أحمد أمين
أحمد أمين


متطلبات خاصة للنجاح.. أبرزها الأخلاق ومعرفة نفسية الجمهور

عاطف النمر

الأربعاء، 17 أغسطس 2022 - 06:00 م

أحمد أمين

كل إنسان فى الوجود يأمل النجاح فى الحياة، وهناك صفات كثيرة لابد منها فى النجاح، بعضها خاص بنوع العمل الذى يعمله الشخص؛ فالتاجر تلزمه صفات خاصة لنجاحه قد لا يتطلبها نجاح العالم أو الأديب، وهناك صفات عامة لابد أن يتصف بها كل مريد للنجاح، وقد دلت التجارب على أن النجاح فى الحياة يعتمد على الأخلاق أكثر مما يعتمد على العلم، ومن أمثلة ذلك ما يشاهد من تجار كبار كانوا أميين أو شِبْهَ أميين بنوا لأنفسهم مجداً فى التجارة بجهدهم واستقامتهم وحسن سمعتهم، ومعرفتهم بنفسية الجمهور ثم رزقوا أولاداً أرادوا أن يكونوا خيراً منهم فى التجارة؛ فأرسلوهم إلى ألمانيا أو فرنسا أو انجلترا، ونالوا الشهادات العالية فى الاقتصاد وما إليه، ثم عادوا وحلَّوا محل آبائهم بعد وفاتهم، وكانت النتيجة أن خسرت تجارتهم، وأُقفلت محالُّهم بعد إفلاسهم، وأصابهم الفقر بعد الغنى.

وتبين أن آباءهم كانوا خيراً منهم، وليس المسئول عن نجاح الأولين، وفشل الآخرين هو الجهل أو العلم، ولكن الأخلاق، فالأب على أميته كان يحسن الأخلاق التى تتطلبها التجارة، فنجح، والابن لم يحسنها، ففشل ولو كان الابن المتعلم فى مثل أخلاق أبيه الجاهل لكُتب له من النجاح أكثر مما كتب لأبيه، وهكذا فى كل نواحى الحياة، وقد يضرب الناس أمثلة كثيرة بقوم فاسدى الأخلاق نجحوا فى الحياة برذائلهم حيث لم ينجح كثير من الناس بفضائلهم، ولديهم أمثلة كثيرة على ذلك وخاصة فى أيام الحرب؛ فالتاجر المستقيم ربح بحساب أو لم يربح مطلقاً، والتاجر الذاعر ربح من غير حساب، والموظف الأمين عاش على مرتبه الضئيل، والموظف الخائن حاز الأموال الطائلة حتى لم تعد تهمه الوظيفة، ثم الموظف المتملق لرؤسائه قد يرقى على أكتاف الموظف المستقيم وهكذا، وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن لابد أن تحسب راحة الضمير للمستقيم وقلقه عند الخائن، وتحسب احتقار الرأى العام للخائن واحترامه للنزيه، وتحسب حساب المسئولية أمام الله، وتحسب حساب أن المال الحرام قلما يفيد صاحبه، وأولاده؛ لأسباب دينية ونفسية واجتماعية، وتحسب حسابَ مَنْ ضُبِطوا فى حياتهم، فعوقبوا، فخسروا الدنيا والآخرة؛ فلو حسبت حسابَ هذا كلِّه لترددت كثيراً فى تسمية هذا نجاحاً.

وأغنياء الحرب الذين تكسبوا من طريق الرذائل استثناءٌ من الحياة العامة، ومن نجحوا فى السلم عن طريق غشهم وخداعهم استثناء من الحياة العامة، أما القانون العام فى كل زمان ومكان فهو أن النجاح فى الحياة يتوقف كثيراً على الأخلاق التى يستلزمها العمل، من اعتدال فى الحياة، وضبط للنفس، وأمانةٍ واعتماد على النفس، وثقةٍ بها، وإخلاص فى العمل، وإخلاص لنفسه، وللناس، وصدق فى المعاملة إلى غير ذلك من فضائل، وكلما رقيت الأمة كان من مظاهر رقيها نجاح الذين يعتمدون على أخلاقهم وفشل الذين يعتمدون على رذائلهم.

وتنجح الأمة فى عالم التجارة إذا حسنت سمعتها، وحسنت معاملاتها، وحسن إنتاجها، وتفشل إذا انهارت هذه الأخلاق، وتنجح فى السياسة إذا صدقت فى وعودها، وشرفت فى معاملاتها، وخَدَمَت الإنسانية بأغراضها؛ فإن نجحت بغير ذلك فنجاح مؤقت، ومؤرخو الدولة الرومانية مجمعون على أن نجاحها فى عصر ازدهارها كان مؤسساً على أخلاقها؛ فلما تدهورت أخلاقها تدهورت أملاكها، وقد ينجح المرء فى الحياة بسبب النبوغ العلمى النادر، أو الذكاء العقلى اللامع، أو القدرة الفائقة على إدراك الفرص، وانتهازها ولو لم تدعمها الأخلاق الفاضلة، ولكن حتى فى هذه الأحوال النادرة لو كان لهذه المزايا الفائقة مستندٌ من أخلاق فاضلة لكان صاحبها أكثر نجاحاً؛ فالأخلاق الفاضلة تقويه وتقوى نجاحه، والأخلاق السيئة تضعفه وتضعف نجاحه.

من كتاب «فيض الخاطر»

إقرأ أيضاً|سمر عمرو تكتب: ماذا ينتظر الشباب من الحوار الوطني؟

 

 

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة