عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

«الحكيم» سخيًا!

عمرو الديب

الأحد، 24 يوليه 2022 - 09:12 م

مدين له بكل تأكيد بتلك الأمسيات البعيدة الممتعة التى كنت أختلى فيها بنفسى مشدوها بتحليقه فى آفاق الكلمة، وأفلاك الأفكار الخلابة ذات الارتفاعات الشاهقة، كنت فى الليالى الصيفية الحارة أتسلق صروح أعماله الفكرية والإبداعية، وأحلق على أجنحة خياله العجيب، لأعيش سويعات فى قلب عوالم شيقة: فمن بلاط شهريار المؤرق فى رائعته «شهرزاد» إلى عمق الكهف المروع، وأصحابه الرقود فى فريدته «أهل الكهف»، ومن أجواء القاهرة فى بدايات القرن الماضى المنسابة بين طيات روايته الخالدة «عودة الروح»، إلى غوصه فى أحشاء الريف المصرى فى عهود ماقبل ثورة يوليو من خلاله بصمته الفذة «يوميات نائب فى الأرياف»، وتمضى بى فى تلك الأمسيات الصيفية السعيدة، رحلتى مع بصمات أديبنا الفذ الراحل توفيق الحكيم الذى أدين له بالكثير كإسهامات فى تكويني، وتأثر بروائعه الخالدة، وعلامات ارتسمت على المخيلة والوجدان، بدا الحكيم فى تلك الأثناء رفيقًا ممتعًا وصاحبًا وفيًا، فمع عمق عالمه إلا أنه يصطحبك على متن قاربه، ويتهادى بك فوق المياه الصافية، ويتوغل بك فى أدغال الرحلة دون أن تشعر بغربة، فلغته سلسة جميلة لاتصدمك بالتقعر، فهى بسيطة على فصاحتها، تغوص فى أغوار المعانى دونما صخب، وعلى متن الإمتاع يرحل بك الحكيم -الذى تحل ذكرى وفاته غدًا- محطات أكثر الأفكار تعقيدًا فى سلاسة عجيبة، مثلما فعل فى ثنائية الإنسان والزمن عبر رائعته «أهل الكهف»، ثم خلود الخير وحتمية بقائه فى ملحمة «إيزيس» الباهرة، وفى أثره الخلاب «محمد» يحاول «الحكيم» أن يقترب من المعانى الشاهقة التى تجسدت فى شخصية الرسول البشر النبى الكريم محمد العظيم - صلى الله عليه وسلم- وكيف كانت حياته على بساطتها انتصارًا للرقى والتحضر والقيم النبيلة، والأخلاق الرفيعة بعيدًا عن المرتزقة من المتطرفين وتجار الدين، وقد مضت أمسيات عمرى التى لا تنسى فى كنف فكر الحكيم وخياله وعلى ضفاف أعماله حتى التهمت كل آثاره ورغم مرور كل هذه السنوات على رحيله إلا أن توفيق الحكيم ككثير من أفذاذنا المفكرين والمبدعين لايزال ساطعًا مشعًا قادرًا على إثارة دهشتنا، ولاتزال بصماته الخالدة وأفكاره العميقة ملهمة للأجيال، وإذا كان «الحكيم» قد أُشيع عنه بخله فى المال فإنه كان سخيًا- دون شك - فى عطائه وأدبه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة