الخلافات الزوجية تتسبب فى تدمير الحياة الأسرية
الخلافات الزوجية تتسبب فى تدمير الحياة الأسرية


التنوير تحول لـ «سبوبة» وضبط إيقاع الجدل الفكرى أمر حتمى

التعدى على قيم المجتمع وتعاليم الأديان بدعوى التجديد يخلق جيلًا من المتطرفين

محمد قنديل

السبت، 28 مايو 2022 - 10:14 م

تستمر حالة الجدل التى يفجرها بعض المفكرين من خلال انتقاد أمور دينية تحت مسمى «التنوير»، فى الوقت الذى تستنكر فيه المؤسسات الدينية على رأسها الأزهر الشريف هذا الانتقاد مؤكدة أنها تعد محاولات لتشويه رجال الدين والتشكيك فى ثوابت الإسلام، مما يعد خطرًا على المجتمع.. وفى الآونة الأخيرة أثار أحد الأعمال الدرامية الجدل مجددا عن طريق استعراض قضايا الأسرة المصرية والاعتراض على معالجة الدين لبعض النقاط بها.. المسلسل يناقش معاناة إحدى السيدات مع زوجها ومشاكلهما الزوجية، لتقرر الانفصال عنه، لكنها تصطدم بأزمات أخرى خاصة ببعض بنود قانون الأحوال الشخصية، والتى من خلالها سيتم حرمانها من ابنتيها فى حال زواجها من شخص آخر، كما يتناول العديد من القضايا مثل الزواج العرفى والزواج الرسمى وغيرهما من القضايا التى تهم المرأة، والذى أثار الجدل هو ظهور رأى ينادى بأن بعض النقاط فى قانون الأسرة يعتمد على الفقه ولم يأتِ فى القرآن الكريم لذلك يمكن التغاضى عنه، وهو ما اعتبره الكثير دعوة للابتعاد عن الفقه والسنة، كما ظهر بالمسلسل دور أحد رجال الدين وهو يعجز عن الرد على تساؤل السيدة فى هذا الشأن، وغيرها من الأمور التى أثارت الجدل بين مؤيد ومعارض.

مركز الأزهر العالمى للفتوى، أصدر بيانا يستنكر فيه ما حدث، مؤكدا أن الأزهر يدعم الإبداع المستنير الواعى، لكنه يحذر من الاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وهدم مكانة السنة النبوية.

وإذكاء الأفكار المتطرفة، وتشويه صورة عالم الدين فى المجتمع، مؤكدا أن: «تشويه المفاهيم الدينية، والقيم الأخلاقية، بهدف إثارة الجدل، وزيادة الشهرة والمشاهدات، أنانية ونفعية بغيضة، تعود آثارها السلبية على استقامة المجتمع، وانضباطه، وسلامه، ولا علم فيها ولا فن.


الأزهر قال فى هذا الشأن:» تعمد تقديم عالم الدين الإسلامى بعمامته الأزهرية البيضاء فى صورة الجاهل، الإمعة، معدوم المروءة، دنىء النفس، عيى اللسان -فى بعض الأعمال الفنيّة- تنمر مستنكر، وتشويه مقصود مرفوض، لا ينال من العلماء بقدر ما ينال من منتقصيهم، ولايتناسب وتوقير شعب مصر العظيم لعلماء الدين ورجاله».


وتابع: «الاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وتحريف معانيها عما وضعت له عمدًا، وعرض تفسيرات خاطئة لها على أنها صحيحة بهدف إثارة الجدل، جريمة كبرى بكل معايير الدين والعلم والمهنية، وتنكر صارخ للمُسلمات.. السّنة النبوية الصحيحة ثانى مصادر التشريع الإسلامى بعد القرآن الكريم، وهى التطبيق العملى له، وأولى أدوات فهمه واستنباط أحكامه، التى دل القرآن على اعتبارها وحيًا إلهيا من قول سيدنا رسول الله وفعله وتقريراته، ومحاولة تهميشها وتنحيتها، محاولة لهدم عماد من عُمد الدين، واعتداء مرفوض على مكانة صاحب السنة سيدنا ومولانا محمد».


تضليل وتزوير
فى هذا الصدد، يقول د.عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والمشرف العلمى العام على الأروقة الأزهرية، إن ما يحدث تحت مسمى التنوير هو فى الواقع تضليل وتزوير، فهناك محاولة لشيطنة الأزهر الشريف لا يمكن أن تعود بالنفع على العباد والشباب الذين نحاول جذبهم للفكر الوسطى، فحينما نرى عملا دراميا يخرج فيه رجل الدين بصورة سيئة كشخص يجرى وراء شهواته، يعطى ذلك رسالة للشباب بالابتعاد عن علماء الأزهر.


ويضيف أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر لـ»الأخبار»، أن العالم يثق فى الأزهر الشريف وعلمائه ويقدرهم، ومن غير اللائق أن يحتفى العالم بعمامة الأزهر، ونقدم نحن بعض الأعمال الدرامية والكتابات لتقدم علماء الأزهر فى صورة شيطانية غير لائقة بالاعتماد على التضليل وتزوير الحقائق والتشكيك فى ثوابت الدين.


ويشير إلى أن كاتب سيناريو العمل الدرامى الذى يشوه صورة علماء الأزهر له توجهات عدائية ضد الأزهر، ولا يمكن أن يكون هذا السيناريو قد عُرض على الأزهر لمراجعته كما يشاع، كيف ذلك وهذا المسلسل ينادى بالاعتماد على القرآن فقط وليس الفقه أو السنة المطهرة، نافيا أن يكون العمل قد أخذ موافقة من مجمع البحوث الإسلامية، وأن هذه الأقاويل عارية تمامًا عن الصحة.


ويشدد فؤاد على أن الشباب عندما يرى آراء الفقهاء والسنة لا قيمة لها، يمكن أن يؤدى ذلك لموجة تطرف مضادة، فإنكار الفقه والتشكيك فى فتاوى الأزهر الشريف هو سلوك داعشى فى الأساس، لذلك يجب التصدى لمحاولات التشويه لأننا نريد أن نجمع الشباب على الفكر الوسطى تحت مظلة الأزهر.


مفاهيم خاطئة
بينما ترى د.عبلة البدرى، أستاذ علم الاجتماع، أن التنوير الإيجابى مطلوب فى هذا الزمن الذى اختلطت فيه الفتاوى، وأصيب المجتمع بربكة واختلطت عليه الكثير من المفاهيم الخاطئة التى روج لها البعض سواء من رجال الدين أو الدراما فى العقود الأخيرة، والتى بلا شك أثرت على الأسرة المصرية وعلى قيم أفرادها.


وتضيف أن الدين الإسلامى هو دين لكل العصور، وتحتاج المجتمعات من حين لآخر إلى فتاوى تتماشى مع مستجدات العصر وهذا هو معنى التنوير، ولا توجد أزمة عندما يتناول عمل درامى واقعا فى المجتمع ومواقف حقيقية رصدها المجلس القومى للمرأة ووزارة التضامن الاجتماعى بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية التى تتبنى قضايا المرأة، بمعنى أن المواقف حقيقية وما يعرضه المسلسل هو انعكاس للمواقف التى تتعرض لها الأسرة عند حدوث حالة طلاق.

والمعاناة التى يعيشها الأطفال وتؤثر على نفسيتهم وعلى مستقبلهم التعليمى والاجتماعى، لذلك لابد أن يكون هناك حلول جذرية لهذه المشكلات.
وتتابع البدرى بأن العمل الدرامى الذى أثار الجدل سيكون بمثابة حجر فى بركة راكدة، وسيعطى فرصة للفتاوى القيمة، سواء تتفق أو تختلف مع المسلسل، ومن هنا سيحدث تغيير إيجابى لصالح المجتمع.


وتؤكد أن ما تناوله السيناريو الدرامى من الناحية الدينية يأتى فى الصالح العام، لأنه يظهر نوعا من استفزاز المؤسسات الدينية حتى تقوم بدورها فى التوعية والتنوير والتصحيح، لأنه فى النهاية غالبية المواطنين لن تقتنع سوى بما يقوله الأزهر، وهى فرصة حتى يتحقق تجديد الخطاب الدينى والتأنى فى إصدار الفتاوى بما يحقق الأفضل للمجتمع.


متطرفو الإلحاد
وسط هذه الحالة من الجدل فى الأمور الدينية، يتساءل الكثير عن التأثير النفسى الواقع على المواطنين، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك فى سلوكهم خاصة فئة الشباب؟
يجيب د.حاتم صبرى، استشارى الطب النفسى، بأن الأعمال الدرامية لها دور هام فى التوعية وطرح المشاكل المجتمعية.

ولكن مهاجمة الثوابت والأعراف المتواجدة بالمجتمع خطأ كبير له سلبيات جمة، وقد وقع المسلسل فى هذا الخطأ خاصة فيما يتعلق برجال الدين لما لهم من قدسية وتقدير لدى المواطنين.

وبالتأكيد يمكن أن يخطئ رجل الدين لأنه فى النهاية من البشر، لكن تعمد إظهاره بشكل غير ملائم لإثبات وجهة نظر بعينها لا يليق ويخلق حالة من الاستفزاز لدى الكثير من المواطنين.


ويتابع أن هذا الخطأ يخلق نوعين من التعصب، الأول رافض للفكرة بشكل متطرف، والآخر مؤيد لها بتعصب، وهذا ناتج من عدم مناقشة القضية بحيادية وتناولها بهجوم وانتقاد لثوابت مجتمعية.

ومن المفترض عندما نطلب من الجمهور أن يستخدم عقله ويفكر بمنطق فى أى قضية، نقوم بعرض الرأى والرأى الآخر لتكون المناقشة محايدة، مؤكدا أن الشخص الذى يتصف بالتنوير يجب أن يكون محايدا، لأنه يمكن أن يزيد من التطرف والتعصب للفكرة المضادة.


ويضيف أن هناك مشكلة اجتماعية تتمثل فى الأسر التى تعانى من مشكلات زوجية وخلافات، والعمل الدرامى عندما يطرح هذه الأفكار بأسلوب خاطئ، يمكن أن يشعل الخلافات والضغينة بين المرأة والرجل داخل الأسرة ويهدم محاولات الوفاق.


ويؤكد د. جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أن الحديث عن الأمور الدينية من غير المتخصصين لها أضرار كبيرة على المجتمع، خاصة فئة الشباب، لأن التشكيك فى ثوابت الدين يجعلهم يبحثون بشكل عشوائى فى قضايا الدين، ويمكن أن يصل ذلك إلى الضياع والتشكك وأحيانا الإلحاد، ومن هنا تكمن الخطورة.


ويشير إلى أن هناك من يؤمنون بأفكار تشككية أو إلحادية ويحاولون فرضها على الجميع من خلال كتابات وآراء وغيرها، ولهؤلاء خطورة كبيرة على المجتمع لأن متطرفى الإلحاد أكثر خطرا من متطرفى الدين، لذلك يجب التوعية بأن العلاقات الأسرية يمكن أن ينظمها الدين بشكل سليم دون الحاجة لبث أفكار للتشكيك أو التشويه.

اقرأ ايضا | لقاء شيخ الأزهر و«رابطة علماء العراق» حول دور العلماء في خدمة المجتمعات

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة