نوال مصطفى
نوال مصطفى


نوال مصطفى تكتب: مُـت فـارغاً

نوال مصطفى

الأربعاء، 31 أغسطس 2022 - 04:05 م

تقطع السيارة الطريق، ليبدأ استدعاء الذكريات الحميمة التى لا تخلو من الحزن والشجن. الفضاء الواسع على الجانبين، اللون الأزرق بدرجاته موزع على مساحة السماء الشاسعة.

الطريق إلى الساحل الشمالى يأخذنى بعيدًا عن كل شيء. تفاصيل الحياة وزحامها، واقعيتها، وقسوتها، إنه الطريق الذى يفتح نوافذ روحى، كأننى أعبر من خلاله إلى نفسى، وأرى ما يدور هناك فى الأعماق. تقطع السيارة الطريق، ليبدأ استدعاء الذكريات الحميمة التى لا تخلو من الحزن والشجن. الفضاء الواسع على الجانبين، اللون الأزرق بدرجاته موزع على مساحة السماء الشاسعة، ممتزج بالسحب البيضاء، تخترقها الشمس بخيوطها الذهبية. لوحة بديعة مذهلة فى تركيبة ألوانها بيد الخالق. السماء تحاور البحر بلغة خاصة، الطبيعة تفتح أبوابها لمن يحبها، تحاول أن تمنحه شيئًا من أسرارها.

الساحر الشمالى.. هكذا أحب أن أسميه. إنه فعلًا كذلك بالنسبة لى، ربما أراه بصورة مختلفة عما يراه معظم مرتاديه. لا يهمنى كثيرًا بهرجة الساحل من حفلات وفنادق ومطاعم سبع نجوم، خاصة ما يطلقون عليه «الساحل الشرير»، أى القرى السياحية الجديدة، شديدة الفخامة التى يسكنها الأثرياء، القرى التى تقع بين مارينا ومرسى مطروح، أما الساحل الطيب فهى تسمية سخيفة يطلقونها على قرى الساحل الشمالى القديمة، التى تختلف أسعارها بفارق كبير عن قرى «الساحل الشرير»، تبعًا للتسمية المبتذلة والتقسيم الغريب الذى أصبح سمة من سمات تفكير الكثيرين من أبناء بلدنا للأسف.

أنا شخصيًا أرى عبقرية «الساحر الشمالى» فى طبيعته المذهلة، التى استعيد بين أحضانها طبيعتى، أضبط كيمياء مشاعرى، وأعود إلى إنسانيتى المهدرة فى زحام العاصمة، وقسوتها علينا نحن بنى البشر. كم تمنيت أن يتحول الساحل إلى واحة نركض إليها صيفًا وشتاءً، وأن يكون هناك قطار يربط بين مدن مصر وبين ساحلها الجميل حتى يصبح المكان عامرًا، نابضًا بالحياة. والآن وبعد سنوات من التمنى، يبزغ الأمل فى تحقيق هذا الحلم مع خروج المدينة البديعة «العلمين الجديدة» إلى النور.

العلمين الجديدة
هى فعلًا منارة الساحل الشمالى، كم هائل من الاستثمارات تراه يتجلى هناك فى مبانٍ ترتفع بأناقة التصميم، وحداثة العصر لتعلن عن مولد مدينة سياحية تعمل صيفًا وشتاء، تدعو للفخر والزهو فعلًا. ممشى ملاصق للبحر الفيروزى الساحر طوله 14 كيلو مترًا، عدد من الشواطئ الخاصة الملحقة بفنادق سبع نجوم، إنشاءات عملاقة، ووحدات سكنية هائلة، تخطيط لمدينة متكاملة تحتوى مدارس، جامعات، مستشفيات، مرافق عامة كاملة.

هذا الإبداع فى الفكر والتخطيط، والتنفيذ لمدينة ستكون قبلة المصريين، العرب والأجانب، وتحيى ساحلنا الساحر طوال شهور السنة، بعدما عاش سنوات طوالًا يعمل ثلاثة أشهر فقط، ويعانى الهجر والنسيان طوال التسعة شهور الأخرى!.

مع هذه الطفرة الاستثمارية الكبرى على شاطئ المتوسط، نجد شاطئ العلمين المجانى، من أجمل الشواطئ المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو من الشواطئ البكر التى تفتح أبوابها أمام الجمهور لأول مرة، عقب تشغيل المناطق السياحية فى مدينة العلمين الجديدة، ويتوافد عليه المصطافون للنزول والاستمتاع بالأجواء الجميلة والمياه الصافية والطقس الرائع.

وهو من أجمل الشواطئ التى تتمتع بالرمال البيضاء ونقاء المياه، وجمال المناظر الطبيعية على البلاج، والذى يمتد على ساحل البحر من غرب قرية مارينا السياحية وحتى سيدى عبد الرحمن وهى من أرقى الأماكن والشواطئ فى الساحل الشمالى الغربى. وهو كما قال اللواء خالد شعيب محافظ مطروح «إن شاطئ العلمين المجانى واجهة للمدينة المليونية والتى تعكس التنمية الحقيقية التى تقوم بها الدولة، ويستمتع الناس بالشاطئ ويشاهدون المشروعات التى جرى إنشاؤها فى العلمين الجديدة من منطقة سياحية، ومنطقة ترفيهية ومنطقة صناعية ومنها جامعات، وتعتبر العلمين الجديدة من مدن الجيل الرابع صديقة البيئة والمخطط لها جذب ما بين 3 إلى 4 ملايين مواطن للإقامة بها. المشكلة الوحيدة التى لابد من حلها هى الإثنا عشر كيلومترًا التى يجد زائر المدينة نفسه مضطرًا لقطعها ليصل لـ «اليوترن» ذهابًا، ومثلها عودة إلى الطريق الساحلى! أرجوكم ابحثوا عن حل لتلك المشكلة التى يمكن أن تعوق الكثيرين عن زيارة المدينة الجميلة والاستمتاع بأجوائها الساحرة.

شباب الجمهورية الجديدة
«مُت فارغًا» عنوان لكتاب قرأه دكتور حسام بدراوى فاستوقفه، وعندما أبحر فى صفحاته وأفكاره فهم المقصود من هذا العنوان المدهش وهو «لا تترك الحياة وأنت تستأثر بأفضل ما لديك، متْ فارغًا بعد أن تملأ حياة البشر بأفكارك».

والحقيقة أن الدكتور حسام بدراوى الكاتب، المهتم بالشأن العام، والطبيب هو من أكثر الناس الذى ينطبق عليهم تلك الجملة المكثفة، الدالة. فهو رجل يملك خبرات مهمة من خلال اهتمامه بقضية التعليم فى مصر منذ عشرات السنين، وله رؤيته وإسهاماته العديدة فى هذا الأمر. كذلك يلفتنى اهتمامه الحقيقى بالشباب، ليس نظريًا، بل عمليًا وواقعيًا، وتفاعلًا حيًا. ومن خلال تلك الحوارات يحاول أن ينقل كل خبراته الغنية، الفريدة، ورؤيته التنويرية للشباب.

يحدث هذا فى حوار دائم معهم، وهى مهمة وطنية أحييه عليها من كل قلبى، فشبابنا يحتاج لمن يستمع إليه ويحاوره، والتفاعل بين الخبرة والأفكار الشابة هو أهم ما نحتاج إليه فى تطلعنا إلى بناء وتأسيس «الجمهورية الجديدة».

فاجأنى الدكتور حسام بصدور كتابه المهم «حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية. أثناء قراءتى الأولى للكتاب امتلأت سعادة وفخرًا بهذا النموذج المضيء فى حياتنا والذى يمثله الدكتور بدراوى، فقد عكف على إنجاز عمل ثقافى، وطنى يقدم رؤيته لمصطلح «الجمهورية الجديدة». رؤية مبنية على حوارات ممتدة مع شباب مصر من مختلف التخصصات والخلفيات الثقافية، لا يتحدث فيها دكتور حسام عن قضيته الأساسية التى أنفق فيها سنين عمره، بل يتحدث عن مصر والأسس التى ينبغى أن تبنى عليها الجمهمورية الجديدة.

«هذا الكتاب يحمل آمالًا عريضة للوطن، ويطرح أفكارًا ورؤى، تعقبها حوارات مع شباب الحالمين بالغد. الدافع الرئيسى وراء هذا الكتاب هو شغفى بالإصلاح، ورغبتى فى المشاركة الإيجابية لتحقيق الاستدامة فى التنمية، وتراكم الجهود لجعل مصر دولة عظمى، وهى تستحق.

استخدم المؤلف التكنولوجيا ومزج بينها وبين الكتاب التقليدى، فزود بعض فصول الكتاب بـ QR Code وذلك حتى يتيح للقارئ الاستزادة بمراجع أكثر عن نفس الموضوع الذى يتناوله أو مشاهدة فيديو لحوار مطول للكاتب تحدث فيه عن نفس الموضوع.

قدم الكتاب عمرو موسى ومنير عبد النور اللذان أشادا بالدور التنويرى الذى يلعبه دكتور حسام بإنجازه هذا العمل الثقافى المحترم، والتزامه بتقديم رؤية علمية رصينة وعميقة لبناء الجمهورية الجديدة. والحقيقة أننى أقترح أن ينضم هذا الكتاب إلى الوثائق الخاصة بالحوار الوطنى حول مفهوم الجمهورية الجديدة، وأن تتم مناقشة فصوله من خلال جلسات الحوار، فهو عصارة بحث وخبرة وحوار حى مع الشباب.

أهم عناوين فصول الكتاب التى تعبر عن محتواه القيم هى: رؤية متكاملة للجمهورية الجديدة، الاستقرار على نظام سياسى لحكم البلاد، إحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع، تطوير نظام العدالة الناجزة، الشباب إلى أين، نمو الاقتصاد وخلق فرص عمل، تحفيز المجتمع المدنى وحماية على حقوق المواطنين، تحدى النمو السكانى، مراجعة التاريخ قد تصحح المستقبل.

أنا اتولدت فى دار أيتام
شاهدت بالمصادفة فيديو مدهشًا أنتجته جمعية وطنية بالشراكة مع مؤسسة دروسوس، يتحدث فيه مجموعة من الشباب والشابات من خريجى دور الرعاية البديلة، أو ما نطلق عليها باللغة الدارجة «الملاجئ»، يظهر كل منهم بابتسامة عريضة، وثقة واضحة ويقول «أنا اتولدت فى دار أيتام» أو «أنا تربية دار أيتام» . الفكرة من الفيديو هى التخفيف من الوصمة الاجتماعية التى يعانى منها هؤلاء الذين شاء قدرهم أن يحرموا فى طفولتهم من حضن الأم، ودفء الأسرة، وعاشوا سنوات طفولتهم، وبداية شبابهم فى دار للأيتام.
منذ نشأتها فى 2008، نجحت جمعية وطنية بقيادة مؤسستها عزة عبد الحميد فى أن تصبح بيت خبرة فى مجال الرعاية البديلة، وبالفعل استطاعت تحقيق هذا الهدف، وتميزت وحصلت على العديد من الجوائز المصرية والعالمية تقديرًا لدورها الرائد فى تقديم أجيال من شباب هذه الفئة على مستوى عالٍ من التفوق العلمى والتوازن النفسى والتحقق الإنسانى.

وكانت مؤسسة دروسوس بقيادة المدير الإقليمى لها فى الشرق الأوسط الدكتورة وسام البيه، إحدى المؤسسات التى آمنت برسالة وطنية، وواحدة من أهم الداعمين المساندين لمشروعاتها، وقد ظهر هذا واضحًا فى العديد من المشروعات الناجحة بين المؤسستين الرائدتين، وقد كان الفيديو الجميل الذى شاهدته هو إحدى نتائج وثمار تلك الشراكة الناجحة، الهادفة.

أكثر ما استوقفنى فى هذا الفيديو الذى لم تتجاوز مدته الدقيقتين هو مواجهة الشباب الذين تربوا فى دور أيتام للكاميرا بكل ثقة ورضا وتصالح مع النفس، وبالتالى مع المجتمع الذى ربما قسا عليهم، هؤلاء الشباب تجاوزوا آلامهم، ومحنتهم بفضل الرعاية الحقيقية التى تلقوها من قلوب من ذهب آمنت بحقهم فى الحياة باحترام وكرامة، ومنحتهم الفرصة لكى يبدأوا حياتهم كأى طفل ولد بين أبوين وأسرة وبيت يحتضنه، حتى كبروا وتخرجوا من الجامعة وأهلتهم لمواجهة الحياة بعد تخرجهم من الدار.

تحية من الأعماق لجمعية وطنية ومؤسسة دروسوس على هذا العمل الرائع، الذى يجسد المشوار الطويل والجهد المخلص الدءوب المبذول للوصول إلى تلك النتيجة المبهرة.

رحيل محمد عمر
مثل شخصيته المضيئة بالأمل كان رحيله متوهجًا بمشاعر الحب الحقيقى. اختار له القدر أن يذهب بهدوء بعد مشوار طويل فى بلاط صاحبة الجلالة. ترك الزميل العزيز محمد عمر بصمته على صفحات «أخبار اليوم» كما ترك آلاف الذكريات الحميمة فى قلوب زملائه وزميلاته، قرائه ومتابعيه. فقد كان مبتسمًا دائمًا، والأهم من ذلك أنه كان مفجر الضحك وصانع البهجة بين أصدقائه ومحبيه. عرف بقلمه الساخر وتميز بحس نقدى لاذع ربما أزعج المسئولين فى كثير من الأحيان، لكنه أسعد القراء وهذه هى أمنية كل صحفى حقيقى. تغمده الله بواسع رحمته، وأنزل السكينة على أسرته وابنتيه العزيزتين «رنا» و»نوران».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة