار 20 سنة المنارة الفكرية الأبرز فى مصر والعالم العربي، حتى جاء قرار التوقف فى فبراير 1953، بسبب عدم القدرة على تحمل التكلفة خصوصا مع أوضاع الحرب العالمية الثانية وما بعدها والتى أدت لزيادة تكلفة الطباعة بصورة جعلت الاستمرار عملية شبه مستحيلة.

 

ولم يقتصر عطاء الزيات على مجلة الرسالة، بل نراه يشارك فى رئاسة تحرير مجلة الأزهر، ثم يشارك فى الإشراف على الطبعة الأولى من المعجم الوسيط، الذى أعده مجمع اللغة العربية، فضلا عن تأليف عدة كتب فى مقدمتها كتاب (تاريخ الأدب العربي) الذى ألفه فى العام 1916، ثم عاد وأضاف إليه الكثير فى الطبعة الثانية العام 1920، وهو كتاب مقدم لطلبة المرحلة الثانوية، ورغم ذلك فقد حظى بقبول واسع حتى أنه تقرر فى مناهج معظم الدول العربية، كما أقبل المثقفون على قرأته فأعيد طبعه عديد المرات، كما ألف كتابه (فى أصول الأدب) 1934، وكتاب (دفاع عن البلاغة)، الذى شرح فيه نظريته للبلاغة وأهميتها، كما يعد كتابه (وحى الرسالة) من أشهر ما كتب وهو تجميع لما نشره من مقالات فى مجلة الرسالة على مدار عشرين عاما، ونشر فى أربعة مجلدات، ونال عن الجزء الأول جائزة الدولة للأداب العام 1953، واستكمل هذه الموسوعة الفكرية بكتابه (فى ضوء الرسالة)، والذى صدر العام 1963، ويحتوى المقالات التى نشرها فى عدد من الصحف السيارة بعد توقف الرسالة.

 

ويعد الزيات أحد أهم من كتبوا فن المقال فى الأدب العربى الحديث، فهذا جمال الدين الألوسى يقارن بين الزيات وطه حسين وعباس العقاد، وينتصر للزيات قائلا: "والزيات أقوى الثلاثة أسلوبًا، وأوضحهم بيانًا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظًا، يعنى بالكلمة المهندمة، والجملة المزدوجة، وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كتابنا فى عصرنا... والزيات أشد الناس التزاما بالأساليب العربية المشرقة وأكثرهم عناية باللفظ الأنيق للمعنى الرفيع"، ويطلق عليه بلا تحفظ لقب (جاحظ القرن العشرين).

 

ولم تقتصر جهود الزيات على التأليف والكتابة المقالية التى برع فيها، إذ شارك مبكرًا فى ترجمة الأدب الأوروبي، إذ ترجم رواية (آلام فرتر) للكاتب الألمانى جوته، والتى ترجمها إلى العربية فى سنة واحدة وصدرت فى العام 1920، وهى رواية تنتمى إلى الأدب الرومانسي، كما ترجم رواية (روفائيل) للكاتب الفرنسى لامارتين، والتى صدرت العام 1925، كما أصدر كتابه (ضوء القمر وقصص أخرى) وهو مختارات مترجمة من الأدب الغربى الحديث، وتحديدا الفرنسي، إذ تشغل قصص الأديب الفرنسى جى دى موباسان.

وعن أثر الزيات الكبير فى الأدب العربى الحديث، نقرأ ما كتبه الناقد الأدبي الدكتور شكرى عياد، "صفة الأديب المعلم هى التى تميز الزيات عن معظم معاصريه الذين اشتركوا معه فى خضوعهم لمؤثرات حضارية واحدة أو متشابهة... لقد فرّ الزيات من التعليم الأزهرى كما فر المنفلوطى وأحمد أمين وطه حسين؛ ولكنه لم يفر إلى الكتابة فى الصحف كما فعل المنفلوطى ، ولا إلى تعليم أحدث ووظيفة أكبر (القضاء الشرعي) كما فعل أحمد أمين، ولا إلى ذلك النوع الجديد من التعليم العالى الذى كانت تحاول به أن تساير الغرب (الجامعة المصرية) كما فعل طه حسين؛ بل دخل فى تلك التجربة التى يبدو أنها كانت عميقة الأثر فى حياته وأدبه وشخصيته أيضاً؛ تعليم اللغة القومية للناشئين".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة