فتنة البنين
فتنة البنين


رفعت الجلسة | فتنة البنين

جودت عيد

الخميس، 16 يونيو 2022 - 07:07 م

بمجرد أن نادى الحاجب على اسمها، تحاملت على نفسها، قبضت بيدها على عكازها وبدأت فى التوجه الى القاضى بخطوات بطيئة لسرد أسباب دعواها.

قالت العجوز: عذرا سيدى القاضى.. لا تقوى قدماى على حملى، فهل تأذن لى أن أسحب عكازى وأجلس على الكرسى.

القاضى: هذا الأمر لا يحتاح استئذانا أمى، لقد أمرت الحرس أن يحضر لك مقعدا،.. أما أنا فمراعاة لظروفك الصحية لن أطرح الكثير من الأسئلة.

العجوز: لست فى حاجة الى أسئلة.. أنا فقط سأحكى قصتى.. وليكن حكمك رحيما بى، وبمن بلغ السبعين مثلى.

القاضى مخاطبا الحارس: أغلق باب القاعة.. وتفضلى يا أمى فى سرد أسباب دعواكِ.

العجوز: منذ ٥٠ عاما ماضية، تزوجت من شاب كان نعم الزوج، كافح من أجل أن يوفر لنا حياة كريمة، كانت أعمارنا لم تتجاوز العشرين، ورغم ذلك تعبنا معا، حتى رزقنا الله بمنزل فى عزبة النخل، وأنجبنا ابننا الأكبر، وبعده بسنوات أبناءنا الأربعة.

كانت حياتنا تنعم بالاستقرار، عمل زوجى على أن يكون هناك كبير فى الأسرة بعده، منح ابنى الأكبر كل الصلاحيات، ووهبه الحكمة، وغرس فى عقله حب أشقائه واحترام الأم والحرص على أن يكونوا عائلة واحدة.

مات زوجى بعد ٢٠ عاما من الزواج، تركنى وأبنائى الخمسة، لا حول لنا ولا قوة، لكن البذور التى غرسها فى ابنه الأكبر أتت ثمارها، فقد خرج للعمل صغيرا، وترك دراسته، وكافح من أجل تربية أشقائه واستكمال تعليمهم.

وتابعت: منذ ١٠ سنوات سيدى القاضى، تركنى ابنى الأكبر، كان القدر رحيما به من مرض السرطان الذى نهش جسده، لقد كانت خسارة كبيرة لى، فقد كان بارا بى، رحيما، عطوفا علىّ وعلى أشقائه، لم يشعرنى يوما أننى فقدت أباه، كنت أرى صورة زوجى فيه.

فى هذه اللحظة بكت الأم، أثارت تعاطف الجميع فى القاعة، تحرك القاضى من على المنصة، وربت على كتفيها، وطلب منها استكمال سرد قصتها.

العجوز: أعتذر سيادة القاضى.. لكن وفاة ابنى الأكبر كانت خسارة كبيرة، شعرت بعدها أننى غريبة فى البيت، رأيت وجوها سوداء تبحث عن منفعة شخصية، وطمعا ينخر فى العقول، لمست جشعا، ومصلحة شخصية تسيطر على الأجساد.

حاولت سيدى القاضى أن أتجاهل كل هذه العلامات، لكنها كانت حقيقة وليست سرابا، اجتمع أولادى الأربعة وزوجاتهم معى، أجبرونى على بيع المنزل فى عزبة النخل، وشراء منزل آخر فى منطقة المرج.

وافقت بعد أن شاهدت التهديدات من أولادى بالعين واليد، وبعد أن فقدت السند والأمان بوفاة زوجى ومن بعده ابنى الأكبر، الذى كان حائط صد لى من شرور أبنائى الأربعة.

لم يتوقف جشعهم سيدى القاضي، منذ عام ٢٠١٣ وأنا أعانى فى المنزل الجديد، تعاملنى زوجات أبنائى بقسوة، يهددونى بالطرد، والآن يطلبون منى بيع المنزل، ومنح كل شخص فيهم حصته للعيش بعيدا عن الآخر.

أقولها سيدى القاضى، وأنا فى كامل قواى العقلية من ينتسبون لى يسبوننى ليل نهار، يتركون زوجاتهم يهددننى بالسحر والحرمان من المأكل والمشرب، لقد اعتدين علىّ لفظيا، وجسديا بحضور أولادى، دون أن يتحرك أحد منهم لردع زوجته.

أنا الآن أعيش منعزلة فى حجرة فى المنزل، ليس مسموحا لى التحرك، كل شىء مقيد بشرط بيع المنزل وإعطاء كل ابن حصته. لقد تأذيت منهم كثيرا، وقلقى على نفسى دفعنى الى إخبار الجيران بالاطمئنان علىّ يوميا، فلم أعد آمنة وسط ابنائى.. ولكن سيدى القاضى الى أين أذهب بعد بيع هذا البيت؟ ، الجميع سيسافرون الى محافظات ومناطق مختلفة، هما اخبرونى بذلك، وطلبوا منى البحث عن مكان لأعيش فيه ما تبقى من حياتى.

هنا قاطعها القاضى.. وسألها ما طلباتك؟

العجوز: قد يكون طلبى غريبا سيدى القاضى، لكننى أرغب وأتمنى أن أتنازل عن أولادى الأربعة، لا أريد أن يرتبط اسمى باسمهم، هم قساة وعاقون بوالدتهم، أخشى أن يقتلونى، من أجل طمعهم فى المنزل، تقدمت ببلاغ للنيابة بعدم تعرضهم لى، والآن جئت إلى العدالة حتى أتنازل عن أمومتى لهم، وأطلب طردهم من المنزل.. فهل من مجيب.

بعد أن انتهت العجوز من سرد مأساتها.. قرر القاضى تأجيل الفصل فى الدعوى للتأكد من كل المستندات المقدمة من الأم.. وسماع الشهود.

اقرأ أيضاً|نائب محافظ سوهاج يجتمع بفريق عمل مبادرة «صوتك مسموع»

 

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة