منيرة المهدية
منيرة المهدية


ذكريات «منيرة المهدية» مع الفن ومقاومة الاحتلال

أخبار النجوم

الأحد، 07 أغسطس 2022 - 07:03 م

كتب: يحيى وجدي

كانت منيرة المهدية بذاتها وصوتها وموهبتها الهائلة، هي نفسها الحكاية من الأول.. فكرة هذه الزاوية بعنوانها “الحكاية من الأول”، الكتابة عن الأوليات في حياة المؤسسين والنجوم والمشاهير في كل المجالات المتصلة بالفن والإبداع. أول كتابة، وأول ظهور، وأول أغنية، وأول أجر، وأول جائزة، وأول لحن، وأول مشروع ولقاء فني.. لكن منيرة المهدية نفسها هي الأولى.

 

أول امرأة مصرية تتحدى الاحتكار الذكوري للتمثيل وتقف على خشبة المسرح لتمثل في البداية أدوار رجال، قبل أن تقرر تشكيل فرقتها والتخلي عن أدوار الرجال، وتقوم بتمثيل أدوار نسائية، ففي عام 1915 أسند لها عزيز عيد دور “حسن” في رواية للشيخ سلامة حجازي، لتكون بذلك أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح، كما قامت في عام 1916 بتمثيل دور رؤول في رواية “ضحية الغواية” ودور نور الدين في رواية “على نور الدين” في نفس العام، وفي “أوبرا عايدة” قامت بدور “رداميس” قائد الجيش، ودور “روميو” في رواية “شهيد الغرام”.

وهي أيضا أولى الفنانات اللائي ساندن ثورة 1919 لتلعب منيرة المهدية دورا كبيرا من خلال أغنياتها ومسرحياتها المناهضة للاحتلال و”لم تكن مجرد مغنية تغني أغاني طرب رخيصة، بل كان لها انحيازها الوطني والسياسي الواضح ضد الاحتلال الانجليزي، ولعبت دورا أساسيا في انتشار الأغاني الوطنية التي تلهب حماس الشعب” على ما روتالكاتبة والروائية الدكتورة عزة كامل في كتابها “مذكرات منيرة المهدية” الصادر حديثاً عن سلسلة كتاب اليوم.

منيرة المهدية كذلك هي أول مطربة تغني في الإذاعة المصرية حفلات واسطوانات، وأول امرأة مصرية مسلمة تتحدى القواعد الذكورية وتعتلي خشبة المسرح في مصر والوطن العربي، وأول مغنية تقوم بتسجيل اسطوانات غنائية، وأول –كما تكتب عزة كامل- مصرية تغني باللغة العربية أوبرا “كارمن” وأوبرا “تاييس” وأول سيدة تمتلك فرقة خاصة بها، بالإضافة أنها تميزت عن الممثلات والمطربات الأخريات بإدراكها السياسي وحسها الوطني العالي واشتباكها مع القضايا السياسية والاجتماعية. وعندما افتتحت مقهى “نزهة النفوس” بالأزبكية، أصبح ملتقى لكبار رجال الدولة، الباشوات، والأعيان، والعمد، والمثقفين، ونخبة التجار، والساسيين ورجال الفكر والصحافة، وتوافد عليها أثرياء الريف من كل حدب وصوب، تعرفت عليهم واطلعت على خباياهم وأسرتهم بصوتها وشخصيتها القوية. هذا المقهى لم يقدر الإنجليز على إغلاقه كما فعلوا مع أماكن التجمعات الأخرى خلال ثورة 1919، وذلك نتيجة لعلاقة “منيرة” بكبار رجال السياسة.

إقرأ أيضًا

صدمات السنباطي للمطربات.. وردة بدون جاذبية وشادية صوتها تراجع

وتواصل عزة كامل في كتابها الهام والفاتن على صغر حجمه “مذكرات منيرة المهدية” أنه عندما أصدر الإنجليز قرارا بمنع التجمعات، فتحت أبواب عوامتها ليجتمع فيها مجلس الوزراء في 1919 ليتخذوا فيها قرارات مصيرية، وليستمتعوا أيضا بغنائها وطربها، وكان من زوار العوامة إبراهيم فتحي باشا وزير الحربية، وعبد الخالق ثروت وحسين رشدي باشا رئيس الوزراء، وأطلقوا على مسرحها وكذلك عوامتها “هواء الحرية” وأصبح اسم منيرة المهدية على كل لسان، واستطاعت بشكلها وحلاوة صوتها وحضورها الساحر، أن تتربع على عرش الغناء.

إن منيرة المهدية في رأيي هي “كوبليه” البداية لكل مطربة مصرية ظهرت بعدها، والأمر يشمل أم كلثوم نفسها، ويمتد بشادية ورجاء عبده وسعاد مكاوي ونجاة الصغيرة وعفاف راضي، وصولا إلى شيرين وأنغام ودينا الوديدي وكل مطربات هذا الجيل، ولولاها لما كانت لامرأة أن تظهر لتغني أمام الرجال وفي منافسة معهم، فلم يسبق منيرة المهدية سوى المطربة “ألمظ” لكنها كانت تغني للحريم وفي القاعات المغلقة في القصور وراء الأسوار العالية.

وفي تقديري أيضا أنه ربما لم تتعرض فنانة مصرية للشائعات والحصار والإرهاب النفسي مثلما حدث لمنيرة المهدية، فقد شاع عن عمد ارتباط اسمها بأغاني الخلاعة والمجون، مع أن هذا النوع من الأغنيات والطقاطيق كان فنا له جمهوره، وهي أيضا عنوانا لشجاعة منيرة الفنية، وقد سبقها الرجال إلى هذه الأغنيات ولم يدينهم أحدا. كذلك قيل عنها إنها كانت تحيك المؤمرات والدسائس لزميلاتها وكل من ظهر بعدها لتظل هي “السلطانة” كما لقبت، ولو أنها منيرة كانت بهذا الدهاء لما انقطع ذكرها لسنوات طويلة جدا، ولما ماتت وحيدة بعيدة عن الأضواء كما حدث لها، ولهذا تأتي أهمية كتاب عزة كامل الذي لا يعيد فقط الاعتبار للمؤسِسة والرائدة، وإنما يقدم حياتها الحقيقية بعيدا عن الشائعات والأساطير.. حياة منيرة المهدية كما روتها هي في حلقات قصيرة لمجلة “البوليس” يتضمنها الكتاب، ونشاطها الفني ومحطاته الأبرز كما حققتها المؤلفة رغم ضعف الأرشيف.

هكذا كانت منير المهدية، ضوءا منيرا لكل امرأة مصرية أرادت أن تكون فنانة، وكانت أول الحكاية في تاريخ الإبداع النسائي المصري في الطرب، حتى وإن نسي دورها عمدا إلى أن قيض الله له ولها عزة كامل وكتابها الجميل.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة