يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

أيام المَصّيف الأخيرة 

أخبار اليوم

الجمعة، 22 يوليه 2022 - 07:06 م

ولَم يعد من أيام المَصيف وحكاياته البسيطة الجميلة إلا صور قديمة فقدت جزءا من زواياها لكنها لم تفقد ذكرياتها البعيدة بكل بهجتها وتفاصيلها الحلوة. مواسم صيف كلما أتت تمضى متسرعة كما عادة الأيام الآن..

ونحاول ضاحكين فى حَسرة أن نستدعى بعضا من أيامنا هناك، حيث المَصيف بحر ولَمة وصخب وسهر وطاولة وانهماك تام فى الطعام والضحك بلا عدد والتهام البطيخ وتعليقة الهدوم على مسمار شمسية شارك الجميع فى تثبيتها بقوة فى عمق الرملة، وشرائط تحمل من كل مطرب أغنية، من عبد الحليم حافظ حتى حميد الشاعرى.

كانت الإسكندرية ورأس البر وبورسعيد تتشابه فى صباحات المَصيف، لأننا كنّا متشابهين فى تفاصيله وطقوسه ومشاوير البحر والعشش والكباين، الضحكة واحدة، وكم الانبساط يكفى ويفيض. وقانون البساطة المفرطة هو السائد.

صور البحر، حفاة ومايوه وشِلة وضحكة مشتركة تشهد أننا كنّا نمتلك اختراعا يغسل الروح اسمه المَصيف، بألعابه ولَمته وهَرجه وصوت البحر أينما كنت فى الشاطبى أو ستانلى أو سيدى بشر والمندرة والمعمورة.. يُسعد الروح.

حتى تلك الأُبهة والخصوصية البسيطة التى كانت من ملامح شاطئ عايدة الجميل فى المُنتزه.. لم تَكُن غريبة لأن البحر نفسه والمَصيف واحد.

حتى عندما انتقلنا بمَصيفنا وأيامنا وحكاياتنا إلى بيانكى العجمى والبيطاش والأزقة الضيقة التى تحمل كل وَهج المتعة الصيفية ومتناقضاتها.. أخذنا المَصيف معنا بسيط ومبهج ومُضحك وساحر ولذيذ وطازج.

كَبرنا، كَبر جيل المَصايف الذى كان يصنع ويخترع كل يوم حكايات.. أم تَغيرت الدنيا والمَصايف ؟ هل فقدنا حتى اللمة وشريط الأغنيات التى كُنا نُسجل عليها أيامنا ونحتفظ بذكريات؟ أم ظَهر جيل يكره التفاصيل ولا يرغب فى تدوين ذكريات، لا ينقش إسمه على شجرة ولا له طاقة فى حَمل كرسى وشمسية وبناء بيوت من الرمل حتى غروب الشمس؟ 

المَصيف رغم كونه إجازة قصيرة من هموم الحياة.. إلا أن تغيير طريقة قضاء إجازة المَصيف بهذه الصورة الباهتة فى كم سنة قليلة وتحول المَصيف إلى نمط للاستهلاك الكثير والمباهاة المنهكة دون استمتاع حقيقى بالخروج من صندوق الزحمة إلى صندوق الطبيعة حيث البحر والشمس والهواء والبساطة، هو أمر مغرٍ بالمناقشة لنفهم ماذا حدث لأشياء ومفاهيم كثيرة فى حياتنا..

أسقطنا الهدف الأساسى والأسمى لها واكتفينا بالظاهر والظواهر، كما يجب أن نفهم أين ذهب إحساسنا الحقيقى بالسعادة فى أشياء كثيرة حتى المَصيف؟ ولماذا أصبحنا نكتفى بالقليل من السعادة الحقيقية أو التظاهر بأننا سعداء مع أننا مُرهقون دونها؟

أين تبخرت حكاياتنا المفرحة فى فسحة المصيف؟ لماذا لم نعد نمتلك ذكريات حقيقية وصورا سعيدة بعدها ؟ من نفخ حبة الرمل من أقدامنا التى كانت تكفى لنحب بها كل حياتنا واستبدلها بموضات بلا روح وصراع بلا معنى؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة