الكاتب الصحفي عبد الهادي عباس
الكاتب الصحفي عبد الهادي عباس


قلب وقلم

عبد الهادي عباس يكتب: القبلة جهة اليسار قليلا!

عبدالهادي عباس

الثلاثاء، 31 مايو 2022 - 04:39 م

لا أشك أن الحرية الفكرية في إبداء الرأي هي جبل الجودي الذي يعصمنا من الغرق في متاهات التخلف والرجعية وفرض الرأي الواحد ورفض ما دونه من آراء قد تكون أقوم قيلا وأهدى سبيلا في طريق حل مشاكلنا المزمنة؛ كما أنه لا خلاف في كون إبداء الرأي الخالي من التأثير الخارجي والضغط حق أصيل من حقوق الإنسان أقرته الأديان والأعراف المجتمعية قبل أن تقره اللوائح والدساتير القانونية؛ ولكن هذه الحرية نفسها تأبى الاندياح في اللاشيء، أو التماهي مع الآراء المنفعلة المنفلتة من كوابح المنطق وضوابط العقل؛ ولهذا فإنني لم أفهم جيدا آراء الأديبة سلوى بكر حول عدم تحفيظ القرآن للأطفال لأنهم في مرحلة لا يستطيعون فيها الوصول إلى معنى ما يحفظون؛ فهذا رأي غير كامل، إنه مبتدأ معلق من قدميه في الهواء بين السماء والأرض، يحتاج إلى خبر لتتم فائدته؛ هل تقصد الأديبة (الحاصلة على جائزة الدولة التقديرية) أن المشكلة في القرآن، فهو صعب على عقول الأطفال؟ لأنها إن كانت تقصد ذلك فقد جعلت كل آيات القرآن في درجة واحدة وهو أمر ثابت تناقضه، بدليل أن الظاهر المعلوم من الآيات كثير جدا ومفهوم ويتقبله الأطفال على اختلاف الزمان والمكان بقبول حسن دونما معضلة، وما لا يعرفون معناه يحفظونه ثم يسألون عنه في مراحل عمرية لاحقة.
وإذا كانت الأديبة تقصد أن المعضلة في الأطفال أنفسهم، فإن أطفالنا الآن ورغم الشواغل الكثيرة التي تحيق بهم يُثبتون أنهم أكثر وعيا وذكاء في حفظ وفهم القرآن الكريم؛ ولا يزال ابني يسألني عن كثير مما يقرؤه ويحفظه وأجيبه، أو ألجأ إلى الكتب لأجيبه، أو ألجأ إلى أصدقائي من الفقهاء وأساتذة الأزهر لأجيبه؛ وهكذا هي دوائر المعرفة: متتابعة، متلاصقة، متواصلة، يُفضي بعضها إلى بعض؛ وهكذا هي أسرار القرآن الكريم تعطي لمن يجتهد ويبحث ويحفظ ويفهم، وهذا واجبنا تجاه أبنائنا؛ أما أن نطالب بعدم تحفيظهم القرآن فذلك رأي غريب؛ وماذا عن الشعر، وماذا عن أسماء الفنانين ولاعبي الكرة العرب والأجانب، وماذا عن مصطلحات بابجي وأنواع الأسلحة.. إن عقول الأطفال مخازن كاملة من الذكاء الحاد في الحفظ والفهم على السواء يجب أن نملأها بالخير والصدق والجمال والأخلاق واللغة، وكلها موجودة في القرآن؛ وإلا من أين يستقي الطفل هذه المعاني إن أبعدناه عن كتاب الله الذي هو واجب وفرض بأوامر إلهية أن نقرأه ونستمع إليه وننصت إلى معانيه.
لماذا لا نعي إسهام حفظ القرآن في بواكيرنا الأولى في توشيج حياتنا المعرفية كلها التي كانت تقوم على الكتاتيب، تلك البداية الأولى لكل العلماء والنابهين من الأمة العربية؛ ولو أجرينا استقراء لعظماء الأمة العربية على امتداد تاريخها، سواء منهم المسلمون والمسيحيون، لوجدناهم قد حفظوا القرآن أطفالا في كتاتيب القرى أو المدينة.
وكأنه ليس مقدرا لوجوهنا أن تنضبط في المنتصف لتواجه القبلة الصحيحة، التي فيها أينما تولو فثمّ وجه الله؛ إذ نحن مُبتلون بالقبلة التي تتجه قليلا إلى اليسار، وتطالب بالرقص الإيقاعي لبنات الإعدادي وإزالة الحجاب من على رؤوسهن، وكأن علينا أن نتحايل ونسعى في تغيير هويتنا المجتمعية لنعجب أولئك المتطرفين من المثقفين الذين يرون قص أجنحة الدين معركتهم الكبرى، وأن الرقص هو الحل الأمثل لعلاج مشاكلنا الاجتماعية والتعليمية! أو تتجه إلى اليمين قليلا فنتنازل عن كياننا الديني الوسطي لنعجب المتطرفين من الإرهابيين الذين يحشرون في الدين ما ليس فيه، وكأننا أشباح تخرج من كهوف الزمن!
ماذا عن القبلة الوسط التي نرضاها، ورضيها الله ورسوله لنا من قبل؟!.. يا أيها السادة: استقيموا فقد تعبنا من ترهاتكم!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة