الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


خواطر الإمام الشعراوي | الصبر في الحج

الأخبار

الخميس، 16 يونيو 2022 - 07:12 م

نشرت جريدة الأخبار في عددها الصادر غدا خواطر الإمام الشعراوي؛ وجاء فيها: يقول الحق فى الآية 197 من سورة البقرة :»الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ» ولنا أن نلحظ أن الحق قال فى الصوم: « شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنْزِلَ فِيهِ القرآن».

لم يذكر شهور الحج: شوالاً وذى القعدة وعشرة من ذى الحجة كما ذكر رمضان، لأن التشريع فى رمضان خاص به فلابد أن يعين زمنه، لكن الحج كان معروفاً عند العرب قبل الإسلام، ويعلمون شهوره وكل شيء عنه؛ فالأمر غير محتاج لذكر أسماء الشهور الخاصة به، والشهور المعلومة هي: شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذى الحجة وتنتهى بوقفة عرفات وبأيام منى، وشهر الحج لا يستغرق منه سوى عشرة أيام، ومع ذلك ضمه لشوال وذى القعدة، لأن بعض الشهر يدخل فى الشهر، وكلمة «مَّعْلُومَاتٌ»  تعطينا الحكمة من عدم ذكر أسماء شهور الحج، لأنها كانت معلومة عندهم « فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج» والفرق ليس من الإنسان إنما الفرض من الله الذى فرض الحج ركناً، وأنت إن ألزمت به نفسك نية وفعلاً، وشرعت ونويت الحج فى الزمن المخصوص للحج تكون قد فرضت على نفسك الحج لهذا الموسم الذى تختاره وهو ملزم لك، وقوله سبحانه: (فرض) يدل على أنك تلتزم بالحج وإن كان مندوباً، أى غير مفروض.»فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الحج»، والرفث للسان، وللعين وللجوارح الأخرى رفث، كلها تلتقى فى عملية الجماع ومقدماته، ورفث اللسان فى الحج أن يذكر مسألة الجماع، ورفث العين أن ينظر إلى المرأة بشهوة ،فالرفث هو كل ما يأتى مقدمة للجماع، أو هو الجماع أو ما يتصل به بالكلمة أو بالنظرة، أو بالفعل، والرفث وإن أُبيح فى غير الحج فهو محرم فى الحج، أما الفسوق فهو محرم فى الحج وفى غير الحج، فكأن الله ينبه إلى أنه وإن جاز أن يحدث من المسلم فسوق فى غير الحج، فليس من الأدب أن يكون المسلم فى بيت الله ويحدث ذلك الفسوق منه، إنّ الفسوق محرم فى كل وقت، والحق ينبه هنا المسرف على نفسه، وعليه أن يتذكر إن كان قد فسق بعيداً عن بيت الله فليستح أن يعصى الله فى بيت الله؛ فالذاهب إلى بيت الله يبغى تكفير الذنوب عن نفسه، فهل يُعقل أن يرتكب فيه ذنوباً؟ لابد أن تستحى أيها المسلم وأنت فى بيت الله، واعلم أن هذا المكان هو المكان الوحيد الذى يُحاسب فيه على مجرد الإرادة، ويقول الله عز وجل: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» «الحج: 25».

إقرأ أيضًا | خواطر الإمام الشعراوي.. التدرج في كفارات الحج

إذن الرفث حلال فى مواضع، لكنه يَحْرُمُ فى البيت الحرام، ولكن الفسوق ممتنع فى كل وقت، وامتناعه أشد فى البيت الحرام، والجدال وإن كان مباحاً فى غير الحج فلا يصح أن يوجد فى الحج، ولنا أن نعرف أن مرتبة الجدال دون مرتبة الفسوق، ودون مرتبة العصيان، والرسول قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) لم يقل: (ولم يجادل) إن بشرية الرسول تراعى ظروف المسلمين، فمن المحتمل أن يصدر جدال من الحاج نتيجة فعل استثاره، فكأن عدم ذكر الجدال فى الحديث فسحة للمؤمن ولكن لا يصح أن نتمادى فيها، والجدال ممكن فى غير الحج بدليل: «وَجَادِلْهُم بالتى هِيَ أَحْسَنُ» «النحل: 125». إنما الحج لا جدال فيه، والجدال هو أن يلف كل واحد من الطرفين على الآخر ليطوقه بالحجة، ثم انظر إلى تقدير الحق لظروف البشر وعواطف البشر والاعتراف بها والتقنين لأمر واقع معترف به، فالحج يُخرج الإنسانَ من وطنه ومن مكان أهله، ومن ماله، ومما أَلِفَ واعتاد من حياة، وحين يخرج الإنسان هذا الخروج فقد تضيق أخلاق الناس؛ لأنهم جميعاً يعيشون عيشة غير طبيعية؛ فهناك من ينام فى غرفة مشتركة مع ناس لا يعرفهم، وهناك أسرة تنام فى شقة مشتركة ليس فيها إلا دورة مياه واحدة،  إذن فالحياة فى الحج غير طبيعية، وظروف الناس غير طبيعية، لذلك يحذرنا الحق من الدخول فى جدل؛ لأنه ربما كان الضيق من تغيير نظام الحياة سبباً فى إساءة معاملة الآخرين ولذلك يطلب إلينا الحق أن يصبر كل إنسان على ما يراه من عادات غيره فى أثناء الحج، وليحتسب خروجه عن عاداته وعن رتابة أموره وعن أنسه بأهله يحتسب ذلك عند الله، وليشتغل بأنس الله، وليتحمل فى جانبه كل شيء، ويكفى أنه فى بيت الله وفى ضيافته.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة