علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


علاء عبدالوهاب يكتب: «هوامش».. على هامش الحوار

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 16 أغسطس 2022 - 06:47 م

«المطلوب إنجازه كما أتصور ليس وثيقة نظرية ـ على أهمية الإطار النظرى ـ وإنما شىء أقرب إلى استراتيچية للعمل.. من هنا نبدأ.. ومن تلك النقطة ننطلق.

كيف نفكر فى المستقبل من منظور مختلف، أو كما يحلو لنا أحيانا الدعوة للتفكير خارج الصندوق؟
 كيف نهيئ أنفسنا لإنجاز هذه المهمة بما يتناسب وحجم التحديات الماثلة آنيا، والمحتملة فى المستقبل قريبه وبعيده؟
 تلك هى المسألة.

مستقبل جديد بملامحه وظلاله آن له أن يبزغ. تحضير الوطن من أجل غدٍ أفضل وأكثر رحابة، أمر ليس بالهين، من ثم فإن كل من يستطيع أن يسهم بأفكار جديدة، وابتكار حلول بعيدة عن القوالب المحفوظة التى يجيد البعض «إعادة تدويرها» أو وصفات سابقة التجهيز، وإن أجاد من يقدمها إضافة البهارات إليها، عبر صياغات براقة، لكنها بلا جوهر، على هؤلاء أن يبتعدوا عن الكادر، إن طوعاً أو كرهاً، جنباً إلى جنب مع أولئك الذين لا يعنيهم تحويل مفهوم الدولة المدنية الوطنية الحديثة إلى كيان حى ناهض، نابض بالأمل.

حدثتنى نفسى هكذا، عندما تابعت عملية اقتراب فكرة الحوار الوطنى، من مراحل التخطيط اقترابا، تمهيداً لإطلاق فعالياته، التى تسعى فى محصلتها النهائية إلى صياغة «روشتة» مكتوبة، تحمل إجابة واضحة محددة على إجابة سؤال يبدو للوهلة الأولى سهلاً، لكنه فى الحقيقة مركب وصعب إلى حد بعيد: ما العمل؟
وبقدر بساطة الصياغة للسؤال، فإنه يجب أن يستدعى جميع الطاقات الوطنية، ويحفزها من أجل ابتكار رؤية تتوازى مع الأمل المعقود على خلق المستقبل المرغوب.

لا استنساخ للماضى
الجمعة:
فى سياق فكرة الحوار، استدعى البعض الماضى رفضاً، بينما كان ثمة ميل لاستنساخه من جانب فريق آخر.
رؤيتى تتعارض مع هذا وذاك!
عندى، المستقبل يرتبط بالماضى نقدا ليتجاوزه، بمعنى تمييز أوجه القصور فيما كان، والاستفادة مما يمكن أن يبدو من نواح إيجابية فى تجربة سبقت.
فى عهد الرئيس عبد الناصر شهدت مصر الحوار عبر «المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية» عام ١٩٦٢، ويومذاك كنت طفلا، لكن عندما طالعت تاريخ تلك الحقبة عرفت أن الحوار تمخض عن «ميثاق للعمل الوطنى»، كان بمثابة دليل عمل دشن مرحلة جديدة فى العمل السياسى، ولم يكن هدف التجربة محاولة لإزالة مرارة فشل الوحدة مع سوريا، ولعلى توقفت ملياً أمام مشهد الحوار التاريخى بين عبد الناصر والمفكر البارز خالد محمد خالد الذى كان يتعامل مع الزعيم بندية، دون أن يخشى أى عاقبة، ولأنه كان أبعد ما يكون عن المظهرية أو الادعاء كان محل احترام وتقدير كاملين.

كنت صبياً عندما تلا عبد الناصر بيان ٣٠ مارس، بعد أقل من عام على نكسة ٦٧، وخلال عشرة أشهر كان ثمة ما يشبه الحوار المفتوح على عدة مستويات، واستمر لمدة شهر قبل الاستفتاء على البيان الذى رصد التحولات التى جرت آنذاك، ثم قدم برنامج عمل حدد واجبات التحرير والنصر، والمهام الرئيسية للمرحلة، مشفوعاً بخطوات تنفيذية تؤكد جدية الطرح.

وتمضى الأيام، وعلى عتبة الشباب يطرح الرئيس السادات «ورقة أكتوبر»، مستشرفاً مستقبل مصر فى ربع قرن، وحينها كنت عضواً بمنظمة الشباب، التى شارك أعضاؤها فى الحوار بعد نصر أكتوبر ٧٣ بشهور قليلة.

فى الثمانينيات من القرن الماضى، كنت فى بدايات عملى الصحفى، ومن هذا الموقع تابعت أكثر من حوار أطلقه الرئيس مبارك، مرتين كان الاقتصاد محورهما، والسياسة محوراً لمؤتمرين آخرين.
بالطبع، فإن التعميم غير وارد، لكن يبقى أن لكل تجربة وجهيها سلباً وإيجاباً، والأمم الحية هى التى تأخذ الدروس والعبر من تجاربها عبر التاريخ، الأمر الذى أظنه صواباً، وظنى ـ أيضاً ـ أن النظرة العقلانية للمستقبل، كما تنطلق من رؤية نقدية للواقع، فإنها لا تغفل الخبرات السابقة بعيدا عن التمجيد أو التنديد.
هذا أول هامش على تجربة الحوار المزمع.

بعيدا عن بناء نظرية
السبت:
دون اتفاق، وبمصادفة قد لا تكون محل تصديق من يريد ألا يصدق، فقد استخدمت ذات الوصف أو التعبير، الذى لجأ إليه صديق العمر ضياء رشوان المنسق العام للحوار، أعنى لفظة «روشتة»، عندما تحاورت مع أصدقاء وزملاء عن توقعاتى لنتائج الحوار، فى الأيام الأولى التى أعقبت الدعوة التى أطلقها الرئيس السيسى.

كان هناك من يريد أن يُسفر الحوار عن نظرية، أو على الأقل إطار نظرى للعمل الوطنى على غرار ميثاق ١٩٦٢
ثمة من كان يجنح إلى أن تكون الحصيلة أقرب إلى برنامج يطرح رؤية للتغيير الشامل على نسق بيان ٣٠ مارس.
طرح آخرون فكرة اقتران الوثيقة/الروشتة بمدى زمنى ليكن ربع أو نصف قرن، على أن تحمل خطوطاً إستراتيجية عريضة، وبرامج وخططاً تشمل محاور الحوار الثلاثة، وما تتضمنه من قضايا فرعية.... و... و...
فى ظل هذا الجدل ـ الذى أراه صحياً ـ وجدتنى أعود إلى السؤال المركزى المطروح بداية:
ما العمل؟
المطلوب إنجازه كما أتصور ليس وثيقة نظرية ـ على أهمية الإطار النظرى ـ وإنما شيء أقرب إلى إستراتيجية للعمل.
من هنا نبدأ.
ومن تلك النقطة ننطلق.
ونحو هذه الغاية نسعى.
ذاك هامش ثانٍ، وإن كان يمس المتن.

نقطة تحول
الأحد:
«إرادة الشعوب تصنع التاريخ».
مقولة بليغة، ذات دلالات عميقة، لا يدركها فقط من يتأملها، ولكن على من يسعى لسبر أغوارها أن يملك القدرة على قراءة التاريخ، وربطه بحركة الواقع، واستشراف المستقبل.
أحسب أننا ونحن نتجه لإدارة الحوار الوطنى، إزاء لحظة تترجم حرفياً مغزى تلك المقولة، عبر تفاعل خلاق، لشعب قادر على كتابة صفحة جديدة تؤكد حيويته، من خلال حركة تطور يصنع ملامحها بوعى حقيقى بالظروف المحيطة به، والتحديات التى عليه أن يجابهها.
فقه الأولويات لابد أن يكون حاضراً، لا يغيب بأى مبرر، ولو للحظة عن المشهد.

الممارسة العملية تختبر كل المشاركين فى الحوار، ومدى ليس فقط فهمهم لهذا المبدأ، لكن الأهم التزامهم بتفعيله عبر كل مراحل الحوار، وعلى جميع موائده.
ما قبل الحوار، وما بعده، ثمة تغيير لابد أن يكون ملموساً، مما يعنى أننا بصدد لحظة تحول، أو نقطة تحول، يكون لها انعكاساتها الواضحة على المستقبل.
أحسب هذا الأمر لابد أن يشغل بال وضمير جميع المساهمين فى فعاليات الحوار، باختلاف مواقعهم على الخريطة السياسية والفكرية والتنظيمية، لأن حجم الآمال المعقودة على أداءاتهم تكاد تكون بلا سقف أو حدود!
فهل يكونون عند هذا المدى من حسن الظن؟
الحصاد المأمول والمتوقع يجب أن ينمى رأياً عاماً مهموماً بالمستقبل، والتطلع لبناء تجربة لمجتمع يلامس آفاق الغد المشتاق للقائه.
لحظة مفصلية تلك التى نحن بصددها، يمثل الحوار الوطنى ومخرجاته، آلية لتعبيد الطريق لتحقيق المستوى الأكثر رقيا لنهضة حقيقية لمصر.. المصريون جديرون بها.
وهذا هامش ثالث داعب خاطرى.

فضيلة المشاركة
الإثنين:
المشاركة الواسعة إحدى الملامح الإيجابية للحراك الناجم عن الدعوة للحوار.
ملمح يدعو لملء النفس بمزيد من التفاؤل.
عندما تلامس طلبات المشاركة المائة ألف، ويتم تقديم مئات الرؤى المكتوبة من كل فئات المجتمع، فالمسألة لا تعكس مجرد حماس لفكرة الحوار، ولكن ـ وهو الأهم ـ وعى بأهمية توسيع نطاق المشاركة فيه، بدوافع ذاتية وطنية، ترقى لمستوى الانتظام فى جهد تطوعى راقٍ، سواء من جانب المواطن الفرد، أو الهيئات والمؤسسات المعنية بالعمل العام.

ثمنت هذا الاندفاع، أو التدافع المحمود، سعيا للمساهمة فى تحمل مسئولية صنع المستقبل، ومؤشر مبكر على التفاعل المتوخى مع مخرجات الحوار، استعداداً للانخراط فى عملية تحويل توصياته وقراراته إلى واقع على الأرض.
التغيير المجتمعى الواسع لا يتم دون مشاركة متعددة الأطراف، ثم إن المشاركة تعد وسيلة فُضلى لتنمية الشخصية الديمقراطية على الأصعدة كافة، من المواطن الفرد، وصولاً للمجتمع بأسره، مروراً بهيئاته وتنظيماته المختلفة.

فصل جديد فى كتاب المشاركة الشعبية يكتبه طيف واسع من فئات المصريين، ومؤسساتهم المحسوبة على المجتمع المدنى، ربما بصورة غير مسبوقة.
ألمح تحولاً فى المناخ العام، عبر تلك المشاركة التى أراها توكيداً لارتياد المواطن والمجتمع مرحلة مختلفة نوعياً، يتطلع من يسهم فيها لمقاربة مع السياسة العامة، باعتبارها ترجمة لمفهوم الوطنية بسلوك إيجابى، وليس فقط التوقف عند مرحلة الأمانى عبر رفع شعارات وكفى!
ألا تعكس مؤشرات المشاركة نوعاً من عدم الاكتفاء بالتطلع، وإنما السعى الفعلى لبلورة إحساس جمعى بوحدة الهدف والمصير؟
هامش رابع يصب فى عمق المشهد المحيط والممهد للحوار.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة