سامية جمال
سامية جمال


الصفعة الأولى.. على وجه سامية جمال

أخبار النجوم

الجمعة، 16 سبتمبر 2022 - 06:28 م

كتب: يحيى وجدي

على أفيش فيلم "سكر هانم" وفي التيترات (1960) سبق اسم الراقصة سامية جمال أسماء كمال الشناوي وعمر الحريري وعبد المنعم إبراهيم وعبد الفتاح القصري وحسن فايق، بل واسم زوزو ماضي الذي أبرزه المنتج فقط باعتبارها ضيفة شرف.

كانت سامية جمال قد أرست مكانتها لدى المخرجين والمنتجين باعتبارها نجمة أفيش قادرة على جذب المشاهدين ومن ثم الأرباح في شباك التذاكر، وبدأ ذلك قبل "سكر هانم" بخمس سنوات، عندما تصدرت سامية جمال أفيش فيلم "سيجارة وكاس" عام 1955 سابقة "كوكا" رغم أن كانت زوجة مخرج الفيلم نيازي مصطفى.


صارت سامية جمال تركيبة مضمونة بجمالها المغري، ورقصاتها التي ميزت بها نفسها عن نجمات جيلها آنذاك، تحية كاريوكا وزينات علوي، بأن ضفرت في الغربي مع الإيقات الشرقي، كذلك كان ملمح الحزن الواضح في قسماتها عنصرا أساسيا في اختيارات المخرجين، فقد كانت الراقصة الخفيفة قادرة أن تمتع المشاهد وتضحكه في مشهد، وتقّطع قلبه ببكاءها إذا ما انفطر قلبها على يد عشيق قاسي، في المشهد الذي يليه.

اقرأ أيضًا | خناقة على «الجزمة» بين محمد عبدالوهاب وسامية جمال

والحزن كان مكونا أساسيا في حياة سامية جمال، عانت منه كثيرا لكنها تعتبره رفيقها الأول، وهو أيضا كان دافعها في حياتها الفنية آملة أن تتغلب عليه في داخلها، ولم يحدث ذلك، حتى عندما قررت سامية جمال أن تحكي مذكراتها اختارت أن تبدأ لا من الرقصة الأولى ولا من مشهد السينما الأول في حياتها، وإنما من "القَلم" الأول.. من الصفعة الأولى على وجهها التي أورثتها حزنا لا متناه ورعبا ممتدا من المجهول ومن فقد الأحباء.

حكت سامية جمال مذكراتها ونشرتها مجلة الكواكب مسلسلة في عام 1955، وروت فيها طفولتها الفقيرة في بني سويف قبل أن تنتقل الأسرة إلى القاهرة، وتسكن على حوافها في حي بائس مع أبيها الشرس القاسي وأمها الطيبة التي لا تملك من أمرها شيء في مواجهة الزوج المستبد، وطليقة أبيها وأخوتها من أبيها.

تروي سامية جمال أن أبيها كان متزوجا وله أبناء قبل الزواج من والدتها، وحينما زف إلى أمها طلق زوجته الأولى ورماها مع أبنائه منها في الشارع، لكن زوجته الجديدة استعطفته وتوسلت إليه أن تعيش مطلقته والأبناء معها، فالسيدة البسيطة لا تملك قوت يومها وليس لها أهل يساعدونها والأزمة الاقتصادية آنذاك في منتصف العشرينيات قد تجعل السيدة تتسول طعامها وطعام أولادها، ووافق الرجل بعد إلحاح، هكذا كبرت الفتاة الصغيرة زينب كما أسمتها والدتها تيمنا باسم السيدة زينب، لكنها كانت تناديها دائما “سيدة” وسط أسرة مكونة من أب وأم وطليقة والدها وأخوته من أبيها، وتحكي سامية جمال أن الفقر كان يجبرهم أحيانا على أكل العيش والملح فقط، وعرفت الجوع مبكرا لكن حنان والدتها كان يعوضها عن الطعام والشراب وتصفها بأنها كانت “كريمة على فقرها، إلى حد أنني أتصور أنها كانت تتمنى أن تجمع الهواء الذي تتنفسه وتهبه لنا جميعا”.

وتواصل سامية جمال في مذكراتها المحكية، أن أمها مرضت مرضا شديدا، حتى نقلت إلى المستشفى. تحكي سامية جمال: "شعرت في البيت بحركات غير مألوفة، وهمسات غريبة، ولم أفهم شيئا مما حولي ولكني أحسست نذير السوء، وعندما هم أهل البيت بالذهاب إلى المستشفى، تبعتهم بغير دعوة، وسرت وراءهم حيث يسيرون، إلى أن وصلنا إلى المستشفى، وأخذوا يذرعونها صعودا ونزولا وهم يسألون.. يسألون ويسألون ولا مجيب، وكنت أتبعهم كالحالمة وكان همي أن أطفئ ذلك الشوق الذي ثار في أعماق قلبي لرؤية أمي، وأخيرا رأيتهم يسألون رجلا عن شيء لا أعرفه، فأرشدهم إلى ممر طويل ، التقوا فيه برجل آخر، وأشار إلى مكان يقع في أسفل البناء، وهناك.. في ذك المكان الذي لا تبرح صورته مخيلتي، برز لنا رجل ضخم الجثة، في ملابس بيضاء، وسأله أبي عن أمي، وذكر له اسمها، فنظر إليه الرجل الضخم نظرة طويلة صامتة، ليس فيها معنى من معاني الحياة وقال وكأن الأمر لا يعنيه: "راحت.."

وتواصل سامية جمال في المذكرات التي قصتها على صحفي مجلة الكواكب: "تاهت نظراتي حتى التقت بذلك الباب الزجاجي الذي خرج منه الرجل ضخم الجثة منذ لحظة، وأحس قلبي بأن أمي خلف هذا الباب، وانتهزت فرصة انشغالهم وتسللت دون أن يشعروا بي، وفتحت هذا الباب، فإذا أنا في حجرة كبيرة بها عدة أسرة كالموائد، مغطاة بملايات بيضاء، تحتها أجساد آدمية تنبعث منها رائحة غريبة، وفي منتصف الغرفة، وجدت أمي نائمة على إحدى الموائد، وخيل إلى أنها تحس بي كما أحس بها، فأقبلت عليها في فرحة مجنونة لأقنعها بأن تعود ولا تهرب مني بعد الآن أو تأخذني معها إذا كانت تريد الذهاب، وصحت بها أناديها وهي لا تصحو ولا تجيب! وهرع إلي الجميع وأمسكوا بي، وحملوني إلى الخارج من هذه الحجرة، وما كدت أخرج من هذه الحجرة، حتى أحسست كأنني أخرج من القبر إلى النور، ولكن هذا النور لم يدم إلا لحظة واحدة، فقد كانت مطلقة أبي تنتظرني بالباب، لتهوي بيدها الثقيلة على وجهي في صفعة قاسية ! كانت هذه هي أول صفعة في حياتي.. وأول لقاء بيني وبين أمي القادمة".

أعاد والد سامية جمال طليقته إلى عصمته بعد وفاة والدتها، لكن زوجة أبيها لم تصن معروف والدتها لها، وعذبت الفتاة الجميلة تعذيبا شديدا، ومنعتها من التعليم ومن الخروج من المنزل، وكالت لها مئات الصفعات، لكن الصفعة الأولى على باب المشرحة حيث كان يرقد جثمان والدتها، كانت مكمن الحزن الجارف في داخلها.. الحزن الذي ظل يلون وجهها حتى وهي تبتسم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة