عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


عبد الهادي عباس يكتب: "سقوط الأقنعة" والتزييف المستمر

عبدالهادي عباس

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022 - 02:55 م

من يُريد أن يتعرف بشكل دقيق على أحوال الجماهير العربية سياسيا عليه أن يُراجع السوشيال ميديا خلال الفترة الأخيرة، خاصة عقب وفاة الملكة إليزابيث، ووفاة الشيخ القرضاوي؛ إذ سنلاحظ هذا الغياب الدقيق للحس الوطني على الجانبين، بل والبلاهة التي دفعت مواطنا عربيا إلى القيام بمناسك العُمرة عن ستنا السيدة إليزابيث؛ قد تكون الملكة قد خدمت قومها ولكنها لم تخدمنا فهم أحق بالاحتفاء بها منا؛ وإذا كنا نرحب بالدعوات إلى الإنسانية الرحيمة فإننا يجب ألا ننسى جرائم الماضي والحاضر الاحتلالي المشين لبريطانيا للدول العربية والإفريقية، لأننا إذا نسينا فإن المجرمين لا ينسون جرائمهم، وعار أن ينسى المظلوم ظلامته ويتذكرها الظالم.

أما عن الشيخ القرضاوي، فليرحمه الله أو فليفعل به ما يشاء، فالحديث عما سيحدث بالآخرة تجرّؤ لا نتحمل إثمه، ولكن الحق لنا في مناقشة أفعاله التي نالنا ضررها،  فكيف ننسى تحريضه على الدولة المصرية ودعواته الصريحة للقتل، ودفاعه عن الإرهاب الإخواني الذي راح ضحيته مئات من شهدائنا من الجيش والشرطة بل وتبريره وتأويله؛ كيف ننسى كل هذا ونقف محايدين، أي حياد هذا الذي يساوي بين القاتل والمقتول، بين المجرم والضحية؛ بل إن النكتة الأكبر أن يكتب أحد "المبدعين" على السوشيال ميديا: "الآن مات الفقه بموت الشيخ القرضاوي"، أي فقه هذا الذي قدّمه القرضاوي إلى الأمة الإسلامية، وإنني أتحدى أن يذكر لي دارسو الفقه الإسلامي خمسة كتب مؤثرة للقرضاوي أو أن يكونوا قد قرأوا إحداها، فما بالنا بهذا "المبدع" الذي يخوض مع الخائضين؛ ولكنها الطنطنة الإخوانية الفارغة التي تجعل من الحبّة قبّة، ومن الركام جبالا شاهقة!     

ومن هنا وفي هذه العتمة السياسية وغياب الوعي نحتاج دوما إلى كواشف النور والتبصير، نحتاج إلى من يأخذ بأيدينا إلى الطريق المستقيم ويكشف الزيف الرابض منذ سنوات في البصر والبصائر التي تنظر إلى الأمور نظرة سابقة التجهيز والإعداد دونما إعمال للفكر في التحليل والمناقشة، ومن ثم تصبح الأقنعة هي الوجوه المعلبة التي يُصدقها الجمهور بكل أريحية وسذاجة!

في كتاب جديد لصديقي المبدع الدكتور أسامة السعيد، مدير تحرير الأخبار، والذي جاء بعنوان: "سقوط الأقنعة.. صورة الإسلام السياسي في زمن الثورات"، يواصل السعيد بأسلوبه التحليلي الرشيق دراسة الجماعات الإسلامية منذ ما عُرف بثورات الربيع العربي، كيف كانت وكيف أصبحت، وهل كانت الثورة داعمة لها أم كاشفة لضمائرها، وما الاستفادة التي حققتها هذه الجماعات على المستوى الإعلامي.. وغيرها من عشرات الأسئلة التي يجيب عنها هذا الكتاب الدسم في مادته العلمية وتبويبه الرائع، والذي يعلن لكل قارئ حصيف أن صاحبه متخصص في دراسة هذه الجماعات منذ فترة باكرة من حياته، إضافة إلى المنهجية العلمية العالية التي تصل بالمقدمات إلى النتائج ومن التحليل الدقيق إلى عمق القضايا الخافية عن معظم المتابعين؛ ثم ذلك الأسلوب الأدبي الذي عُرف به السعيد باعتباره أولا وقبل أي شيء آخر كاتبا روائيا وقصصيا فريدًا، أو على الأقل هذا ما أعتقده فيه وأقوله له.    

هناك صحفيون وهناك أسامة السعيد، هناك أنواع متعددة للأقلام الحبر والجاف وهناك القلم الباركر واليونيبال؛ أسامة قلم باركر ثمين، نسيج وحده في الكتابة الصحفية والإبداعية على السواء، وقليل من الصحفيين مَن يملك موهبة الجمع بين الأسلوبين ولا يكون أسيرًا لدى أسلوب منهما؛ ومن يقرأ كتابه الجديد هذا لا شك سيُدهش من هذا التحليل العلمي الدقيق، الذي هو إحدى ثمرات الدكتوراه والبحث العلمي الذي لم ينفصل عنه حتى الآن، وهو ما نحتاج إليه الآن أكثر من أي وقت مضى في حربنا المتواصلة ضد الجماعات الإرهابية ذات العقول الشيطانية التي تتوغل بيننا وتنسلّ خفية إلى بيوتنا بحجة الدفاع عن العقيدة، وهو ما نرجو أن يتوافر له ألف "أسامة" يكتبون بصورة عميقة في تحليل الإسلام السياسي وأسباب علوه وغلوه ثم انخفاضه وارتكاسه سياسيا وشعبيا.

تحية إلى صديقي الدكتور "أسامة" على هذا الإبداع المكين والكتاب المبين، وأرجو أن أكون من مجاوري "السعيد".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة