العلاج بالأحجار
العلاج بالأحجار


المصادفة تزيد قناعتهم بالخزعبلات.. المتبركون بـ«الوهم»!

آخر ساعة

الأربعاء، 22 يونيو 2022 - 07:57 م

كتبت: منى سراج

◄مسعود شومان: معتقد متوارث له ظل علمى

◄التبرك بمياه المجارى والتدحرج من أعلى جبل.. أغرب الممارسات

◄د. محمد أنور حجاب: التبرك بالخرافة.. مرض يصيب الغدد الصماء

◄د. مصطفى عبدالهادى: كل هذه المعتقدات أوهام

هم غير مؤمنين بالإله سيبنوزا مثل العالم ألبرت آينشتاين، ولا يعرفون مفهوم الربوبية، لكن تجدهم تارة يؤمنون بمياه المجارى، وتارة أخرى يؤمنون بالباذنجان، أو بالخرزة الزرقاء.. إلخ، فهم على قناعة تامة بأن هذا الوهم وتلك الخزعبلات تمنحهم طاقة القوة السحرية، التى تشفى مرضاهم، وترزق عقيمهم بالبنين وبالبنات، وتجلب الرزق لفقيرهم.

وهذه القناعة رغم أنها وهم كبير فإنها بالنسبة لمن يعتقدون بها حقيقة راسخة تسيطر فى عقولهم، وإذا سخر منهم أحد، فلن يحيدوا عما هم واثقون به، لكن إذا نجحنا فى فهمهم وفهم معتقداتهم الغريبة تلك، وقتها فقط سنستطيع معالجتهم.

 

 

ولهذه الأسباب تطل علينا كل فترة ظاهرة غريبة فى عوالم الخرافة والشعوذة، فقد ظهرت فى الأيام الأخيرة فيديوهات مثيرة لأشخاص «يتبركون بمياه الصرف الصحى»! وأثارت هذه الصور جدلا واسعا على السوشيال ميديا.. بعض رجال الدين أجازوا التبرك بالصالحين، لكن الأميّة الدينية عند بعض الناس، أو خلل هرمونات الطاقة لدى آخرين، تسلبهم عقلهم وتجعلهم ينساقون وراء معتقدات موروثة لا يقبلها العقل السليم، ولا علاقة لها بالعلم أو بالدين.

 

فى هذا التحقيق تكشف «آخرساعة» أسرار لعبة الصدف فى عالم المتبركين بالوهم.. وكيف أثبت العلم أن التبرك بالوهم مرض يصيب الغدد الصماء.. وتجيب عن عدة أسئلة أبرزها: هل هؤلاء المتبركون يرون أنفسهم أهل علم وأهل عقيدة؟.. وكيف يجيدون تسخير علوم الطاقة فى تلبية مطالبهم؟.

 

إقرأ أيضًا | الشيخ رمضان عبد الرازق: الحظاظة والخرزة الزرقاء وحظك اليوم «شرك بالله»

حكاية أم يوسف


قابلنا أم يوسف التى أكدت لنا أنها رُزقت بيوسف فور رمى نفسها من فوق سفح الجبل فى إحدى محافظات الصعيد، فقد قصدت العديد من الأطباء ولم يقدموا لها شيئًا، وأكدوا لها أن فرصتها فى الإنجاب تكاد تكون منعدمة.

وتابعت حديثها مندهشة من استنكارنا لهذا الخرافات التى تؤمن بها، إذ قالت: «كيف تتهموننى بالإيمان بالوهم؟»، ثم تساءلت: «هل كلام الأطباء لى بعد أن أنجبت يوسف هو الوهم؟ أم إنجابى له بعد التدحرج من فوق قبو عالٍ هو الوهم؟».

 

أما «خالتو كرمه» - كما يلقبونها - فتؤكد أن الخرزة الزرقاء ورمى خلاص الولادة (المشيمة) فى مياه البحر هما اللذين أنقذا طفليها من الحسد المحتوم، فكلما كانت تحمل فى الولد لا يكتمل حملها ويفشل الأطباء فى إنقاذها، إلى أن نصحتها جارتها بارتداء الخرزة الزرقاء، فاكتملت فرحتها وأنجبت وليدها، وتضيف: أدعو الله لكم بالهداية حتى يريكم نور معجزاته، ويزيل من عليكم ظلام الضلال والإنكار!!  

 

هناك فرق!
مسعود شومان، وكيل وزارة الثقافة، ورئيس اللجنة الاستشارية العليا لأطلس المأثورات الشعبية، يؤكد: هذه المعتقدات الشعبية تمثل جزءا كبيرا من تشكيل وعى الشعب المصرى، أتت من قديم الأزل وعابرة للزمن، فهم يظنون أن هذه المعتقدات لها قوة ساحرة، وأنها قادرة على تغيير الوعى، وهذا الوعى قادر بدوره على إحداث أشياء فطرية بالنسبة إليهم، لكنها تبدو خارقة بالنسبة للآخرين.

 

يتابع: هناك ممارسات لمستثمرى الجهل وممارسات للجماعة الشعبية لابد أن نفهم الفرق بينهما، قبل محاولة إيجاد حلول وقبل مهاجمة هؤلاء، فمثلا الذين يتبركون بمياه المجارى يمارسون أمورا شاذة وليست بمعتقد، والجماعات الشعبية لا تؤمن بها، بل إنها تمارس معتقداتها برقى شديد وبعيدا عن الشعوذة والدجل، فهى تعتبر نفسها جماعة متسقة صاحبة عادات وتقاليد، وتمتلك توازنا بين عناصر الثقافة المختلفة يحقق لهم إشباعا، ونوعا من السعادة، فتوجد لديهم معتقدات متعلقة بنهر النيل، وأخرى متعلقة بالأشجار المقدسة.

 

ويؤكد: أى معتقد وراءه جانب نفعى وآخر ترويحى، بجانب الاعتقاد المكنون داخل الصدور، وأيضا وراءه ظل علمى إذا بحثنا عنه، فمثلما ثبت علميا أن لـ«الزار» طاقة علاجية، وأن للدعوات طاقات وعى تحقق الشفاء، وأن «البشعة» معترف بها فى «تحقيقات البوليس» التى تستخدم لكشف السارق، أصبح هؤلاء يمارسون معتقداتهم وهم متوسمون إما فى الأولياء أو فى الطواف حول أشجار أو حول بعض الأحجار، وبدأت تنتشر ممارساتهم وتتناقل منذ بداية المرحلة «الطوطانية» التى اشتهرت بعبادة الأسلاك وبعض الحيوانات، فكانوا يعتبرونها تميمة فى بعض القبائل والمجتمعات البسيطة أو البدائية، التى وجدت واكتشفت حلولا فعلية لبعض مشكلاتهم فور التجائهم إليها.

 

«إسأل مجرب»!

يضيف: من تلقوا العلم يؤمنون أن هذه خرافات أو أوهام، لكن فى الواقع المعاش هى تمثل لديهم حقائق وليس أوهاما، وذلك بفضل التجربة، فلأن عقيدتهم هنا يستمدونها من مقولة  «اسأل مجرب ولا تسأل طبيبا» باتت هذه العقيدة لديهم حقيقة مؤكدة غير قابلة للتشكيك، وأصبح الطبيب لا يشغلهم بقدر ما تشغلهم فكرة التجريب، فيجربون أن يلجئوا إلى ولى أو إلى عادة وتقليد.. أيضا ثبت علميا أن هذه المعتقدات عبارة عن طاقة وأن هذه الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وأن لهذه الإيمانيات طاقة وعى قادرة على إحداث هذه التغييرات عند الجماعة، طالما أن هذه الجماعة مؤمنة بهذا المعتقد أو بغيره، فالمهم هنا هو قوة الإيمان وقوة المعتقد.

 

يتابع: فى حلايب وشلاتين يصنعون «أحجبة ضد العقرب»، ويعملون ما يسمى بـ«التشليخ»، وهو عبارة عن حفرة دموية تحفر فى الوجه كآية من آيات الجمال، تمثل جزءا من بنيتهم الثقافية لما لها من فاعلية وتأثير، وهنا لا يجب أن يتعامل أهل العلم مع هذا التقليد أو المعتقد بنظرة دونية، أو من خلال ما نعتقد نحن، من معرفة، فحل هذه الأمور لن يأتى دون دراسة هذه المجتمعات دراسة ميدانية حقيقية، ودون تأمل ما يفعلون أو مشاهدة مدى اتساقه مع حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وجغرافياتهم، ومع مدى ما يحققه لهم من سعادة، وكما يقال: «من اعتقد منكم فى حجر لنفعه».

 

لعبة الصدفة!

فيما يقول الدكتور محمد أنور حجاب، أستاذ علم النفس السياسى: معتقدات التبرك بالوهم أو بالأولياء هى موروثات شعبية ضاربة فى أعماق التاريخ، وتحققت فاعليتها كثيرا بالمصادفة، وتصيب أشخاصا لهم سمات شخصية محددة، منها السذاجة وعدم الاتزان الانفعالى، لأن لديهم قابلية الاستهواء لمثل هذه الأكاذيب والخرافات، ويوجد معظمهم فى القرى والنجوع، ونسبة قليلة منهم فى بعض المدن، حيث المستويات الثقافية المتدنية القابلة للتصديق، وحيث أماكن الجهل الدينى وقلة الوعى، كما زاد من انتشارها لعبة الصدف، وقداسة وصدق «شيوخ الأتر» الذين يستغلون هؤلاء الأبرياء والسذج ويسيطرون عليهم.

 

أما إذا أخذنا بالعلم فى هذه الظاهرة فسنعود إلى بدايات علم النفس، والقائم على مفهوم الطاقة النفسية قبل مفهوم العلاج بالطاقة والوعى ، فالطاقة النفسية جزء من شخصية الإنسان الأساسية مثل الذكاء والاتزان النفسى وباقى السمات والقدرات العقلية، وتختلف من شخص لآخر بحسب الشخصية والفروق الفردية.. هناك أشخاص لديهم طاقة عالية أو «فرط حركة» ، وآخرون لديهم خمول طاقى، خلقنا المولى عز وجل بمتوسط لمعدل إفراز الغدد المسئولة عن الطاقة ينقسم بين ضعيف ووسط ومرتفع.

 

حيث توجد بعض الغدد الصماء فى جسم الإنسان مسئولة عن إفراز هرمون الطاقة فى الدم مباشرة، وهى تصنف بـ«الغدد الأقوى» لأن تأثيرها مباشر فى الشخصية، بعكس الغدد «المقناة» التى تفرز الهرمون عن طريق قناة للدم، وأكبر هذه الغدد الصماء هى الغدة النخامية، وهناك أشخاص عندهم إفراط فى إفراز هذه الغدد التى تمنح الطاقة، وهناك آخرون لا يمتلكون هذه الطاقة التى تمنح الشخص القدرة على الاستفسار والتمييز بين الخطأ والصواب والحلال والحرام، وهؤلاء هم الأكثر إيمانا بالوهم وبتصديقه، كما أنهم يلجئون دائما للإيمان بالمعتقدات الخاطئة نتيجة خمول الغدة الدرقية، ونطلق عليهم فى علم النفس لقب «المتيس».

 

أما المعتدلون فيستغلون هذه الطاقة فى شفائهم، وهم يمثلون الغالبية العظمى من البشر، لذلك هذه الأوهام غير منتشرة بين معظم الناس، والفئة الثالثة هم المصابون بـ«فرط الحركة»، ونسبة القلق عندهم مرتفعة، فتصبح طاقتهم قلقا زائدا نتيجة إفراز الغدة الدرقية النشط.. والمصابون بإفراز الغدة النشط أو المصابون بخمول الغدة الدرقية جمعيهم يحتاجون لعلاج بالطب النفسى أى العلاج بالطب وبعلم النفس معا، أى يلزمهم توجيه وعلاج وتوعية، ليميزوا بين الخطأ والصواب حتى لا يتم استغلالهم واستغلال جهلهم الدينى، وتجتمع فى مسئولية علاجهم ووعيهم الأسرة والمدرسة والإعلام وشيخ المسجد والكنيسة والوحدة الصحية أحيانا.

 

السلوك البشرى


والحملات الإعلامية تساعد فى علاج أصحاب الذكاء الضعيف وأصحاب الاتزان النفسى الضعيف، الذى يجعل الشخص جاهزا لاستقبال الوهم بسهولة، بسبب أن خريطة عمل المخ لديه تبدأ بعمل السمات النفسية أولا ثم بالفكر والإدراك، وهذا بعكس طريقة عمل مخ الإنسان السليم والتى تبدأ بالفكر والعقل ثم بالسمات النفسية فى المرحلة التالية، ولكى نفهم كيف يتحكم سلوك الإنسان فى تعاملاته مع الأوهام وتمييزها، يجب أن نعرف كيف يتكون سلوكه وكيف يتحكم فيه ويسيطر عليه، فالسلوك البشرى يتكون من ثلاث عناصر متتالية ومرتبة أولها «الإدراك» ويشمل الوعى والذكاء العام وقوة الذاكرة وقوة الملاحظة، وثانيها السمات النفسية المختصة بالصفات النفسية والطباع مثل الاتزان الانفعالى أو الوجدانى والتعاون والصدق، وثالثها القيم الاجتماعية سواء قيم دينية أو مادية أو غيرهما.

 

ويضيف: إذا سبق الإنسان التنفيذ الفعلى لقدراته اتزانه النفسى وإدراكه، يصبح إنسانا ساذجا وفريسة للوهم وللخرافة، كما أن شخصا واحدا شديد الذكاء قادر على تدمير مجموعة من البشر إذا لم يكن لديه اتزان انفعالي، وهذا ما يفصل تعامل إنسان عن غيره: القيمة أو السمة أو القدرة العقلية المسيطرة على باقى القدرات.

 

أما الدكتور مصطفى عبدالهادى عبدالغفار كبير أئمة بالمعاش بوزارة الأوقاف، فيقول: يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه»، ويقول المولى عز وجل: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».. فالتعلق بالتميمة شرك، والتبرك والتوسل بغير الله شرك، وقال ربكم ادعونى استجب لكم، فالله تعالى ليس على بابه حاجب ولا مانع وأفضل الدخول إليه من بابه وباب رسوله.. فكل هذه المعتقدات أوهام الناس تعتقد فيها ويزينها الشيطان فى الاستشعار بالراحة وبالطاقة، ومن يعتقد فى الخرافات والتمائم والأحجبة ويذهب للدجالين والسحرة يستنزف أمواله، وهذا شرك والعياذ بالله، أما الرقية الشرعية فقد أجازها الإسلام وأمر بها رسولنا الكريم.

 

مسلسلات الدجل والشعوذة ساعدت فى غرس هذه المعتقدات فى نفوس الناس لأنها غير معالجة شرعيا، والإمام الذى يملى عليه الكلام مات لديه ابتكار الكلام فمات إنتاجه وإبداعه، وأيضا الأمية الدينية مسئولة عن انتشار هذه الظواهر.. أقول للعلم «ما جعل الله شفاء أمتى فيما حرم عليهم»، وعندما أجزم فى اعتقادى فى الله تجزم حاجتى، «ويقينى بالله يقينى»، الطب النفسى أساسه حوار يجريه الطبيب النفسى المختص ليغوص فى نفس المريض، وحتى الآن مراحل شفائه قليلة جدا وحالات الشفاء قليلة.. والقرآن بين يديك فيه شفاء من كل داء.

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة