نيرة أشرف - إيمان إرشيد
نيرة أشرف - إيمان إرشيد


الحب تحت نصل السكين| فى حادثتى «نيرة وإيمان».. أسلحة القتل بدلا من كلمات الغزل

آخر ساعة

الإثنين، 27 يونيو 2022 - 04:27 م

كتبت: علا نافع

إذا كان للحب مجانين مثل قيس حبيب ليلى، أو عنترة أسير قلب عبلة، ففى زمن الإنترنت والسوشيال ميديا بات للحب قتلى وضحايا مغدورون. قديمًا كانت رسائل البريد الخفية والأشعار وسيلة التعبير عن الحب حتى لو كان من طرف واحد، لكن فى عصرنا الحالى أصبح الرصاص والسكين إعلانًا صريحًا عن حب مريض، فلم تمضِ سوى 48 ساعة فقط على حادثة ذبح طالبة المنصورة نيرة أشرف حتى تفاجأ العالم العربى بضحية ثانية هى الطالبة الأردنية إيمان إرشيد التى لقيت حتفها على يد أحد زملائها رميًا بالرصاص داخل الحرم الجامعى بعد أن رفضت هى الأخرى الزواج منه أو مبادلته الحب، رغم رسالة التهديد الواضحة التى أرسلها الجانى قبل الحادثة بيوم واحد.

الظروف الاقتصادية واختلال مفهوم الحب والزواج أبرز الأسباب

«البلوجرز» و«اليوتيوبرز» حصروا الحب فى «استورى» وصور براقة

المؤسف أن بعض الشباب برروا انتقام الجناة بأنه شعور طبيعى لمرارة الإحساس بالرفض، وجزاء مناسب لرفض الحب الحلال الذى سيُكلل بالزواج، وكذلك رأى بعض الفتيات اللواتى رأين أن الحب يأتى فى الحياة مرة واحدة شريطة إعطائه الفرصة وفتح باب القلب على مصراعيه، فربما يكون هو الحب المنتظر!
فهل تحوَّل نار الحب من طرف واحد إلى بركان مشتعل يعصف بالمحبوب ويدمره تدميرًا كاملًا؟ أم إن الشباب العربى لم يعد يتذوق حلاوة الحب وناره أو حتى يعرف معناه؟ خاصة أن إيقاع الحياة السريع قلَّل من شأن المشاعر الإنسانية وحوَّلها إلى مجرد «بوست» على «فيسبوك» أو خبر متداول على «جروباته» السرية.

«سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلغوا سلامى إلى من كان بالوصل يمنع، هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرع»، كان هذا هو بيت الشعر الأخير الذى خطَّه أحد العاشقين بالعراق قبل أن ينهى حياته ردًا على رفض محبوبته له، وتنفيذًا لنصيحة الأصمعى الذى قال له: «إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت يفجع»، ما جعل أهل باديته يبكون قتيلهم قائلين: «ومن الحب ما قتل».

كان هذا هو مصير الحب الصادق فى كثير من الأحيان، فالعاشق يعز عليه أن يرى محبوبه يتألم أو لا يشعر بحبه فيختار فراقه والارتحال بعيدًا عنه، حتى لو كان انتحارًا، وهو أمر مرفوض، لكن مؤخرًا اختلفت طريقة الفراق وتحولت إلى قتل الحبيب بدم بارد ودون أدنى رحمة، ففى كتاب «الأيدولوجية الرومانسية وضحاياها» للمؤلفين آرون بن زنيف وروهاما جوسينسكى، بحث المؤلفان ظاهرة قتل الأحباء، وتوصلا إلى أن قتل الحبيب عملٌ ناتج عن نضج عاطفى وتخمر تام للفكرة أدى إلى خلق استعداد ذهنى لارتكاب جريمة القتل وتدمير الآخر اعتمادًا على خلق وقائع وأسباب واهية لتجنب الشعور بوخز الضمير.

ويذهب الكتاب إلى اعتبار تلك الأفعال بعيدة تمامًا عن مشاعر الحب الصادقة النابعة من الخوف على الحبيب، بل وينفى وجود الحب من الأساس، فما هو إلا مجرد حالة يعيشها العقل ويعطى إشارة للقلب بالتفاعل معها.

إقرأ أيضًا | فيديوجراف| جلسة مثيرة لمحاكمة المتهم بقتل «نبرة أشرف» طالبة جامعة المنصورة

يقول الدكتور وليد هندي، استشارى الصحة النفسية لـ«آخرساعة»: لم تكن جريمة قتل نيرة وإيمان الوحيدة التى كان دافعها قصص حب مجنونة أو مختلقة، فالتاريخ يزخر بالكثير من الحوادث المؤسفة التى وصلت بحسب الدراسات إلى 40% ضحايا إناث و60% ذكورًا، لكن فى وقتنا الحالى بات تزايدها دليلًا على تغيُّر معانى الحب وتشوش مفهومه لدى كثير من الشباب، فالحب لم يعد تضحية وتفانيا من أجل الحبيب أو العيش على ذكراه، بل أضحى مجرد كلمات جوفاء لا معنى لها تنتشر بصورة كبيرة بسبب الأغانى والأفلام الرومانسية.

ويضيف: الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع نسب البطالة من أبرز الأسباب التى جعلت الشباب يعزفون عن الحب ويستبدلونه بعلاقات عابرة، بل ويتبارون فى اصطياد أكبر عدد من الضحايا لتأجيج الشعور باللذة وإرضاء الذات، مشيرًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة وانتشار برامج التعارف المجانية سهّلت ذلك.

ويوضح أن الفتيات هن الأخريات يساورهن اعتقاد بأن هناك اختلافًا كبيرًا بين الحب والزواج، فالأول نزوة أو تجربة لا بُد من تذوق حلاوتها حتى لو باءت بالفشل، أما الزواج فهو رباط مقدس يجب أن يُبنى على الرفاهية المادية وتحمل المسئولية، ولعل هذا ما يفسر دخول الفتاة أو الشاب فى أكثر من علاقة مع أشخاص مختلفين بدافع اكتساب الخبرة الحياتية أو حتى للخروج فى نزهة وسماع عبارات الغزل والمدح.

أما الدكتورة إيمان عبدالله، خبيرة العلاقات الأسرية والعلاج النفسي، فتقول: عادة ما يكون الحب المَرضى الدافع وراء جرائم القتل البشعة، فالشاب يشعر بأن الحياة لن يكون لها أى قيمة دون الحبيب فيلجأ لقتله إيمانًا بمقولة «أنا ومن بعدى الطوفان»، وبالطبع لا يعد هذا حبًا بأى حال، فالحبيب يخاف على حبيبه ويحرص على ألا يمسه أى أذى، مؤكدة أن هناك فتيات يلجأن هن الآخريات لوسائل انتقام مختلفة مثل مطاردة الشاب على وسائل التواصل أو اختلاق قصة حب خيالية وذلك للتفرقة بينه وبين حبيبته.

وتشير إلى أن اختفاء الحب الحقيقى من حياة الشباب ناتج عن خلل فى التربية، فالشاب يتربى على أن هناك اختلافًا بين الحب والزواج، فالحب هو مجرد نزوة أو إحساس عالٍ بالذات، على عكس الزواج الذى يقوده العقل وتقارب الظروف الاجتماعية للعائلتين، فالفتاة التى يدخل معها فى قصة حب لن تكون أمينة على بيته أو شرفه إذا ما تزوجها، وعادة ما تنتشر تلك الأقاويل فى القرى والمجتمعات القبلية.. كذلك بعض الفتيات اللواتى تربين على حرمانية الحب والخوف من الوقوع فى شباكه، مؤكدة أن انتشار ظاهرة «البلوجرز» و«اليوتيوبرز» (صُنَّاع المحتوى على موقع يوتيوب) حصر الحب فى مظاهر الترف والبذخ والهدايا الثمينة، فضلًا عن توثيقه فى صور و«استوريهات» برّاقة لجمع أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق الربح.

فى السياق، تقول الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع: اختلت مفاهيم الحب والزواج لدى الشباب بسبب التربية الخاطئة التى تقوم على أساس تنامى نظرة الشاب المتضخمة لنفسه فلا يمكن لأى فتاة مهما تميّزت عنه سواء فى الثقافة أو التعليم أن ترفضه، وبالطبع فإن المسلسلات الدرامية والأغانى أجّجت مفهوم الانتقام للرد على الحب من طرف واحد، مشيرة إلى أن السوشيال ميديا هى المتهم الأول حيث حصرت الحب فى هدايا ثمينة وخروجات للتنزه فى أماكن فاخرة مع تتويجه بحفل زفاف أسطورى وثوب أبيض يحمل توقيع أشهر مصممى الأزياء، بالتالى ينمو داخل الفتاة شعور بأن من يحبها حقًا هو من يحقق لها تلك الأمنيات!

وترى الدكتورة هالة أن عزوف المجتمع المصرى عن القراءة وممارسة الأنشطة الثقافية المختلفة أفرغه من طابعه المميز وجعل الوضع أشبه ببوق للأغانى والأفلام الهابطة التى لا تسمو بالذوق العام وتتعامل مع الحب على أنه مجرد اقتناص قبلة مسروقة أو سيل من عبارات الغزل الرخيصة.

ويتفق معها الدكتور سعيد صادق، خبير علم الاجتماع: «فى الماضى كان المجتمع المصرى قادرًا على الحب ويحترمه ويُقدّره، والدليل على ذلك الأغانى والدراما التى عززت هذه المفاهيم، فضلًا عن التنشئة الأسرية المبنية على القيم الراقية»، مؤكدًا أن السوشيال ميديا غيَّرت تلك المفاهيم وجعلت الفتيات يتبارين فى الحصول على عريس ثرى حتى إن غابت مشاعر حب بين الطرفين.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة