الملايين من المصريين خرجوا فى الميادين خلال الثورة
الملايين من المصريين خرجوا فى الميادين خلال الثورة


القرار| ثورة شعب حماها الجيش.. الطريق إلى 30 يونيو

الأخبار

الأربعاء، 29 يونيو 2022 - 11:40 م

أ.د.جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس

سأل جمال عبد الناصر قيادات جماعة الإخوان قبل ثورة 23 يوليو «كيف ستعالجون مشاكل مصر لو وصلتم إلى الحكم؟  كانت الإجابة: الإسلام هو الحل»!

من الأخطاء الكبيرة التى يقع فيها البعض عند إعادة قراءة الأحداث التاريخية الكبرى، تجاهل السياق العام للحركة التاريخية، وعدم الاهتمام بالمقدمات التى أنتجت الوقائع بالشكل الذى وقعت به. 

التاريخ فى الحقيقة حلقات متشابكة ومترابطة كل حلقة تعد مقدمة للحلقة التالية لها، والحلقة الجديدة هى نتيجة للتطور التاريخى الذى سبقها، فثورة الشعب المصرى عام 1805 واختيار محمد على واليا على مصر كانت نتيجة لتدهور أوضاع مصر أواخر زمن دولة المماليك، وبعد احتلال العثمانيين لمصر 1517. وثورة عرابى كانت فى الأساس بسبب الفساد السياسى والإدارى والنهب الاقتصادى الاستعمارى لمصر الذى امتد من 1840 حتى 1882 والحركة الوطنية المصرية بمراحلها المختلفة من 1882 إلى 1952 مرورآ بثورة 1919، ومن قبلها كفاح مصطفى كامل ومحمد فريد ورموز الطبقة الوسطى المصرية، كلها كانت مقدمات مهدت لثورة الضباط الوطنيين يوم 23 يوليو 1952، ونجاحهم فى طرد الملك فاروق وتغيير الخريطة الاجتماعية لمصر، وبناء الجمهورية الأولى.

وكان انحراف الثورة عن مبادئها وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وهيمنة رجال المال والأعمال على السلطة والثروة خاصة فى العشر سنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل حسنى مبارك مقدمة للانتفاضة الثورية الهائلة يوم 25 يناير 2011.

أما مقدمات ثورة 30 يونيه 2013، فهى فى الحقيقة وبالجملة ولدت من رحم ماجرى فى أعقاب 25 يناير 2011 بعد (ركوب) واستغلال جماعة الإخوان الانتهازية الفرصة التى سنحت لهم، نتيجة لافتقاد ثوار يناير لخطة محددة وقيادة منظمة متماسكة مسلحة تمتلك القدرة على التفكير والحركة والتنفيذ.

وقد كان حكم جماعة الإخوان، بمثابة تحد كبير للشخصية المصرية ولثوابت التاريخ المصرى، لم تكن ثورة 30 يونيه مجرد تظاهرات هدفها إسقاط الرئيس الإخوانى محمد مرسى الذى وضعته جماعة الإخوان صورة أو واجهة ليحكم أقدم دولة مركزية فى التاريخ وليقود شعبا عظيما تكونت خبرته عبر آلاف السنين، لذلك أدرك هذا الشعب بسرعة حقيقة ماجرى، واستشرفت نخبة من رجال الفكر والسياسة وقيادات الجيش ملامح المستقبل وكيف سيكون مظلمآ، لو استمر الإخوان فى السلطة.

ومن هنا بدأت أصوات الشعب المصرى تتعالى وتطالب بضرورة مواجهة الجماعة وضرورة التغيير حفاظآ على الهوية المصرية.

وقد تراكم الغضب داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها خاصة الأجهزة الاستخباراتية، وبين النخب السياسية، فضلآ عن تزايد توتر الجماهير من سياسات الجماعة. 

كانت البداية من اليوم الأول عندما حاول محمد مرسى تجاوز القانون وأداء اليمين الدستورية فى ميدان التحرير أمام الجماهير المحتشدة، وكان معظمهم من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها، ومن الذين لا يعرفون حقيقة أهدافها وخدعتهم شعاراتها الكاذبة.

ومع أنه أدى اليمين مرة ثانية فى جامعة القاهرة، إلا انه اجبر إلى تكرار أداء اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا.

ولقد أثارت هذه الأزمة كثيرا من الشكوك، ثم توالت التجاوزات، وارتكب محمد مرسى والجماعة أخطاء جسيمة كان فى مقدمتها إصدار مرسوم بقانون بعودة مجلس الشعب، ولجنة إعداد الدستور وكان غالبية أعضائها كوادر الجماعة ومن القيادات السلفية، ومن بين التجاوزات أيضآ عدم الاستجابة لآراء الأقباط وللأفكار التى اقترحتها التيارات والقوى السياسية المدنية.

كان الشغل الشاغل لمرسى وجماعته تمكين العناصر الإخوانية فى جميع مؤسسات الدولة وتعيين شباب الجماعة فى المناصب المهمة، ولقد أحدثت التغييرات التى أجراها محمد مرسى فى حكومة الدكتور هشام قنديل، وكذلك فى تعيين المحافظين تذمرآ وانتقادآ لمسألة التمكين، وتسببت حادثة إقالة مستشار الرئيس (خالد علم الدين ) عضو الهيئة القيادية فى حزب النور السلفى فى إحداث شرخ كبير بين حزب النور السلفى والإخوان.

لقد كانت المؤسسة العسكرية ومن اليوم الأول ساخطة على تصرفات الرئيس ( الإخوانى ) محمد مرسى، الذى أقدم على إقالة المشير طنطاوى وزير الدفاع، وإقالة رئيس هيئة الأركان الفريق سامى عنان، فضلآ عن استهدافه رجال الإعلام والصحافة واتهامهم بأنهم «منتهكين للقانون ومتهربين من الضرائب».
كانت الطامة الكبرى عندما صدرت القرارات الرئاسية بالعفو عن عُتاة المجرمين وإطلاق سراحهم، وكان بعضهم قد اودع السجون لارتكابه جرائم كبرى وجنايات، وكان معظهم قد حكم عليهم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة.

ولقد أثار الإفراج عن هؤلاء وإرسالهم إلى سيناء استياء الشعب المصرى، وتوجست أجهزة المخابرات خيفة من هذا التصرف وتوقعوا أن الجماعة الإرهابية تخطط لفصل سيناء عن مصر وجعلها مقرآ لتنظيم مسلح يستخدم ضد الجيش والشرطة عند اللزوم.

ولقد لاحظ كل من راقب تتابع الحوادث خلال الشهور الأولى من حكم مرسى العياط الإفراط فى إصدار الإعلانات الدستورية والقوانين التى تهدف إلى تمكين الجماعة، من ذلك الإعلان الدستورى الصادر يوم 11 أغسطس 2012، وإقرار إحالة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى التقاعد فى اليوم التالى 12 أغسطس 2012، كذلك إصدار الإعلان الدستورى يوم 22 نوفمبر 2012 وهو الأخطر على مستوى كل القرارات التى صدرت فى هذه السنة السوداء من حكم مصر، حيث حصن كل قرارات رئيس الجمهورية ومنع الطعن عليها، يضاف إلى ذلك حصار المحكمة الدستورية العليا لمنع القضاة من دخولها والاعتداء الصارخ على القضاء.

كانت خطب الرئيس مرسى تثير السخرية والتهكم والنفور لدى كل الطبقات والشرائح والفئات، وكان مصطلح الفلول الذى أستخدمه لوصف المعارضين له يثير السخرية، فمن المستحيل أن يكون الذين ثاروا على الرئيس حسنى مبارك ونظامه فلولآ له.

كما أن الرأى العام لم يقبل ( تكفير ) مرسى والإخوان للمعارضين له، كما غضب الشعب المصرى من مغازله الإخوان للشيعة، والسعى لإنشاء حرس ثورى مثل الحرس الثورى الإيرانى، يتجاوز الجيش المصرى أو على الأقل يقلص قوته وقوة الشرطة المصرية، كذلك رفض الشعب المصرى الذى جُبل على التسامح واحترام الآخر اتباع الإخوان سياسية فرق تسد وتهديد الأقباط.

ومن ناحية أخرى أستفزت مشاعر الشعب المصرى - حتى الذين عارضوا سياسية الرئيس الراحل أنور السادات بعد انتصار أكتوبر وعقد معاهدة السلام - قيام مرسى وجماعته بإحياء ذكرى نصر أكتوبر بمشاركة قتله السادات وفى مقدمتهم طارق الزمر. 

بالإضافة إلى ذلك شهدت القصور الرئاسية غزو من قيادات الجماعة، منهم ياسر على المتحدث بأسم الرئاسة، الدكتور عصام الحداد مساعد الرئيس لشؤن العلاقات الخارجية والتعاون الدولى، وهو فى نفس الوقت عضو مكتب الإرشاد والمسئول عن ملف العلاقات الخارجية للجماعة، وأحمد عبد العاطى مدير مكتب رئيس الجمهورية عضو الجماعة أيضآ، والدكتور محى الدين حامد مستشار الرئيس وعضو مكتب الإرشاد كذلك، والدكتور حسين القزاز مستشار الرئيس وعضو الجماعة، وأيضآ الدكتورة أميمة كامل السلامونى مستشار الرئيس لشؤن المرأة وعضو حزب الحرية والعدالة، وكذلك الدكتور عصام العريان مستشار الرئيس للشؤن الخارجية، ينسحب ماسبق على كل مؤسسات الدولة حيث تم إختراقها وتعيين عدد كبير من كوادر وشباب الجماعة فى المناصب القيادية.

الحقيقة أن مصر كانت تدار من مكتب الإرشاد ولم يكن الرئيس مرسى إلا واجهة يحركه المرشد وخيرت الشاطر، الأمر الذى حول الصراع السياسى بين الحكومة والمعارضة إلى صراع عقائدى، فرئيس الدولة داعية ينتمى لتنظيم وليس رئيسآ لدولة مدنية تسمح بتداول السلطة.

ومن الخطايا التى لا يغفرها الشعب المصرى لمرسى وجماعته، ولعلها من أهم أسباب أنفجار ثورة 30 يونيه، تحالف الجماعة مع التنظيمات التكفيرية والجهادية المسلحة وفى مقدمتها تنظيم القاعدة، حيث خططت الجماعة للإعتماد على المرتزقة الإرهابيين فى صراعها مع القوى المدنية ومؤسسات الدولة خاصة الشرطة والجيش.

لم تعى الجماعة دروس التاريخ وعادت تكرر نفس أخطائها التى أرتكبتها فى الثلاثنيات من القرن العشرين عندما اتخذت موقفآ عنيدآ وعدائيآ من الأحزاب والقوى السياسية والجماعات الأيديولوجية الفاعلة فى الشارع السياسى وقتئذً، نفس الشئ عادت تمارسه مع كل التيارات التى نشطت قبل 25 يناير 2011 وبعدها، من ناصريين، واشتراكيين ثوريين، وقوميين، وليبراليين. 

كانت الجماعة تثأر وتنتقم بأثر رجعى  من هذه التيارات وتكرر ممارسة العنف والإغتيال ضد المنتمين لها. وإذا ما تجاوزنا كثير من التفاصيل فإنه من اللافت للنظر أن إفتقاد الجماعة لرؤية إقتصادية شاملة متكاملة لعلاج مشكلات مصر وإنقاذ الطبقة الوسطى، ورفع المعاناة عن الفقراء والمهمشين كان من أهم العوامل التى أدت إلى ثورة الشعب المصرى ضدهم يوم 30 يونيه.

وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن عبد الناصر عندما سأل قيادات الإخوان قبل ثورة 23 يوليو 1952 : كيف ستعالجون مشاكل مصر إذا وصلتم إلى الحكم ؟ كانت إجابتهم الإسلام هو الحل !.

وعندما سئلهم عن مشروع نهضوى تحديثى يعالج مشاكل الجهل والفقر والمرض ؟ لم يجد إجابة مقنعة ! 

وهكذا عندما وصلوا للسلطة بعد رحيل عبد الناصر بأكثر من أربعين سنة، لم يكن لديهم نظرية أو علاج ناجع لمشكلات مصر، الأمر الذى أدى إلى تعرض النسيج الإجتماعى فى مصر لهزات عنيفة، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فضلآ عن تدهور علاقات مصر الخارجية. ولقد زاد الطين بلة إصرار الجماعة على إرهاب الشعب المصرى، واستخدام العنف ضد كل القوى المعارضة.

وفى مواجهة تصاعد غضب الشعب المصرى إعتصم الإخوان فى ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وكذلك بميدان النهضة بالقرب من جامعة القاهرة يوم 10 يونيه 2013 فى سابقة خطيرة فلم يحدث عبر تاريخ مصر أن احتلت حكومة ميادين بلادها لتكره الشعب على قبولها ومنحها الرضا الطوعى والشرعية، وفى نفس الوقت قامت الجماعة بإصدار أوامرها للتنظيم الخاص المسلح ليضرب بيد من حديد المعارضين.

على الطرف الأخر كانت حركة تمرد قد جمعت حوالى 22 مليون توقيع يعارضون إستمرار مرسى فى الحكم، وخرجت المظاهرات الهادرة يوم 30 يونيه فى كل شبر من أرض مصر لتضيف إلى قائمة الثورات المصرية ثورة جديدة ، ثورة شعب حماها الجيش.

إقرأ أيضاً|ثورة 30 يونيو| «شرف القضاء».. الإخوان استبعدوا عبد المجيد محمود لتعيين نائب عام «خصوصى»

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة