أصحاب المطاعم يعتمدون على زيت الأولين
أصحاب المطاعم يعتمدون على زيت الأولين


رحلة الاكتفاء من الزيت

من المطاعم إلى ورش صناعة الصابون.. بيزنس «المستعمل» من الزيت ما قتل

آخر ساعة

الأربعاء، 15 يونيو 2022 - 05:11 م

كتبت: علا نافع

◄صنايعية الفول والطعمية يستخدمون الزيت حتى آخر نفس

◄من المطاعم إلى ورش صناعة الصابون.. الزيت فيه سم قاتل

 

ظاهرة خطيرة انتشرت مؤخراً خاصة فى المناطق الشعبية والريفية، ألا وهى تجارة زيوت الطعام المستعملة، حيث يجوب شوارع تلك المناطق البائعة الجائلون بالتريسكلات ويقومون بشراء تلك الزيوت من الأهالى وربات البيوت بأسعار تتراوح بين ١٢ إلى ١٥ جنيها للكيلو الواحد.. مما يثير المخاوف حول تلك التجارة وخطورتها فى ظل ما يقال عن إعادة تدوير الزيوت، ومن ثم بيعها للمطاعم وهو ما ينذر بخطر شديد يهدد الحالة الصحية للمواطنين!

 

وما يزيد من خطورة الأمر، الوضع الحالى الذى أفرزته الحرب الروسية - الأوكرانية وتأثيرها فى حركة استيراد الزيوت وارتفاع الأسعار، وفى ظل وجود فجوة فى احتياجاتنا من الزيوت والتى تصل إلى ٩٨٪ وهو الأمر الذى تنبهت إليه القيادة السياسية مبكرا باتخاذ العديد من الخطوات لسد هذا العجز ومنها زيادة رقعة زراعة المحاصيل الزيتية واستخراج البذور وتحديث وتطوير خطوط الإنتاج والتصنيع والتخزين بمصانع الزيوت والدهون الغذائية.. التفاصيل فى هذا الملف الشامل.

 

زيت الفول والطعمية

أوانٍ معدنية يكسوها الصدأ، تحتضن لترات قليلة من زيت الأولين الذى بات  لونه أقرب للسواد بفعل درجات الحرارة العالية والقلى المستمر، لا يكترث العم "نوح" صنايعى الطعمية بتغيّر لون الزيت أو بالشوائب المتراكمة على سطحه، فكل ما يفعله هو تزويد الزيت تدريجياً فور انخفاض منسوبه بالإناء، يرفع الجركن عالياً ويصب بحرص وتركيز، لأن الكمية المتبقية تكفيه بالكاد حتى آخر الأسبوع، فبعد ارتفاع سعر الزيت الخام ووصوله لـ22 جنيهاً للكيلو، بات من الصعب التفريط فى نقطة زيت واحدة بحسب قوله.

 

إقرأ أيضًا | «التموين»: مخزون الزيت المعبأ يكفي 6.5 أشهر.. بخلاف «الخام»

ينتظر نوح انتهاء توافد الزبائن عليه ليغلق أبواب محله الكائن بمنطقة العتبة، ويبدأ فى تصفية الزيت المتبقى من أوانى الطعمية والباذنجان مستخدماً قطعة قماش قطنية ناصعة البياض، إذ إن لها قدرة على فصل الشوائب السوداء عن الزيت الأصفر، حيث يقوم بتعبئته فى زجاجة بلاستيكية كبيرة ليعيد استخدمه فى اليوم التالى!

 

ويعتذر الرجل لجامعى الزيت المستعمل الذين يمرون عليه بين الحين والآخر ليقتنصوا منه لترات من الزيت المحروق، معللاً موقفه بارتفاع سعر الزيت الخام وكذلك البطاطس والطماطم، ما يسبب له خسائر فادحة ورغم ذلك يقول إنه لم يفكر فى رفع سعر الساندويتش أو التقليل من حجم قرص الطعمية.

 

أزمة ومهارة

نوح ليس الوحيد الذى يعيد استخدام الزيت المحروق فى قلى الطعمية والباذنجان، ففى جروب «عمَّال الفول والطعمية» على «فيسبوك» والذى يضم أكثر من خمسة آلاف صنايعى وعامل، تباينت الآراء وتعددت الإجابات عن مصير لترات الزيت المستعمل، لكن معظمهم يسير على النهج ذاته.

 

يقول وليد كبداكى، صاحب مطعم ببولاق الدكرور: بعد ارتفاع سعر الأولين الخام وتجاوز سعر اللتر 22 جنيهاً أصبح من الصعب تغيير الزيت الموجود فى أوانى القلى يومياً، وأصبح على الصنايعى تقنين استخدام الزيت دون المساس بسعر الساندويتش أو حجم أقراص الطعمية وهذا بالطبع يمثل تحدياً كبيراً.

 

ويضيف: منذ عدة سنوات كانت أغلب مطاعم الفول والطعمية تقوم بتسليم الزيت المستعمل لمصانع الصابون والمنظفات بسعر مغرٍ للتر الواحد، لكن بعد رفع أسعار الفول المدشوش والبطاطس والطماطم أصبح الكثير منا يقوم بتنقية الزيت من الشوائب والـروائـــح اللاذعــــــة بتقنيــــة "الترشـــيـح" والتخمير ليومين أو أكثر بحسب لون وحالة الزيت، مؤكداً أن الكثير من مطاعم الفول والطعمية أغلق أبوابه بعد ارتفاع سعر زيت الأولين.

 

ويؤكد وليد أن الصنايعى الماهر عليه أن يفصل بين قلى رقائق البطاطس والباذنجان، بحيث يكون لكل منهما آنية خاصة، لأن لون الباذنجان الأسود هو المسئول عن تغير لون الزيت سريعاً بعد قليه لمرة واحدة، ناصحاً إياهم بغسل الباذنجان جيدًا بالماء الجارى.

 

أما محمود الرهاوى فيقول: أغلب أصحاب مطاعم الفول والطعمية أصبح لديهم حرص على لترات الزيت بشكل كبير بعد ارتفاع سعره، فالفائض من المستعمل أصبح يدخل مرة أخرى فى القلى بعد تنظيفه من الشوائب والروائح ويستخدم فى قلى الباذنجان والطعمية، أما رقائق البطاطس فلابد من قليها فى زيت نظيف لم يستخدم من قبل، مشيرا إلى أنه يسلق الباذنجان والفلفل الحار دون قليه توفيراً للزيت، مضيفًا تختلف أوضاع مطاعم اللحوم والأطعمة السريعة، فرغم استخدامهم زيت الأولين فإنهم يحققون مكاسب كبيرة كما يحرصون على تغيير الزيوت المستعملة يوميا ليبيعوها لمصانع الصابون وشركات تصدير الزيت المستعمل، مؤكداً وجود رقابة صارمة عليهم من قبل مفتشى التموين مقارنة بمطاعم الفول والطعمية.

 

ويطالب الرهاوى بتدخل الدولة لحل مشكلة ارتفاع سعر الزيت الخام وحمايتهم من احتكار وتلاعب الشركات المستوردة كذلك العودة لزراعة المحاصيل الزيتية مرة أخرى كالقطن والذرة ودعم صنايعية الفول والطعمية.

 

فى حين ينفى أحمد العنككى (صاحب سلسلة مطاعم) قيام الصنايعية بتسليم الزيت المستعمل لبعض التجار لإعادة بيعه للمواطنين، مشيراً إلى أن سعر اللتر المستعمل يضاهى اللتر الخام، فضلا عن كونه معبئاً بروائح مختلطة يسهل كشفها والتعرف عليها.

 

الصابون الصلب

ويعد زيت الطعام المستعمل عصب صناعة الصابون الصلب، والذى يستخدم بكثرة فى المناطق العشوائية والقرى، إذ تقوم مصانع المنظفات بتصنيعه بتقنيات بسيطة شريطة خلوه من الشوائب السوداء التى تؤثر فى درجة بياض قطعة الصابون، وهناك مصانع عديدة متعاقدة مع كبرى مطاعم الوجبات السريعة للحصول على حصتها اليومية من الزيت المستعمل بخلاف ربات المنازل اللواتى وجدن فى ذاك المشروع ربحاً لا يكلفهن سوى أدوات بسيطة.

 

يقــول محمــــود الشــــندويلـى (صــــاحب مصنع): يعتمد تصنيع الصابون الصلب على زيت الطعام المستعمل مثل الأولين وعبَّاد الشمس ويتم خلطهم مع الصودا الكاوية أو مادة هيدروكسيد الصوديوم، وما ينتج عن هذا التفاعل يُسمى "التصبن"، حيث يتم تغيير خصائص الزيت للحصول على الصابون الصلب مع إضافة رائحة له، كما يتم استخدام الدهن أو الشحم الحيوانى بنسب متوسطة، ولكن مؤخراً ارتفع سعر الدهون مما أثر بالسلب فى صناعتنا.

 

يتابع: أغلب المصانع الموجودة يتعاقد مع كبرى المطاعم للحصول على الزيوت المستعملة ويتم تخزينها فى تانكات حديدية شريطة خلوه من الشوائب السوداء ثم يلى ذلك مرحلة "التبييض" وتعنى خلطه مع مواد كيميائية للتخلص من الماء الزائد والروائح المختلطة، ثم مرحلة "التصبين" فى درجة حرارة تتجاوز 100 مئوية، ثم مرحلة "الخلاطة" التى يُضاف فيها اللون والرائحة، وأخيراً "الكسارة" وفيها يتم تجميع المادة الخام للصابون فى قطعة واحدة.

 

ويشكو الشندويلى من تدهور حال مصانع الصابون بعد سيطرة شركتى تصدير الزيت المستعمل على سوقه فانصرفت المطاعم وربات البيوت عن بيعه لمندوبى المصانع وفضلوا بيعه لهاتين الشركتين، وهذا ما يفسر ارتفاع سعر الصابون الخام، مؤكداً أنه يستخدم فى أغراض الغسيل والتنظيف بالقرى والمناطق الشعبية لجودته العالية وقدرته على التخلص من البقع الصعبة.

 

تجارة متشعبة

من جانبه، يقول الدكتور سعيد شعبان، أستاذ الكيمياء الحيوية: أغلب من يتعاملون فى تجارة الزيوت المستعملة بمصر هدفهم تحقيق ربح كبير دون التأكد من مصير الزيوت التى يتم تجميعها سواء من المنازل أو المطاعم، ومؤخراً ظهرت الكثير من ورش بير السلم التى تقوم بتعبئة الزيوت مرة أخرى بعد تدويرها داخل عبوات جديدة للمستهلك، مما له أثر ضار على الصحة خاصة على الكبد والكلى.

 

ويضيف: استخدام الزيوت المحروقة فى صناعة الصابون الصلب والسائل، يؤدى للإصابة بالأمراض السرطانية، ويجب اقتصار استخدامها على أغراض صناعية غير آدمية تحت إشراف وزارة البيئة وجهات البحث العلمى، مطالباً بضرورة وضع ضوابط رقابية على عمليات تجميع الزيوت المستعملة حتى لا تصاب البنية التحتية للدولة بضرر كبير يكلف ميزانية الدولة ملايين طائلة.

 

وكان النائب أيمن أبوالعلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، تقدَّم بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء ووزارة الصحة، بشأن تجارة زيوت الطعام المستعملة ومخاطر إعادة بيعها مرة أخرى للمطاعم، ولم يكن طلب النائب أيمن أبو العلا وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب الأخير فقد تقدمت النائبتان ميرال الهريدى وميرفت عبدالعظيم للتحقيق فى وقائع تدوير الزيت لكنها إلى الآن لم يتم البت فيها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة