الأشجار محملة بالثمار
الأشجار محملة بالثمار


«آخر ساعة» زارتهم.. في الإسماعيليةl ملوك «المانجة»

آخر ساعة

السبت، 03 سبتمبر 2022 - 12:49 م

كتب: أحمد الجمَّال

هى رحلة تقطعها من القاهرة فى غضون ساعتين، وهناك ربما تقضى ساعتين أخريين على الأكثر لتكون قد أنهيت مهمتك وفزت بصفقة عظيمة من ملكة الفواكه، وحين تهُم بالمغادرة تنازعك نفسك لأجل البقاء، لكنك فى الأخير ترحل وفى قلبك حنين لأن تعاود الرحلة مُجددًا فى موسم المانجو المقبل، صيف العام التالى. إنها الإسماعيلية التى يستقبلك أهلها بكل ترحابٍ وهم يقولون بثقةٍ: "إحنا ملوك المانجة".

 

فى الوقت الذى يفر سكان العاصمة وباقى المحافظات من لهيب شمس الصيف إلى المناطق الساحلية لقضاء عطلةٍ فى رحاب البحر، تكون مدينة الإسماعيلية هى الأخرى أكثر ازدحامًا من أى وقت آخر على مدار العام، رغم كسر درجة الحرارة حاجز الأربعين، والسبب هو موسم المانجو الذى يبدأ منذ مطلع أغسطس ويستمر حتى نهاية نوفمبر من كل عام، لكن الإقبال على شراء هذه الثمرة التى يعشقها الكثيرون تضاعف هذه السنة، نظرًا لانخفاض الأسعار بنسبة كبيرة تتراوح بين 50 و60 بالمئة مقارنة بالعام الفائت.

يُفسِّر المزارعون عودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل نحو ست سنوات، بوفرة محصول هذا الموسم، فقد تسببت التقلبات الجوية فى السنتين الأخيرتين تحديدًا، فى تقلُّص حجم الإنتاجية، بالتالى زادت الأسعار. ويحمدون الله أن الطقس كان رحيمًا بأرزاقهم، فمرت النوّات على أشجارهم هذا العام مرور الكِرام.

إن كانت تلك هى رحلتك الأولى إلى الإسماعيلية، فبينما تسير على الطريق المؤدية إلى هناك، فإنك تدرك أنك بِت على مشارفها، قُبيل كيلومترات معدودة من ملامسة مدخل المدينة، إذ تجد باعة المانجو يصطفون على ضفتى الطريق، بواقع واحدٍ كل مئة متر وربما أقل، بخلاف رائحة المانجو التى تُسد عليك الفراغ.

يا بلاش!

عند واحد من هؤلاء الذين يفترشون نقطةً على الطريق متاخمة لأرضه الزراعية المكسّوة بأشجار المانجو، توقفنا بالسيارة. كان جاهزًا بعباراتٍ يبدو أنه اعتاد ترديدها على مسامع كل مَنْ يمرون من أمامه: اأحلى مانجة يا باشا.. لسه جامعينها من الأرض حالًا.. عندنا كل الأنواع.. وكلها طازة والأسعار يا بلاشب.

ومن دون تلك الديباجة التى أراد إبراهيم خاطر من خلالها أن يُحّلى بضاعته فى عيوننا، كانت حبّات المانجو بدرجات ألوانها المتراوحة بين الأصفر والبرتقالى والأخضر وذات القشرة المصبوغة بما يشبه حُمرة الخدود، تعلن وجودها وتتحدَّث بطلاقةٍ عن نفسها بلغةٍ لا تخطئها الأنوف، وإن أصابها الزكام!

قائمة الأسعار لديه كانت مُحفّزةً على الشراء، بل وتعبئة صندوق سيارتنا حتى كاد يمتلئ، إذ تبدأ أسعار المانجو من 10 وحتى 35 جنيهًا للكيلو فى الأصناف المعروفة بارتفاع أسعارها كالعويسى والفص، حيث تبدأ الزبدة من 10 جنيهات للكيلو، واالسكرى الممتازب من 15 جنيهًا، واالعويسىب من 20 جنيهًا، بينما يصل سعر االفصب إلى 55 جنيهًا، وتراوحت االصدّيقةب بين 18 و20 جنيهًا للكيلو.

إبراهيم لا يكتفى فى الفرش الخاص به على عرض الأنواع المحليّة فقط، بل إن مثيلتها الأجنبية تقف إلى جوارها جنبًا بجنب، التى تباينت أسعارها من 15 إلى 20 جنيهًا للكيلو الواحد.

تساقط المانجو

الفضول دفعنا لسؤاله عمّا إذا كان بإمكاننا إلقاء نظرة على حَقلِه الممتد خلف االفرشب، لنرى على الطبيعة كيف تعُج الحقول بالمانجو، ولم يمانع الرجل فى اصطحابنا فى جولةٍ لتفقد الحال عن قُرب. سِرنا وراءه وسط الأشجار الكثيفة التى كانت مثقلةً بحبّات الفاكهة، حتى أن الكثير منها لم يقدِر على حَمل ما هو أكثر من طاقته، فتساقطت حبّات المانجو التى اكتمل نضجُها فى مشهدٍ بديع على الأرض، بينما كان أبناؤه الصغار يتقافزون من حولنا فى همةٍ ونشاط وهم يلتقطون تلك الحبّات الطائحة، ويرصونها فى برانيك بلاستيكية وعلبٍ من الكرتون.

وفى أثناء تحركنا وسط الأشجار، لم يتوقف إبراهيم عن تعديد مزايا موسم المانجو هذا العام، مؤكدًا أن واحدًا من أسباب كثافة الإنتاجية هو الاهتمام بمقاومة مرض العفن الهبابى، الذى قضى على نسبة كبيرة من محصول السنة الماضية، كما أن الكثير من المزارعين كان قد اعتمد فى العام الفائت على مبيداتٍ زراعية غير مصرح بها، أتت بنتائج سلبية على محاصيلهم، وهو ما تجنبوه فى الموسم الجديد، لافتًا إلى أن مناخ هذا العام كان مثاليًا، ولم تشهد الإسماعيلية تغيرات مناخية كتلك التى قلَّصت إنتاجية السنوات الماضية.

سوق الجمعة

ولم تكن الرحلة لتكتمل من دون زيارة سوق الجمعة، أحد أشهر أسواق الفاكهة فى الإسماعيلية، فتحركنا صوبه، وبعد نحو 15 دقيقة كنا فى وسط كرنفال المانجو. مئات الباعة يعرضون عشرات الأنواع منها. وحين سألنا أحدهم عن عددها، قال إن هناك ما يربو على مئة نوع، لكن أشهرها: العويسى والزبدة والفص.

ولم تكن الأسعار فى هذه السوق بعيدةً عن تلك التى يبيع بها المزارعون على الطريق المؤدية إلى المدينة، ربما تزيد فى السوق جنيهين أو ثلاثة على أقصى تقدير، كون البائع فى السوق يحصل على كمياتٍ كبيرة من الفلاحين بسعر الجملة، ويستهدف تحقيق هامش ربح.

محمد أبومريم، تخصّص فى بيع العويسي، ويقول: إن الموسم الحالى يحمل الخير لنا جميعًا، لافتًا إلى أن هناك أنواعًا يبدأ سعرها من ستة إلى عشرة جنيهات للكيلو مثل الزبدة، بينما السكرى بـ10 جنيهات، والعويسى يتراوح بين 18 و20 جنيهًا، وهى أسعار مناسبة جدًا لكل فئات المجتمع، قبل أن يبتسم ويضيف: الرزق كتير.. والمانجة السنة دى للغنى والفقير.

أما أبوحازم الدراويشى، فيعد أشهر بائع مانجو فى سوق الجمعة، والسبب هو خفة ظله والابتسامة التى لا تفارق وجهه، لذا يُقبل عليه الزبائن بكثرة ويتبادلون معه القفشات.

قال لنا: االحمد لله، هذا العام خير ربنا كتير أوى، لافتًا إلى أن أحد أسباب الإقبال على السوق حاليًا هو مهرجان المانجو الذى جرى تنظيمه قبل حوالى أسبوع فى الإسماعيلية، حيث زاد إقبال المواطنين من محافظات مصر المختلفة على الإسماعيلية لشراء المانجو، فهناك من ينظمون رحلات لزيارة المدينة وشراء المانجو بأسعار منخفضة. وتابع: المانجة السنة دى ببلاش، باستثناء (الفص)، يتراوح سعره بين 50 و55 جنيهًا للكيلوب.

فيما تقول أم محمود، إنها تبيع المانجو فقط طوال الموسم الممتد من أغسطس إلى نوفمبر، بينما فى بقية شهور السنة تبيع الخضراوات، مشيرة إلى أن النسبة الأكبر من زبائنها تقبل على شراء الزبدة لأنها أرخص الأنواع، فأقصى سعر لها لا يتجاوز 10 جنيهات.

الزبدة خزين وعصير

وتزدحم السوق أيضًا بربات البيوت اللواتى يبحثن عن أفضل نوعٍ يصلُح للتخزين، وقالت لنا إحداهن، إن الزبدة هى أفضل حبة مانجو يمكن تخزينها لفترات طويلة، وهى الأنسب للعصير أيضًا، لذا يُقبل على شرائها أصحاب محال العصير، حيث يتم عصرها وتجميدها فى الفريزر وتكون فى هذه الحالة صالحةً للاستخدام لعدة أشهر.

ومع انتهاء جولتنا فى السوق لم تكن رغبتُنا فى مواصلة الشراء قد انتهت، إذ قررنا أن نبتاع بضعة كيلوجرامات أخرى من المانجو، بحيث تسد آخر حيزٍ فى صندوق سيارتنا الخاصة، وانطلقنا فى طريق عودتنا إلى القاهرة، وبدت أشجار المانحو كأنها تلوّح لنا بأغصانها لتودّعنا، وتطلب منّا أن نكرِّر الزيارة فى موسم العام المقبل.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة