سمير الجمل
سمير الجمل


سمير الجمل يكتب: مكتبة «الحمار»!!

الأخبار

الأربعاء، 24 أغسطس 2022 - 08:21 م

بقلم: سمير الجمل

اقرأ أمامهم يا بابا واقرئى معهم يا ست ماما.. يحدث التواصل والاتصال وتتغير الدماغ.. ومعها يتغير كل شيء إلى الأرقى والأفضل والأجمل والأعلى

عندما ترى هذه الأفواج تقبل على معرض القاهرة الدولى للكتاب سوف تسجد شاكرا لأن أمة اقرأ قد عادت إلى كتابها فإذا دخلت إلى المعرض وجدتها وقد تحولت إلى أمة «اشرب» و«أكل» و«هيص».. وقد زاحمت الهامبورجر.. «تشارلز ديكنز».. وتفوقت الشاورما السورى على «نجيب محفوظ».. ونافس الآيس كريم «طه حسين» و«العقاد» و«الحكيم».. فما بالك لو عرفت أن متوسط القراءة بين أمة العرب لا يتجاوز دقائق معدودات فى السنة كلها من المعرض للمعرض.. إلا من رحم ربى.

لهذا رأى معرض فرانكفورت للكتاب وهو من أهم ساحات الكتب فى العالم.. أن يعيد النظر فى مسألة تسويق وبيع الكتب.. وفى محنة القراءة التى داهمت العالم مثل كورونا.

وفى عام 2013 نظم المعرض مباراة لكرة القدم بين كتاب ألمانيا والبرازيل.. وعندما اعترضت بعض الفئات فى ألمانيا لأن أجورها أقل من المعلمين ردت عليهم الست «ميركل» وكانت مستشارة ألمانيا فى هذا الوقت:

- كيف أساويكم بمن علموكم؟!
والخطورة أن لعنة الفهلوة والأونطة والموضة أصابت الكتب فانتشرت رويات الجنس والعفاريت والخرافة والفضائح ولما حاولت مكتبة الأسرة أن تعدل المايلة وتنشر الروائع القديمة والعالمية والمحلية بأرخص سعر وبأقل من ثمن رغيف عيش.. كان الإقبال من جانب هواة القراءة على قلتهم أما الغالبية العظمى فقد ظلت على حالها.. تبحلق فى الموبايل ووسائل التواصل الاجتماعى أكثر مما تنظر إلى وجوه أهلها فى البيت الواحد.. وشدت اليونسكو شعرها فى عام 1996 وأعلنت أن يوم 23 أبريل سيكون هو اليوم العالمى للكتاب احتفالا برمز إسبانيا الكبير «سيربانتس» فى يوم مولده.

على ترويسكل
المحاولات استمرت بكل الأشكال والسبل لكى تصالح الناس على القراءة.. وأن تذهب إليهم «دليفرى» حيث هم.. فى البرازيل مثلا فكر أمين مكتبة سابق أن يضع الكتب على «ترويسكل».. بعد أن خرج للمعاش.. وطاف به مدينة «ساو باولو» وضواحيها وقد زود الترويسكل بخدمة الإنترنت عن طريق الطاقة الشمسية.

لكن عمنا «لويس سوريانو» فى كولومبيا فكر بطريقة أخرى للوصول إلى القرى الموجودة على الجبال وخاصة فى أيام الشتاء الموحلة.. وكان «حماره» هو الحل.. ووضع على ظهره الكتب و«شى حا» لمن أراد المعرفة فى كافة أفرعها.. واشتهر بأنه صاحب «مكتبة الحمار».. وفى «أواسا» فى إثيوبيا كان هناك من فكر بنفس الطريقة تقريبا.. وكان الحمار يجر المكتبة الموجودة على عربة خشبية «كارو».. وكانت «البغال» هى الحل فى فنزويلا.. والجمال فى كينيا.
وفى مصر حاول أولاد الحلال.. وضع الكتب المجانية فى أماكن ضرب الكشرى والفول والطعمية والكبدة فى وسط البلد.. واستسمحوا من يقرأ أن يرد بكتاب من عنده حتى لا تصبح الدواليب خاوية.. ويأتى من يحملها هيلا بيلا ويبيعها خشبية.. وماتت التجربة فى مهدها ومات معها حماس من أرادوا تغيير ثقافة البطن قبل المخ دائما.

والمكتبات العامة فى أنحاء الجمهورية منتشرة فى كل مكان.. وأهل المنطقة غالبا لا يعرفون بأمرها.. ولا يقتربون منها.. ولو من باب الفضول.. إلا من كان يبحث عن ماجستير أو دكتوراه ويلجأ إليها للحصول على اللقب.. وهى موجودة أيضا فى المدارس وقصور الثقافة.. والنكتة أن المكتبات الموجودة فى المؤسسات الصحفية أصبحت شبه مهجورة مع أنها محطات الشحن لأبناء المهنة.. ودفاتر الاستعارة تقول إنها أسماء بعينها التى تتردد على المكتبة.. وهم يعرفون أن المعلومة على الإنترنت قد لا تكون صحيحة وهى غالبا منقولة بين المواقع كما هى.. ومهمة الباحث الحقيقى التحرى والتحقق والنظر إلى المعلومة الواحدة من زوايا عديدة بما يفتح الآفاق والأبواب للخيال والابتكار والوصول إلى الجديد والمدهش.

بالملايين
غير صحيح أن تجارة الثقافة خسرانة.. وأن رأس المال الداخل إليها مفقود ومعدوم.. طيب ايه رأيك أن سوق الكتب فى اليابان مثلا حقق فى عام 2012 ما يعادل 73 بليون ين يابانى.. وكوريا الجنوبية وهى الثانية فى التصنيف العالمى.. أصدرت  عام 2003 أكثر من 35 ألف كتاب حققت دخلا قدره ٢٫٣ بليون دولار «لاحظ انها بليون وليست مليون يعنى العدد فى الليمون» المهم التسويق الجديد.. فهل سيادتك مثلا على علم بأن مجلة «الرسالة» فى مصر قبل الحرب العالمية الثانية أى فى الثلاثينيات كانت توزع أسبوعيا «ألفى نسخة» وسكان مصر كلها على بعضها لا يزيد عددهم عن 15 مليون نسمة.. ولما قامت الحرب.. انهار كل شيء.. وهذه هى مصيبة الحروب فى كل عصر.. ولعل ما يحدث هناك بين روسيا وأوكرانيا قد بلغت آثاره سندوتش الفول.. والرغيف الذى أصبح فى حجم القرش بتاع زمان.. لعن الله من أشعلها ودبرها وخربها وقعد على بيتها الأغبر.. لا وايه خرج بكل فخر يعلن مقتل الظواهرى فى بلد يحكمه أئمة الإرهاب فى العالم وهم منتخب طالبان للأفيون والدم.. والأحزمة الناسفة حتى داخل المساجد.. ومن صناعة الست أمريكا!!
ويؤكد الكاتب محمد سيد ريان فى كتابه «تسويق المنتج الثقافى فى عصر الثقافة الرقمية الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة 1995».. أن الأفكار هى الثروة التى ستحكم العالم وانظر حولك: من يتصدر قائمة أغنى أغنياء الأرض؟!

- انهم أهل السوشيال ميديا.. والعالم الافتراضى.. وأصحاب المهارات..
لقد تبدلت خريطة الاقتصاد العالمى.. وتجارة الأفكار وعلوم وفنون التسويق.. والبيع عن بُعد.. هى التجارة الأولى وهناك أكثر من 50 مليون شخص يدرسون خباياها وأسرارها.. وبرمجياتها.. ومن هذا العصر أصبحت المعلومة هى العملة الأساسية لكل مشروع.. بها يدرس رجل الأعمال أسواقه وأرقامه ويبنى عليها خططه لسنوات.. وقد بلغ عدد المتسوقين على مستوى العالم من خلال شبكة الإنترنت ٢٫١٤ مليار متسوق أى ما يوازى ربع سكان الكوكب ومن المنتظر فى العام القادم أن يتجاوز المال 6 تريليونات دولار فى دنيا الاقتصاد الرقمى.. أو اقتصاد المعرفة..

وفى كتابه «عصر الجماهير الغفيرة» يقول المفكر جلال أمين إن الجنس والعنف.. تحولا بعد الحرب العالمية الثانية إلى تجارة واسعة الانتشار.. حتى انهم انشغلوا فى انجلترا عن «ديكنز» و«شكسبير» بالمواقع والترفيه والاستهلاك.. وهكذا دخلنا عصر المواطن العالمى.. بكل ثقافته وانفتاحه وشهواته مقابل المواطن المحلى، لهذا بدأت المكتبات الصغيرة تظهر فى قطارات النوم والتاكسى.. وأقام مطار امستردام مكتبة كبرى لخدمة ركاب الانتظار والترانزيت.. وذهبوا إلى البحر تحت الشماسى.. يقدمون الكتب ولا مانع أن تقرأ وأنت بالمايوه..

أما الاتراك فإنهم صنعوا أقنعة من وجوه كبار الكتاب العالميين وقد وضعها الشباب على وجوههم وهم يوزعون الكتب فى كل الأماكن.
وأقاموا شجرة كبيرة فى اسطنبول ثمارها الكتب.. فمن يحب فاكهة.. باولو كوليو واليف شفان وادرهان وسارتر وماركيز.. فلماذا لا نفعلها نحن هنا.. ونضع أقنعة نجيب محفوظ ويوسف ادريس وتوفيق الحكيم والعقاد ويحيى حقى وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى.. على الوجوه فى معرض الكتاب تستقبل الجميع وسوف يسأل الشباب عن هؤلاء وسيعرفون..

وفى ذلك قصة لابد أن أتوقف أمامها فقد جاءت طالبة فى نهائى إعلام.. مشروعها أن تدير حوارا مع صحفى محترف ويفضل أن يكون من العواجيز.. ووقعت فى قرعتها وجلست وبدأت تكتب.. وكلمتها عن إحسان عبدالقدوس ومؤسسة روزاليوسف التى كانت ملكا لوالدته واكتشف من خلالها عمالقة الصحافة والفن.

ولم أجد أدنى رد فعل على وجهها البرىء ودفعتنى لان اسألها عن الاستاذ إحسان.. وانكمش الوجه وتمدد واخذت تفكر وتفكر وتفكر ثم قال تودرى أى الطالبة: بصراحة ماعرفوش.. اى والله هذا ما حدث لواحدة سوف تحمل لقب إعلامية.. وهى بالقطع لا تمثل جيلها كله.. لكنها عينة.. فى عصر اطلقت فيه الدولة بنك المعرفة بكل ما يحتويه من معارف وثقافات وعلوم وفنون.. وبكل ما يتواجد ببلاش كده من كتب فى مواقع مختلفة.. ومنها المسموع أو الصوتى يكفى فقط أن تضع سماعة الأذن.. وتسبح فى عالم الروايات وأهم الكتب.
أمريكا أدركت خطر انحدار القراءة.. ووضعت شبكة «جود ريد» أكثر من 46 مليون كتاب تحت تصرف من يريد.. وانضم إليها أكثر من 18 مليون مشترك.

فى مكانك
الكتاب بين يديك وانت ماشى وانت واقف وانت قاعد عند طبيب الأسنان.. فى محطة الاتوبيس.. فى الميكروباص فى القطار.. فى الصالون وانت تؤدى عقوبة النوم فى الصالة منفردا لأنك زعلت المدام.

ليس لديك حجة بأن وقتك لا يسمح.. لأن تليفونك.. فيه العجب.. «واخد بالك انت».. وتستطيع أن تضيف إليه شتى العلوم والمعارف بأبسط الوسائل ويجب أن نصالح أولادنا على الكتب والعلاقة بينهم وصلت إلى طريق مسدود رغم الطباعة الفاخرة والألوان المبهرة.. «الله يرحم كتب الوزارة على أيامنا» والمسابقة الوطنية التى انطلقت منذ ثلاث سنوات تقريبا تحت شعار «المبدع الصغير» تحت رعاية السيدة انتصار السيسى وبإشراف الوزيرة السابقة الفنانة إيناس عبدالدايم.. خطوة مهمة لفتح الأبواب المغلقة أمام عيالنا.. لكى يدركوا أن الكتاب حياة وقيمة.. اقرأ أمامهم يا بابا واقرئى معهم يا ست ماما.. يحدث التواصل والاتصال وتتغير الدماغ.. ومعها يتغير كل شيء إلى الأرقى والأفضل والأجمل والأعلى.
القراءة عبادة تأخذ عليها الأجر والثواب.. وكتاب الله يفتح كل الأبواب المغلقة.. ويأخذنا إلى التفسير والبلاغة والتاريخ والقصة.. ويردنا إلى إنسانيتنا ردا جميلا وصدق من قال:
- لسان الناس كتاب على الأرض فلا تهمل قراءته ولا تصدق كل ما تقرأ فيه!

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة