صابر سعد
صابر سعد


ومضة

صابر سعد يكتب: «ضهري اتكسر»

صابر سعد

الخميس، 23 يونيو 2022 - 10:11 م

21 يونيو قد يمر على الجميع كيوم مثل بقية الدهر، لكني أتجهز له قبل المجيء وعند المفارقة، فيونيو ذاته يعود عليّ كجرس إنذار يدق معه كل أركان جسدي وعقلي ليأتي يوم الحادي والعشرين فكأن الزمن قد توقف والعقل انشطر نصفين وانهمرت معهما العيون بالدمع المحترق بنار الحسرة.. إنه يوم فراقك يا أبي.

إنه يوم المجيء يا «21 يونيو» أما ما بعده فكأن الحياة تسير من سَمِّ الْخِيَاطِ فتتخبط مع أعاصير الدنيا ونوائب الدهر وحوادث الحياة كأنها تبعث لي شيئًا من الإلهاء والتسلية علني أنسى ذلك المشهد الذي أذن الله أن ترفع إليه روح أغلى الناس على وجه الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

غصة بحلقي لم تستطع أن تمحيها الكرامات التي رافقته بعد وفاته -والتي رأيناها بأم العين- ولم تنسني مرارة لم تفارق حياتي، ولم تفلح أن تذهب ألمًا لا يزال يعتصر قلبي ونفسي، فالمصاب أليم.

 لا أزال أحس بأنفاسه متى يشتاق قلبي إليه، فلم أنس أبي لوهلة كي أتذكره، فكيف أنسى من لم أغب عن باله طوال حياته حتى في شدة مرضه.

كثيرًا حكى لنا الزمان على لسان مكلومين أفقدهم القدر الأعزاء؛ حكايات وروايات لعل كل من يسمعها سيفيق من غفوته حتى ولو كان مخمورًا، فصداها يسمع الصم ويبصر العمي ويتغلغل في أعماق النفوس ويصل في الحال للقلوب، لكن تلك الجملة لم أنسها قط: «لن تعرف قيمة والدك حق المعرفة إلا بعد الفراق».

عرفت قيمة أبي سعد الذي أسعد حياتنا وأنارها في لحظات حالكة الظلمة بشمعة شبابه وعطائه، حتى ذابت تلك الشمعة وخَرَّ والدي أمام مرض نهش جسده لسنوات طوال..

لم يدخر لذاته شيئًا بل آثرنا على نفسه  وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ، وعبر بنا الْيَمِّ بقاربه الصغير الذي صنعه من عرق حلال حتى أوصلنا لبر الأمان إلى شاطئ يَمِيزَ فيه الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ حتى صرنا نفرق بين الحلال والحرام في زمن اختلط به الحابل بالنابل. 

لم أتخيل ولو للحظة أن الدموع التي لا ازال اذرفها لن تجف، فظهري كُسر بعد وفاة أبي حتى أيقنت أنني اصبحت يتيمًا رغم أن عمري ناهز الـ٣٣ ربيعًا، فشريط الذكريات يفر يوميًا أمام عيني في صفحة ناصعة البياض صنعها أبي رحمه الله بطيبة أصبحت نادرة وقلب سديد خالٍ من الحقد والحسد والضغينة.

رحمك الله يا أبي وشد على يدي حتى يأذن الله لي باللحاق بك في دار خير من أي دار.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة