عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

ليس حبا فى عيون بوتين.. ولكنه الشعور بالغضب والظلم

الأخبار

السبت، 09 يوليه 2022 - 08:51 م

مثلت الحرب الدائرة رحاها بين القوى العظمى فوق الأراضى الأوكرانية فرصة مواتية جدا لإعادة تقييم موضوعى لسياسات القوى الكبرى المؤثرة فى الأوضاع الدولية السائدة، واختبار منسوب مصداقيتها فى تعاطيها مع الأوضاع والتطورات المستجدة.

فهذا السخاء المالى والعسكرى والديبلوماسى الكبير والمكثف الذى تعاملت به الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مع أوكرانيا، يطرح أسئلة حارقة من طرف الرأى العام الدولي.

نيتها القول بأنه لا جدال فى أن الحرب بجميع تجلياتها مرفوضة من طرف جميع شعوب العالم، وأن العنف، مهما تعددت مبرراته هو سلوك منبوذ فى العلاقات الدولية السائدة، لذلك لا نخال أن أحدًا من الأشخاص الذى يتسلح بمنسوب عال من الموضوعية والحيادية يمكنه أن يقتنع بجدوى الحرب الدائرة رحاها بين القوى العظمى فوق الأراضى الأوكرانية، وليس بمقدور أى كان إقناع الرأى العام العالمى بجدوى هذه الحرب التى تسببت لحد اليوم فى تكاليف مادية وبشرية هائلة. وتبعا لكل ذلك فإن العدوان الروسى على أوكرانيا، وما خلفه من دمار وتقتيل لا يمكن أن يكون مقبولا ولا مبررا، لكن ما يحدث موازاة مع هذه الحرب التى ألقت بظلالها على الأوضاع فى مختلف أرجاء العالم، وتسببت فى بداية أزمة غذاء عالمية، يجبر كثيرا من المنشغلين بالأوضاع العالمية والمتابعين لتطوراتها المعقدة والمتشابكة يطرحون رزمة من الأسئلة ترتبط بتعاطى المجتمع الدولى والقوى العظمى مع النزاعات السياسية والمسلحة فى مختلف أنحاء الخريطة العالمية.

الحرب الروسية الأوكرانية ليست المواجهة العسكرية الوحيدة فى العالم، ولن تكون الأخيرة فى مسار المواجهات العنيفة فى الكون، وليست هى الأولى من نوعها، بل هى حلقة من حلقات الاصطدام المسلح بين الدول والتكتلات، وهى نتيجة حتمية وطبيعية لتدبير علاقات دولية متداخلة ومتشابكة من طرف القوى العظمى، التى يحاول كل طرف منها فرض حقائق ومعطيات معينة تخدم مصالحه الاقتصادية بالدرجة الأولى، ثم مخططاته الاستراتيجية المرتبطة بطبيعة الصراع على مناطق النفوذ فى العالم .هى لحظة صدام بين المصالح المتناقضة والمتضاربة فى نظام دولى يستند إلى منطق القوة والعنف. وبالتالى فإنها فى ضوء كل ذلك، مواجهة مباشرة تسبب فيها تنامى حدة المنافسة بين هذه القوى، وقادت طبيعة التطورات المتعلقة بمصالح القوى العظمى أن تشتعل فى نقطة معينة من خريطة العالم.

والواضح أن هذه الحرب مختلفة من حيث طبيعتها وحقيقة أسبابها عن جميع الحروب والنزاعات المسلحة التى عرفها وعاشها العالم خلال الحقبة الأخيرة، إذ لا يمكن مقارنتها إلا بالحربين العالميتين الأولى والثانية.

هذا السخاء غير المسبوق الذى تعاملت به مجموعة من الدول الغربية مع حليفها الناشئ فى أوكرانيا يفرض وضعه فى سياق سلوك هذه الدول إزاء كثير من الحروب والنزاعات المسلحة التى عاشها، ولا يزال يعيشها العالم بهدف قياس مصداقيته، والتحقق مما إذا كان الأمر يتعلق بقناعة مترسخة لدى قادة هذه الدول ترفض الحرب وتنبذ العنف، وأنها ثقافة تكريس السلام فى العالم؟ أم أنها غير ذلك، وأنها فى حقيقتها، وفى جوهرها، ترتبط بمراجع متناقضة ومتباينة تجعل الغرب يبدى سلوكا مختلفا هذه المرة تعطى امتيازا لحرب معينة من بين كثير من الحروب الملتهبة؟

لسنا فى حاجة إلى سرد التفاصيل فى هذا الصدد، ولا داعى للتذكير بالعديد من النزاعات المسلحة المشتعلة فى كثير من أرجاء العمور، لأنها معروفة ومعلومة ولم يبد نفس الغرب العناية والاهتمام والسخاء الذى تعامل به مع الحرب فى أوكرانيا.

والأكيد أن اختلاف المكاييل الذى تعتمده القوى العظمى فى التعاطى مع النزاعات الإقليمية والجهوية والعالمية يخلف تداعيات خطيرةً جدا لدى مختلف شعوب العالم، خصوصا تلك التى استعصى على الإعلام الموجه تخديرها وشحنها بلغة المصلحة العامة.

الواضح أن نفس الغرب الذى يستسهل نزاعات مسلحة فى مواقع أخرى بعيدة من القارة العجوز ومن بلاد العم سام، يتعاطى مع الحرب فى أوكرانيا بمراجع وبخلفيات مختلفة. إن الأمر بالنسبة إليه يرتبط بمحاولة لتغيير البنية الأمنية والاستراتيجية فى أوروبا أولا، وفى العالم ثانيا، ويعتبر أوكرانيا بوابة رئيسية فى هذا التغيير، وأن الحرب هناك تمثل محطة مركزية فى مسار النظام العالمى السائد، واختبارا حقيقيا للأسباب التى مكنت هذا النظام من أن يسود، وبالتالى فهى لن تقبل بتغيير فى هذا النظام بما يرجح مصالح عدو استراتيجي، وينذر بإعادة القطبية الثنائية فى إدارته، وهى التى كانت مطمئنة إلى وأد هذه القطبية بسقوط جدار برلين وتشتت الاتحاد السوفياتي، وهى غير المراجع التى تعتمدها فى سلوكها وردود فعلها تجاه صراعات وحروب أخرى، التى تتفرج عليها، وتباركها، إذا لم تكن هى سببها الرئيسي، أو تزودها لما يكفى من الحطب لتمتد فى الزمن.

هذا التباين فى التعاطى مع النزاعات المسلحة فى العالم هو الذى ينتهى بكثير من الأشخاص والمجموعات فى العالم إلى إبداء التعاطف مع روسيا اليوم، ليس حبا فى بوتين ولا إعجابا وتقديرا لقوة موسكو، بقدر ما يتعلق الأمر بترجمة الشعور بالغضب من تناقض سلوك وسياسات الغرب، ولا يملك هؤلاء غيره للتعبير عن رفضهم لما يعتبرونه ظلما ناتجا عن سلوك انتقائى وانتهازي.

لسنا فى حاجة إلى تقديم الأدلة والحجج على ذلك، فهى كثيرة ومتعددة.

نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة