الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي | مفاخر الجاهلية

الأخبار

الخميس، 21 يوليه 2022 - 07:21 م

تنشر جريدة "الأخبار" في عددها الصادر غدا خواطر الإمام الشعراوي حول الآية 200 من سورة البقرة: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ).

بقوله: ونعرف أن (قضى) تأتى بمعان متعددة، والعمدة فى هذه المعانى فصل الأمر بالحكمة، قد يُفصل الأمر بحكمة لأنه فرغ منه أداء (فَإِذَا قَضَيْتُمْ)، أى إذا فرغتم من مناسككم، هذه واحدة. وقد يكون لأنك فصلت الأمر بخبر يقين مثل قوله الحق: (وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ) «الإسراء: 23».

وقد يكون (قضى) بمعنى حكم حكماً لازماً كما تقول: قضى القاضي. إذن فكلها تدور حول معنى: فصل بحكمة. (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فاذكروا الله). أى إذا فرغتم من مناسككم، والمناسك هى الأماكن لعبادة ما، فعرفات مكان للموقف، و(مزدلفة) مكان للمشعر الحرام يبيت فيه الحجاج. و(منى) منسك للمبيت أيضاً، إذن كل مكان فيه عبادة يُسمى (منسكاً).

وقوله سبحانه: (فاذكروا الله)، أى فلا يزال ذكر الله دائماً وارداً فى الآيات، كأنك حين توفق إلى أداء شيء إياك أن تغتر، بل اذكر ربك الذى شرع لك ثم وفقك وأعانك. وكأن الحق يريد أن يضع نهاية لما تعودت عليه العرب فى ذلك الزمان فقديماً كانوا يحجون، فإذا ما اجتمعت القبائل فى منى، كانت كل قبيلة تقف بشاعرها أو بخطيبها ليعدد مآثره ومآثر آبائه، وما كان لهم من مفاخر فى الجاهلية ويحملون الديات، ويحملون الحمالات، ويطعمون الطعام، ويفعلون غير ذلك من العادات، فأراد الله سبحانه وتعالى أن ينهى فيهم هذه العادة التى هى التفاخر بالآباء وبأعمالهم فقال: (فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ).

إقرأ أيضًا

خواطر الإمام الشعراوي| لباس التقوى

والذكر معناه توجيه الفكر إلى شيء غير موجود ساعة تأتى به، ولا يمكن أن يذكر الإنسان من أحداث الماضى إلا الحدث الذى له الأثر النافع فيه، وعلى مقدار الأثر النافع يكون الذكر.

وكانوا قديماً يطعمون الطعام، والذى يطعم الطعام يؤدى مهمة فى مثل هذه البلاد البُدائية أى البدوية وكان من المبالغة فى الجفنات أن بعضهم كالمطعم بن عدى مثلاً كانت له جفنة يحكى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستظل بها ساعة الهجير. والجفنة هى الوعاء الذى يوضع فيه الطعام، فتأمل الجفنة كيف تكون؟!

ويحملون الحمالات، بمعنى أنه إذا قامت قبيلة على قبيلة وقتلت منها خلقاً كثيراً يتطوع منهم ذو الحسب وذو المروءة وذو الشهامة وذو النجدة فيحمل كل هذه الآثار فى ماله. والديات هى التى يتطوع بدفعها أهل الشهامة منهم إذا ما قتل قاتل قتيلاً، ولا يقدر على أن يعطى ديته، وكانت كل تلك الأعمال هى المفاخر.

أراد الحق سبحانه وتعالى أن يردهم فى كل شيء إلى ذاته، فقال لهم: أنتم تذكرون آباءكم؛ لأنهم كانوا يفعلون كذا وكذا، وآباؤكم يفتخرون بآبائهم، انقلوها وسلسلوها إلى خالق كل الآباء وكل البشر، فكل ما يجرى من خير على يد الآباء مرده إلى الله، فإن ذكرتم آباءكم لما قدموه من خير، فاذكروا من أمدهم بذلك الخير.

وهو يريد منهم أن يذكروا الله كذكرهم آباءهم؛ أو أشد ذكرا؛ لأن كل كائن إنما يستحق من الذكر على مقدار ما قدم من الخير، ولن تجد كل الخير إلا لله، إذن لابد أن نذكر الله.

وأيضاً فإن الإسلام أراد أن ينهى التفاخر بالآباء ليجعل الفخر ذاتيا فى نفس المؤمن، أى فخراً من عمل جليل نابع وحاصل من الشخص نفسه؛ ولذلك يقولون فى أمثال هؤلاء الذين يفخرون بأسلافهم إنهم: (عظاميون) أى منسوبون إلى مجد صنعه من صاروا عظاما تضمها القبور، والله يريدنا أن نكون ذاتيين فى مفاخرنا، أى أن نفخر بما نفعل نحن، لا بما فعل آباؤنا، فالآباء أفضوا إلى ما قدموا، ويريد الله أن يأخذ الإنسان ذاتية إيمانية تكليفية.

ومن يريد أن يفتخر فليفتخر بنفسه، ولذلك يقول الشاعر:
ولا تكونوا عظاميين مفخرة
ماضيهم عامر فى حاضر خرب
لا ينفع الحسب الموروث من قدم
إلا ذوى همة غاروا على الحسب
والعود من مثمر إن لم يلد ثمراً
عَدّوه مهما سَمَا أصلاً من الحطب
فالنبات الذى ليس له ثمرة، يعتبره الناس مجرد حطب، ويريد الحق أن ينبه فى المؤمن ذاتية تفعل، وليس ذاتية تفتخر بأنه كان وكان، بل على كل إنسان أن يقدم ما يفتخر به:
ليس الفتى من يقول كان أبى
إن الفتى من يقول هأنذا.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة