محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

الرياح العربية.. والسفن الأمريكية

محمد بركات

الثلاثاء، 12 يوليه 2022 - 07:14 م

 الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة والحاجة للبترول العربى، والتوترات الإيرانية والقضية الفلسطينية.. قضايا مطروحة للبحث فى القمة الأمريكية - العربية.

 فى بعض الأحيان تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن،..، هذا هو ما درجنا على قوله على مستوى الأفراد، إذا ما عجزنا عن تنفيذ أمر ما كنا قد عقدنا العزم على القيام به، ولكننا لم نستطع نظرا لتغير الظروف وتبدل الأحوال.

وإذا كان ذلك يحدث على مستوى الأفراد فإنه يحدث أيضا على مستوى الدول صغيرها وكبيرها، حيث من الوارد فى بعض الأحيان أن تضطر إلى تغيير توجهاتها وتعديل اهتماماتها وسياستها، تحت ضغط الظروف والمتغيرات الطارئة أو غير المتوقعة.

وفى هذه الحالة يكون ذلك لافتا للإنتباه ومستوجبا للاهتمام خاصة إذا ما حدث ذلك لدولة كبرى،..، وذلك هو عين ما حدث للولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها «بايدن»، الذى كان قد أعلن وكرر عدة مرات خلال فترة خوضه لانتخابات الرئاسة قبل عامين، أنه لا مكان لديه للاهتمام بالمنطقة العربية والشرق أوسطية وما فيها من قضايا ومشاكل، وأنه يوجه اهتماماته الآن إلى «آسيا» حيث الصين، وما تمثله من تحدٍ للولايات المتحدة فى الصراع الحاد على احتلال مقعد القوة الأكبر فى العالم على المستوى الاقتصادى ثم السياسى.

تراجع واضح

وما أعلنه بايدن لم يتوقف عند ذلك فقط، بل أضاف إليه رؤيته أو انطباعاته غير الإيجابية عن بعض الدول والقادة والأمراء العرب، وذكر أنه ليس واردا لديه الحرص على دعم وتقوية علاقات الود والصداقة معهم.

وكان هذا النهج معلنا وواضحا بقدر كبير من جانب بايدن، بما لا يحتاج إلى توضيح أكثر،..، ولكن الرياح أبت أن تأتى فى الإتجاه الذى يخدم هذه الرؤية وذلك التوجه، بل جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن الأمريكية بالفعل، وهو ما اضطر الرئيس الأمريكى «بايدن» للتراجع مرغما عما كان قد قرره قبل ذلك.
حدث ذلك مرتين.. الأولى عندما اشتعلت المواجهة بين إسرائيل والشعب الفلسطينى فى غزة، ولم تفلح الجهود الأمريكية والوساطة التركية فى وقف القتال وتهدئة الأوضاع، مما اضطر «بايدن» للاتصال عدة مرات بالرئيس السيسى طالبا تدخل مصر لوقف اطلاق النار والتوصل إلى توافق بين الطرفين لوقف القتال،..، وهو ما قامت به مصر بالفعل، وهو ما جعل بايدن يقوم بالاتصال بالرئيس السيسى ليوجه الشكر إلى مصر بصورة رسمية.

أما المرة الثانية فقد كانت بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وما أدت إليه من اشتعال أسعار البترول والغاز، والارتفاع الهائل فى أسعار المواد الغذائية والتصاعد الحاد فى الأزمة الاقتصادية العالمية، واصبحت أمريكا وأوروبا فى حاجة ماسة إلى جهود السعودية ودول الخليج، لزيادة ضخ البترول لتعويض النقص فى البترول والغاز الروسى ولإعادة التوازن فى أسعار البترول فى الأسواق العالمية.

وهنا اضطر «بايدن» للتراجع عما كان قد أعلنه سلفا بخصوص عدم الاهتمام بالشرق الأوسط والمنطقة العربية،..، وأصبحت المنطقة فى قلب اهتماماته على عكس ما كان مقرراً سلفا،..، وأعلن البيت الأبيض أن هناك اتصالات جرت وتجرى مع دول المنطقة من أجل عقد اجتماع قمة بين «بايدن» والقادة العرب فى مدينة جدة بالمملكة، وأن الاجتماع سيضم قادة السعودية ودول الخليج ومصر والأردن والعراق يوم ١٦ يوليو الحالى.

الحرب ودورها

وإذا ما تحدثنا بشفافية عن هذه الزيارة القادمة لمنطقتنا خلال اليومين القادمين، من جانب الرئيس «بايدن»، الذى هو رئيس الدولة التى مازالت الأكبر والأقوى فى العالم حتى هذه الأيام طبقا للمقاييس الجارى العمل بها، والتى استمرت فى احتلالها لمقعد القيادة فى النظام الدولى طوال الأعوام الماضية، منذ نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضى وحتى الآن، بعد أن انسحب البساط من تحت أقدام الأمبراطورية البريطانية فى عقاب الحرب العالمية الثانية.

وهو المقعد الذى يرى البعض استمرار أمريكا فى الاستحواذ عليه باعتبارها القوة الأعظم فى العالم إلى حين، وهذا الحين يراه البعض بكم ليس بالقليل من السنوات، بينما يراه البعض الآخر بعدد ليس بالكثير من السنوات،..، وكلا الاثنين سواء الذين يرون استمرار السيطرة والنفوذ الأمريكى فى قيادة النظام الدولى لمدة ليست بالقليلة خلال السنوات القادمة، أو الذين يرون أن استمرارية هذه السيادة والسيطرة على وشك الانحسار بعد وقت ليس ببعيد، كلاهما يتفقان على أن أحد العوامل الرئيسية التى سيكون لها دور كبير وتأثير عظيم، فى تلك الاستمرارية أو ذلك الانحسار، هو النتائج التى ستسفر عنها الحرب المشتعلة الآن فى أوروبا على الأراضى الأوكرانية، ويؤكدون أن الصراع المحتدم بين روسيا فى جانب وأمريكا وحلف الناتو فى جانب آخر على الأراضى الأوكرانية، سيكون له التأثير الحاسم على مستقبل وحال النظام الدولى، وما إذا كان سيستمر كما هو عليه الآن كنظام أحادى القطبية، أم أنه سيتغير، ولكن على أى صورة سيكون هذا التغيير.

الانتصار والهزيمة

ويرى هؤلاء وأولئك أن انتهاء الحرب بهزيمة روسيا وانتصار الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، سيكون بمثابة شهادة صلاحية لاستمرار أمريكا متربعة على قمة النظام الدولى، وشهادة إعلان وتأكيد لقدرتها على القيام بذلك، والبقاء لسنوات قادمة كقوة أعظم وحيدة للعالم، بعد نجاحها فى إزاحة روسيا عن المنافسة على ذلك المقعد، وتحولها إلى قوة إقليمية كبيرة وذات تأثير فى محيطها الجيوسياسى فقط لا غير.

أما إذا انتهى الأمر إلى عكس ذلك، وانتصرت روسيا فى الحرب، بمعنى أنها حققت الأهداف التى سبق أن أعلنتها قبل بدء القتال، وكررتها لحظة دخول قواتها إلى أوكرانيا فى نهاية فبراير الماضى، فإن ذلك سيكون له حسابات أخرى ونتائج مختلفة، يصعب تحديدها وحصرها الآن، نظرا لكونها تعتمد فى أساسها على مدى قدرة روسيا على الصمود، فى مواجهة الحصار الاقتصادى والسياسى الشديد وغير المسبوق المفروض عليها من جانب أمريكا وأوروبا، كما تعتمد أيضا على قدر نجاحها فى الإفلات من الاستنزاف العسكرى الذى تتعرض له قواتها على الأراضى الأوكرانية، فى مواجهة الدعم العسكرى والمادى واللوجيستى غير المحدود، الذى تحصل عليه القوات الأوكرانية حاليا من أمريكا والدول الأوروبية.

ولكن فى كل الأحوال إذا لم تخرج روسيا منهزمة فى هذا الصراع الدائر حاليا، فإن ذلك سيكون بمثابة إعلان واضح عن بداية النهاية للنظام الدولى وحيد القطبية القائم حاليا، وسيكون إيذانا بفتح الباب أمام نظام دولى جديد.

ويرى هؤلاء وأولئك وغيرهم أن الحرب الأوكرانية الروسية، لم تعد مجرد نزاع على قطعة أرض أوكرانية تريد روسيا ضمها إليها، فى إطار ما ترى أنه حقها التاريخى، أى أنها تريد ضم منطقة «الدونباس»، التى تضم «لوجانسك» و»دونيتسك» إلى الأراضى الروسية كما ضمت قبل ذلك فى عام ٢٠١٤ منطقة «شبه جزيرة القرم»،..، ولكنها أصبحت الآن حرب إرادات وصراعا شاملا ومحتدماً، بين الديناصور الأمريكى الغربى الذى يضم أمريكا وأوروبا الغربية أعضاء حلف الناتو، بكل ما يمثله من قوة اقتصادية وعسكرية فى جانب، فى مواجهة الديناصور الروسى بكل قوته الاقتصادية والعسكرية على الجانب الآخر.

ويرون أن ذلك التغير حول الهدف الأمريكى والغربى، من محاولة إفشال الغزو الروسى لأوكرانيا، إلى السعى لهزيمة كاملة وقاسية لروسيا بحيث تصبح ضعيفة بالقدر اللازم لخروجها وإزاحتها عن الصراع حول مركز القيادة والسيطرة فى النظام الدولى الجديد.
>>>

موضوعات مهمة

والآن إذا ما عدنا إلى الزيارة القادمة لبايدن للمنطقة واجتماع القمة المقرر فى جدة، بين الرئيس الأمريكى وقادة وزعماء المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر والأردن والعراق، فمن الضرورى أن نشير إلى الأهمية الكبيرة والمتوقعة لهذا الاجتماع وتلك الزيارة، فى ظل حالة القلق والاضطراب السائدة فى العالم والمنطقة، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية التى شملت العالم كله وأزمة الطاقة والارتفاع الهائل فى أسعار البترول والغاز، وحالة الركود التى باتت تهدد الجميع وكل الدول، هذا بالإضافة إلى التوترات القائمة فى المنطقة بسبب إيران ودعمها للحوثيين والجماعات المتطرفة، وبسبب أيضا إسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطينى ورفضها المستمر للاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على الأراضى المحتلة فى عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس العربية.

لذا فإن من المتوقع أن تكون هناك عدة قضايا رئيسية موضع البحث فى هذه القمة فى مقدمتها المطالب الأمريكية بزيادة حجم الإنتاج السعودى الخليجى من البترول والغاز، والتوافق حول صيغة لمواجهة التهديد الإيرانى، والمطالب العربية بضرورة الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى على أساس حل الدولتين.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة