الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي.. التدرج في كفارات الحج

ضياء أبوالصفا

الخميس، 09 يونيو 2022 - 08:50 م

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 196 من سورة البقرة بقوله: والحق سبحانه وتعالى ساعة يشرع كفارات معينة فذلك من أجل مراعاة العمليات المطلوبة فى الحج، والمناسبة لظروف وحالة المسلم، فأباح له فى حالة التمتع مثلا أن يقسم الصوم إلى مرحلتين: ثلاثة أيام فى الحج، وسبعة إذا رجعتم.

إنه الترقى فى التشريعات، واختيار للأيسر الذى يجعل المؤمن يخرج من المأزق الذى هو فيه. «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدى فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِى الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ». وكلمة «فَمَن لَّمْ يَجِدْ» معناها أنه لا يملك.

وهذا الذى لا يملك نقول له: لا تفعل كما يفعل كثير من الناس قبل أن يطوفوا، إن بعضهم يذهب للسوق ويشترى الهدايا، وبعد ذلك ساعة وجوب الهدى عليه يقول: ليس معى ولذلك سأصوم. هنا نقول له: ألم يكن ثمن تلك الهدايا يصلح لشراء الهدى؟ إنه لأمر غريب أن تجد الحاج يشترى هدايا لا حصر لها؛ ساعات وأجهزة كهربائية ويملأ حقائبه.

ثم يقول لا أجد ما أشترى به الهدى. أليس ذلك غشاً وخداعاً؟ إن من يفعل ذلك يغش نفسه. إذن قوله تعالى: «فَمَن لَّمْ يَجِد» يعنى لا يجد حقاً، لا من تنفد أمواله فى الهدايا، ثم يصبح صفر اليدين، ولذلك فالذين يحسنون أداء النسك لا يشترون هداياهم إلا بعد تمام أداء المطلوب فى النسك، وإن بقى معهم مال اشتروا على قدر ما معهم. والذين ينفقون أموالهم فى شراء الهدايا ثم يأتون عند «فَمَا استيسر مِنَ الهدي» ويقولون ليس معنا ثمن الهدى وسنصوم.

الغريب أنهم لا يتذكرون الصوم إلا عند عودتهم، ألم يكن الأفضل للواحد منهم أن يصوم من البداية، ومن لحظة أن يعرف أنه لا يملك ثمن الهدى ويدخل فى الإحرام للعمرة؟ إن المفروض أن يبدأ فى صوم الثلاثة أيام حتى يكون عذره مسبقاً وليس لاحقاً وبعض العلماء أباح صوم أيام التشريق، وأيام التشريق الثلاثة هى التى تلى يوم العيد لأنهم كانوا يشرقون اللحم.

أى يبسطونه فى الشمس ليجف ويقدد. وبعد ذلك عندما ينتهى من أداء المناسك إما أن يصوم السبعة الأيام فى الطريق وهو عائد، أو عندما يصل لمنزله، إن له أن يختار ما يناسبه «فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِى الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ» ومعروف أن «ثَلاثَةِ» و«وَسَبْعَةٍ» تساوى «عَشَرَةٌ»، وذلك حتى لا يظن الناس أن المقصود إما صوم ثلاثة أيام وإما سبعة أيام.

ولذلك قال: «عشَرَةٌ كَامِلَةٌ» حتى لا يلتبس الفهم. وربما أراد الحق سبحانه وتعالى أن ينبهنا إلى أن الصائم سيصوم عشرة أيام فهى كاملة بالنسبة لأداء النسك. وليس الذابح بأفضل من الصائم، فما دام لم يجد ثمن الهدى وصام العشرة الأيام، فله الأجر والثواب كمن وجد وذبح. فإياك أن تظن أن الصيام قد يُنقص الأجر أو هو أقل من الذبح. ويقول الحق: «ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى المسجد الحرام».

وهذا التشريع مقصود به من لم يكن أهله مقيمين بمكة.. ونعرف أن حدود المسجد الحرام هى 12 ميلا، والمقيم داخل هذه المسافة لا يلزمه ذبح ولا صوم، لماذا؟

بعض العلماء قال: لأن المقيمين حول المسجد الحرام طوافهم دائم فيغنيهم عن العمرة، فإن حج لا يدخل فى هذا التشريع. ويختم الحق هذه الآية بقوله: «واتقوا الله واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب». كيف يقول الحق: إنه شديد العقاب فى التيسيرات التى شرعها؟ أى: إياكم أن تغشوا فى هذه التيسيرات، فليس من المعقول أو من المقبول أن ندلس شيئاً فيها، لذلك حذرنا سبحانه من الغش فى هذه المناسك بقوله: «واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب».

إقرأ أيضاً|مفتي القدس: المحافظة على أدب الاختلاف من وسائل التجديد الفقهي

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة