لوحة محمود سعيد خلال عرضها فى المزاد
لوحة محمود سعيد خلال عرضها فى المزاد


أرباحه تفوق الذهب l سوق الفن المصري.. استثمارات بالملايين.. تفاصيل

آخر ساعة

الأحد، 24 يوليه 2022 - 04:05 م

رشيد غمرى

رغم أن عمر الفن المصرى الحديث لا يزيد على قرن واحد، فإن قيمته فى بورصات الفن العالمى تضاعفت بسرعة فاقت التوقعات، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ألقى بظلاله على سوق الأعمال الفنية فى الداخل، وعزز اقتناء اللوحات الفنية كأحد طرق الاستثمار المضمونة، والذى يدر أرباحا تفوق قيمة الذهب أحيانا.

من وقت إلى آخر تُنشر أخبار عن بيع لوحات فنانين مصريين فى مزادات عالمية بأسعار تصل إلى ملايين الدولارات، ما يثير الدهشة لدى قطاعات واسعة، تعتبر الفنون التشكيلية من الكماليات، غير أن هذه الصفقات ليست سوى الجزء الظاهر من سوق كبيرة، تضم عشرات من قاعات العرض والوكلاء الفنيين، وشركات التسويق، والسماسرة

يحيط كبار المقتنين المصريين أنفسهم بالتكتم على الأغلب، ولا يظهر على السطح سوى رجال أعمال مشهورين، لكنهم ليسوا بالضرورة حائزى العدد الأكبر من المقتنيات المهمة، أغلب المقتنين المهمين أثرياء، لا يحبذون الظهور العام على الإطلاق، ويتهربون من الإعلام، لكن بعضهم يصل ولعه بالفن إلى حد امتلاك مئات اللوحات، لعدد من أهم رواد الحركة التشكيلية المصرية، مع أعمال فنانين أجانب، ومن يعرف هؤلاء المقتنين ويتواصل معهم، هم مجموعة من أصحاب قاعات العرض، والسماسرة، ممن يوفرون لهم ما يحتاجون إليه، وعادة ما تجرى الصفقات فى هدوء، وبعيدا عن أعين الصحافة، تجنبا لتداول الأسعار بطرق قد تستفز الجمهور، وأيضا لتجنب المشكلات التى تفتعل أحيانا بسبب المنافسة، ومثال ذلك ما حدث قبل عقد ونصف عندما أثيرت اتهامات بزيف بعض المقتنيات، ما أحدث بلبلة حول قيمة الأعمال، وهو ما يمكن أن يسبب خسائر فادحة لأصحاب اللوحات. 

منافسة قوية

ورغم الغموض الذى يحيط السوق برمتها، إلا أن تزايد عدد قاعات العرض باطراد، يعطينا لمحة عن حجمها وطبيعتها، وضمن القاعات الجديدة التى تفتتح كل يوم، قامت بعض القاعات القديمة والمهمة فى القاهرة بافتتاح امتدادات لها فى الجوار، أو وسط التجمعات الراقية الجديدة فى 6 أكتوبر والشيخ زايد والتجمع الخامس، ووصولا إلى الساحل الشمالى، وأغلب استخدام تلك الامتدادات لعرض أعمال الشباب، أو ما يعتبر مغامرات فنية، بحيث تبقى القاعات الأساسية محتفظة برصانتها، ومكانتها المكتسبة من خلال عرض أعمال الرواد وكبار الفنانين المكرسين، والذين تقوم بعض القاعات باحتكار مجموعات منهم فى منافسة محمومة، كما ظهرت مؤخرا كيانات لتسويق الأعمال فى الخارج والداخل، بعضها لا يمتلك قاعات عرض، ولكن يعملون على إقامة فعاليات فنية ذات طابع دولى، وهى نشاطات جديدة على مستوى سوق الفن.

حتى الثمانينيات كان سوق الفن فى مصر محصورا داخل طبقة مثقفة، وكانت أسعار الأعمال الفنية فى متناول المتذوقين، حيث لم تزد عن عشرات الجنيهات فى الخمسينيات، وبالكاد وصلت إلى خانة المئات فى السبعينيات، لكن وفاة آخر فنانى الجيل الأول من الرواد وهو راغب عياد عام 82، كانت بمثابة تنبيه، تصادف معه وجود شخصيات خليجية محبة للفن وعلى استعداد لشراء أعداد كبيرة من لوحات الرواد، وهو ما أدى وقتها إلى خروج مئات من الأعمال المهمة، والتى بيعت لاحقا بملايين الدولارات. 

القفزة الكبيرة فى أسعار اللوحات المصرية حدثت مع مطلع الألفية، حيث وصلت أسعار لوحات تم اقتناؤها فى الستينيات بعشرات الجنيهات إلى الملايين، ما يعنى أنها تضاعفت قرابة مائة ألف مرة خلال نصف قرن، وكان العامل الحاسم فى ذلك وصول الأعمال إلى المزادات العالمية سواء فى صالات لندن، أو فروعها فى الخليج. 

أغلى لوحة

حققت لوحة االشادوفب لمحمود سعيد خلال مزاد اكريستيزب فى دبى عام 2010 مبلغ 2.4 مليون دولار، وهو أكثر من عشرة أضعاف ما كان مقدرا لها عند بداية المزاد. ثم بيعت بعدها لوحة االدراويشب للفنان نفسه بأكثر من 2.5 مليون دولار محققة رقما قياسيا جديدا، وبخلاف محمود سعيد تخطت لوحات تحضيرية لعبدالهادى الجزار حاجز المليون دولار. وكان رجل الأعمال نجيب ساويرس هو أول من أوصل لوحة للجزار إلى مليون جنيه عندما اقتنى االمجنون الأخضرب مطلع الألفية، وما زال يحتفظ على الأقل بعشر لوحات للجزار، لا تقل أى منها عن مليونى دولار الآن، استنادا لما حققته لوحات تحضيرية للفنان نفسه فى عدة مزادات مؤخرا، وهو ما يعنى أن اللوحات تضاعفت قيمتها أربعين مرة على الأقل منذ شرائها، وأعمال الجزار بالذات مرشحة لزيادات فلكية، لخصوصيتها وقلة عدد المتاح منها. 

لوحات مصرية عديدة جرى تداولها خلال السنوات الأخيرة بأسعار كبيرة، ومعظمها لم يكن بحوزة مصريين، ومنها اليلة الحنةب للفنان حامد ندا، وحققت عام 2010 أكثر من 600 ألف دولار. وفى عام 2014 بيعت لوحة احفر قناة السويسب لعبد الهادى الجزار بأكثر من مليون دولار. وفى عام 2015 بيعت لوحة تحية حليم افرحة النوبةب بمبلغ 749 ألف دولار. وفى عام 2016 بيعت لوحة االعبورب لحامد عويس بمبلغ 605 آلاف دولار. وحقق تمثال تحضيرى لسعد زغلول، طوله 39سم بعد عرضه فى مزاد اسوثبىب دبى 2017 أكثر من 212 ألف دولار. وبيعت لوحتان للفنان حسين بيكار بأكثر من عشرين ألف دولار لكل منهما. وفى المزاد نفسه بيعت لوحة السيرك للفنان أدهم وانلى بأكثر من 23 ألف دولار. أما لوحة افى مواجهة الحائطب للفنان رمسيس يونان فبيعت مؤخرا بمبلغ 387 ألف دولار. وبيع تمثال مصر والسودان للفنان محمود موسى بمبلغ 75 ألف جنيه استرلينى، وبورتريه شخصى لحسين بيكار بمبلغ 161 ألف جنيه استرليني. وتنافست قاعات اكريستيزب واسوثبيب فى لندن والخليج على بيع عشرات اللوحات لمصريين من أجيال مختلفة خلال السنوات الأخيرة، وشملت القائمة أسماء فنانين معاصرين، وبعض الشباب.

كبار الهواة

وارتبطت أهم الصفقات التى جرت خلال السنوات الأخيرة بلوحات امتلكها مقتنون خليجيون، وأهمهم الراحل محمد سعيد فارسى الأمين العام السابق لمدينة جدة. وكان واحدا من أوائل من اهتموا باقتناء الأعمال المصرية، ومنها لوحة االدراويشب التى حققت الرقم القياسى للفن المصرى، وكذلك لوحة االشادوفب، وغيرها العشرات، حتى أن مجموعة منها حققت 24 مليون دولار فى مزاد واحد نظمته قاعة اكريستيزب فى دبى.

ويعتبر رجل الأعمال السعودى حسام شبوكشى، أحد أهم المقتنين للوحات المصرية حاليا، وكذلك الشيخ حسن آل ثان فى قطر، كما دخل رجل الأعمال السعودى الشيخ طلال الزاهد، بقوة إلى سوق الفن التشكيلى المصرى، منذ أكثر من خمس سنوات، ويمتلك ثلاث قاعات عرض فى المهندسين والزمالك، كما اقتنى أكثر من 2000 عمل فنى مصرى لفنانين من أجيال مختلفة، تزين قصره فى مدينة جدة. 

وبالطبع لم ترتفع أعمال جميع الفنانين بالوتيرة نفسها، لكن عموما، حقق الفن المصرى قفزات هائلة خلال العقدين الأخيرين، وانعكس الأمر على ظهور نوع من القاعات الحديثة، والتى تخصص بعضها فى تسويق أعمال شباب الفنانين، وتتراوح أثمان لوحاتهم بين عشرة إلى 25 ألف جنيه للوحة من الحجم المتوسط أو الكبير، وبعضها يقوم بعرض اللوحات ضمن معارض جماعية فى هناجر ضخمة فى المدن الجديدة، بحيث تملأ الحوائط من الأرض، وحتى أسقفها العالية بأسلوب عرض تجارى أقرب منه كفنى، ويقوم المقتنون الجدد بالبحث وسط مئات الأعمال المتزاحمة على الجدران عن عمل تناسب ألوانه لون الحائط فى الشقة الجديدة أو الشاليه، وتسهيلا للأمر، تضع بعض القاعات كودا بألون الحوائط والستائر التى تناسب اللوحة، كما وصلت قاعات عرض الفنون التشكيلية مؤخرا إلى المولات التجارية. 

ومؤخرا تجرى محاولات لفتح أسواق جديدة للفن من خلال شراكة شركات تسويق ناشئة مع شركات تنمية عقارية، فى محاولة لتقريب الفنون التشكيلية من مقتنى الوحدات خصوصا فى الشواطئ. وهى رغم طابعها التجارى، لكن يمكن أن تدفع قدما بالعملية الفنية ودعم الفنانين.

تأجير اللوحات

كذلك اتخذت الحالة التجارية لدى بعض القاعات شكل االتأجيرب للوحات الفنية. فبعد انتهاء المعرض تحتفظ القاعة بالأعمال لمدد تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة، بحجة إعادة عرضها للبيع، وفى هذه الأثناء يتم إيجارها. أما الزبائن فهم أصحاب فيلات اصطياف، يحبون أن يزينوا منتجعاتهم بلوحات متجددة كل موسم دفعا للملل، أو شركات الإنتاج السنيمائى والتلفزيونى، حيث تعامل اللوحات ضمن اأكسسواراتب الأعمال الفنية. وأحيانا يتم إيجار أعمال الفنانين، دون علمهم. 

لكن ما يدعو للتفاؤل هو وجود مجموعات من المقتنين الجادين الذين يسعون لامتلاك أعمال تتميز بالقيمة الفنية، كما أن بعض البنوك المصرية دخلت المجال منذ سنوات، وتمتلك ثروة من الأعمال، واثقة من أن قيمتها تتضاعف أسرع من الذهب، وبعضهم يقيم من وقت إلى آخر معارض وفعاليات فنية، ومنها البنك الأهلى المصرى وبنك مصر، والتعمير والإسكان. 

وفقا لدراسة قام بها الخبير الاقتصادى الإنجليزى كلارمارك أندرو، فإن حجم التعاملات فى سوق الأعمال الفنية فى العالم بلغ عام 2011 أكثر من 60 مليار دولار، منها حوالى ستة مليارات لدارى اسوثبىب واكريستيزب فى لندن، وتجاوزت السوق فى المملكة المتحدة ثمانية مليارات دولار ذلك العام خالقة 60 ألف فرصة عمل، بالإضافة لتسديد 911 ألف جنيه استرلينى كضرائب للدولة عن صالات العرض.

والمقارنة بين أغلى لوحة مصريةب الدراويشب 2.5 مليون دولار، وقرينتها العالمية اسلفاتور مندىب 450 مليون دولار، هى 1: 180، لكن المقارنة تبدو ظالمة بين لوحة لم تبلغ مائة عام، مع أخرى ترجع إلى عصر النهضة. ومع ذلك فإن وتيرة تزايد الاعتراف بالفن المصرى عالميا تشجع على مزيد من الاهتمام بقطاع مربح، وهو من الناحية التاريخية كان أكثر المجالات التى تميز فيها المصريون عبر تاريخهم القديم.

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة