عبدالرحيم كمال
عبدالرحيم كمال


يوميات الأخبار

الطاقة الإيجابية

الأخبار

السبت، 06 أغسطس 2022 - 08:02 م

انتقاء الكلام الحسن والابتسام فى وجه الناس يكون كفيلا فى أول اليوم  بزرع الأمل والاستبشار

يحتاج الإنسان بشكل عام إلى الطاقة الإيجابية ليستطيع أن يكمل حياته بهمة ونشاط وإبداع إن أمكن، ويحتاج المصرى خاصة لتك الطاقة لما يحيط به من عوامل كثيرة أسوأها محاولة البعض التلذذ بتصدير الطاقة السلبية وتكسير المجاديف، قد يبدو مصطلح الطاقة الإيجابية مصطلحا غربيا مترجما ولكنه فى الحقيقة مصطلح قديم فى معناه وموجود لدينا فى صيغ أخرى قد يكون أدق ترجمة عربية له هو (علو الهمة)، فالهمة العالية هى الطاقة الإيجابية الدافعة لصنع المستحيل، صحيح أن العالم يمر بظروف صعبة والكلام عن الطاقة الإيجابية يبدو ضربا من ضروب التزيد والرفاهية. ولكن على العكس من ذلك ستظل الطاقة الإيجابية ضرورة ملحة يزداد إلحاحها كلما زادت الأمور صعوبة.

وللطاقة الإيجابية طرق ودروب وآليات علينا أن نبذل قصارى الجهد للوصول إليها لنحافظ على همتنا فى ذلك العالم الذى أصابه الجنون وضربت سكونه السوشيال ميديا فى مقتل، قلت الأفعال الإيجابية وزادت الأوهام، قل الجهد البدنى المبذول وزاد الكلام السلبى القائم على الردح والمكايدة، وإذا كان الذهب والبترول والمعادن من كنوز الأرض فإن الطاقة الإيجابية من كنوز الإنسان المؤتمن على تلك الأرض.

وتكمن الطاقة الإيجابية فى مصادر معروفة ومحددة ومن يبحث عنها فى مصادر خاطئة كان كمن يستخرج الطاقة السلبية بكل ما يملك، الطاقة الإيجابية طاقة قادرة على دفع  ملايين البشر نحو الخير والبناء.

الإيمان مدخل عظيم من مداخل الطاقة الإيجابية، إيمانك العميق بوجود إله حكيم قادر عادل لطيف وجبار فى آن واحد، يجعلك تستمد من إيمانك بوجوده طاقة كبرى تحيل كل حزن إلى رجاء فى الله وتحيل كل كسل إلى عمل مخلص يرضيه وتحيل كل فقد للهمة إلى استعاذة من وسوسة الشيطان وتوسل بقدرة الخالق، فتقوم وتعمل ولا تركن أبدا إلى الإحباط والكسل والشرود (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب).

النظافة أيضا هى مفتاح من مفاتيح الطاقة، فلا تلتقى بأحد فى مكان العمل إلا وأنت فى غاية النظافة الشخصية نظيفا متعطرا وفى أنظف وأبهى ملابسك، ذلك سيساعد على نشر روح من الطاقة الإيجابية يفقدها المواطن المهمل للأسف فى زحام المواصلات العامة حين تختلط الروائح السيئة فتغيب الطاقة عن الجميع، فعليه أن يكون نظيفا طيب الرائحة ذلك سيجعله ليس فقط صاحب طاقة إيجابية ولكنه أيضا مصدرا من مصادرها لغيره والأمر لا يقتصر على أماكن العمل فقط بالتأكيد بل البيوت أولى وأولى.

وليس لزوجتك وأولادك إلا أن يروك فى أحسن حال نظيفا معطرا متزينا وبذلك تشيع حالة عامة داخل البيت من الطاقة الإيجابية والنظافة لا تحتاج إلى الغنى والمال، انتقاء الكلام الحسن والابتسام فى وجه الناس يكون كفيلا فى أول اليوم  بزرع الأمل والاستبشار وفى أوسطه بزيادة الهمة وفى آخره بترك الأثر الطيب، ويصف الرسول الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- صاحب جوامع الكلم التبسم فى وجه أخيك بأنه صدقة، فى دمج عجيب يحول الابتسامة إلى قيمة والصدقة هنا تجعل المتصدق عليه أو الشخص الذى تبسمت له فى طاقة ايجابية وحالة أفضل.

كذلك حسن الظن، فافتراضك للأحسن وتوقعك للخير يجعل ذلك التوقع طاقة حقيقية حية تخرج منك إلى الوجود ولا تعود إليك إلا بالخير وبما هو حسن. 
وتخيل معى تلك الجموع الطيبة التى تخرج كل صباح من أجل البحث عن الرزق فى نية من أشرف النوايا وهى نظيفة معطرة مبتسمة حسنة الظن، إنه موكب عظيم من الطاقة الإيجابية لا يمر ذلك الموكب بمخلوق إلا وزاده توهجا وهمة. الطاقة الإيجابية تكمن أيضا  فى قبولك للآخر فالإنسان ليس فقط كما يبدو جسدا يتحرك على الأرض، لكنه كائن (مادي/روحاني) يشعر ويستشعر الكثير من الأشياء بطرق أخرى غير الحواس الخمسة المعتادة، فيشعر بهالة القبول التى تحيط بالشخص الذى يلتقى به أو هالة الرفض والطرد، فإذا كانت حالتك هى حالة القبول التام للآخر الذى تلتقى به أيا كان ذلك الآخر، فإن ذلك يشيع بينكما حالة من الطاقة الإيجابية التى تجعله يعاملك كشريك فى الإنسانية وكأخ، فيبذل معك قصارى جهده دون بخل أو توجس، ستجد الطاقة الإيجابية أيضا حينما تكون سهلا لينا غير متشدد ولا متشبث برأيك أو متطرفا فى فهمك له.

فكلما كنت هينا لينا متساهلا خاصة مع من هم أضعف منك، فإن ذلك يزيد من طاقتهم الإيجابية ومن طاقتك أنت أيضا، الطفل الصغير ليس بحاجة إلى الإقناع بقدر حاجته إلى الأمان، والزوجة ليست بحاجة إلى مقارعتها الحجة بالحجة بقدر حاجتها إلى السلام والحنان والطمأنينة، فكن لهم مصدرا للطاقة وليس مجرد إنسان يريد أن يحقق احتياجاتهم بأى طريق.

تذكر دائما أن العالم الذى تعيش وتعمل فيه ليس ساحة للقتال وليس عليك أن تحارب ليلا ونهارا من أجل الانتصار الحاسم لما تظن وتعتقد، لكنه ساحة للتفاهم والحب والسماع الجيد للآخرين والنظر فى وجوههم متبسما وتبادل الآراء، وعليك طوال الوقت أن تصدر أنت نفسك الطاقة الإيجابية للآخرين، بالاعتراف لهم وأمامهم وفى حياتهم بأهميتهم فى حياتك ودورهم الحاسم والقوى وتذكر لهم وتذكرهم بإيجابيات لديهم ومزايا يملكونها وبامتنانك لهم. فإن ذلك قادر على تزكية روح الطاقة الإيجابية داخلهم وبالتالى داخلك أنت أيضا، فى دائرة متصلة إذا أشعلت النار فى نقطة منها ستصل إلى كامل محيط الدائرة، الطاقة الإيجابية أيضا ستجدها فى توارى (الأنا) قليلا، لا يهم الصف الأول، ليس بالضرورة أن تكون فى المقدمة، جرب أن تتوارى بإرادتك قليلا وتقدم غيرك بقوة وقدرة وعن طيب خاطر، ف (الأنا) ثعبان شرس ما إن يطل برأسه حتى يتراجع الجميع خوفا، وليس دورك فى الحياة أن تخيف الناس والخائف لن يمنحك إلا طاقة سلبية ولكن دورك الأكيد أن تطمئنهم بأن تدارى ذلك الثعبان فى جحره، الطاقة الإيجابية تكمن فى التغافل وليس فى الغفلة والفارق كبير، دع عنك روح الانتقام فليس هناك منتقم منتصر، ولكن الذى يستطيع أن ينتصر على نفسه هو الذى يستطيع أن ينتصر على أى شيء.

 ولتعلم تبشير الآخرين أفضل من تنفيرهم ووعدهم بأن الأشياء ستتحسن ليس تدليسا ولا كذبا، لكنه فتح لأبواب الأمل وملء للطاقة الإيجابية داخلهم، وأخيرا لا يوجد مرتع خصب للطاقة السلبية مثل الفراغ، فالفارغ لن يجد ما يملئه إلا الطاقة السلبية التى تغذى فراغه بالذكريات السيئة والضيق واجترار الألم، وعليه فالبحث عن الطاقة الإيجابية هو فرض عين فى تلك الأيام من أجل اتزانك النفسى وهو أمر لو تعلمون عظيم.

السوشيال ميديا تجعل الإنسان يتخلى عن قيمته.

فى الماضى القريب كان الإنسان الطموح يسعى إلى الخلود بكل الطرق، صراعه مع عمره المحدود على الأرض جعله يحقق خطوات غير مسبوقة حتى قدم أعمالا كبرى خلدت الكثيرين على مر التاريخ من علماء وفلاسفة وفنانين وزعماء وصارت قيمته تعلو بقدر ما حقق للبشرية من أعمال عظيمة، ولكن العصر الحديث أصابت فيه السوشيال ميديا إنساننا المعاصر فى كرامته وقيمته، صار طموح الإنسان الحديث أن يصبح (تريند) لساعات بل  دقائق على السوشيال ميديا فقلت قيمته وأهدرت كرامته، صار مجده مجدا صغيرا مؤقتا ويقوم على فضيحة أو خبر تافه أو تجرؤ على تقديم الفعل القبيح، لا يحتاج الإنسان الحديث إلا إلى هاتف ذكى ليقدم عليه أفعاله الغبية، وينشرها بين البشر الفضوليين وصار الإنسان الملهوف على التواجد لا الوجود يبيع قيمته ويوميا للإنسان الفضولى فى سوق متسع لا ضابط له ولا رابط، وقفت تلك المرأة بلا حياد أمام كاميرا هاتفها من أجل حفنة لايكات وتعرى غالب جسمها بينما حرصت على أن تحافظ على وجهها المغطى فى ادعاء قميء للكرامة بينما قام رجل آخر بصنع فيديو آخر ليظهر نفسه فيه كزوج مغفل أو صديق خائن، وصار صانعو المحتوى الكاذب (مؤلفين ومخرجين وأبطالا فى نفس الوقت) وجلس الناس داخل شاشات المحمول الذكى يشاهدون قصصا يومية مختلقة تعكس انحدارا مخيفا لأخلاق مجتمع لا يفوت لحظة يدافع فيها عن التشدد والأخلاق المحافظة حتى صار التناقض سمة من سماتنا العجيبة غير المفهومة بين مجتمع يحاكم بقسوة كل هفوة تصدر من رجل أو امرأة أو فتاة تخالف التقاليد والأعراف، وفى نفس الوقت يقبل بأريحية وتواطؤ هذا الكم المرعب من الفيديوهات التى يظهر فيها صاحب الفيديو بلا خلق ولا قيمة ولا كرامة ويمنحونه ملايين اللايكات والدعم.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة