د. إلهـــام سيـــف الدولـــة حمـــدان
عودة الابن الضال .. وهشام سليم !
الخميس، 06 أكتوبر 2022 - 01:42 م
عندما تنطفيء “شمعة” ــ بالتعبير المجازي في لغتنا العربية ــ كانت تبدد الظلام المادي والمعنوي من حولنا؛ ويجيء هذا الانطفاء المفاجيء ــ رغمًا عنها ــ تحت وطأة رياح المرض الفتَّاك العُضال؛ هذا المرض الذي لانملُك له صدًا ولا ردًا .. لأنها جزء لايتجزأ من رياح الأقدار؛ وتنفيذًا للمسطور في سيناريو المصير المحتوم؛ نجد أنفسنا ـ بلا إرادة ـ نسقط في “بئر الذكريات” العميق؛ في محاولة لتجميع بعض الصور التي كانت تُبهرنا بها تحت “سرسوب” الضوء المُنبعث من “فتيلها”؛ وتمنحنا القدر الكبير من السعادة والبهجة والجمال والإبهار .. والدهشة
وحين خبت وانطفأت “شمعة” الفنان هشام سليم؛ بعد صراع طويل مع المرض؛ نسمح لأنفسنا أن ندلي بدلونا في “بئر الذكريات” .. لنسترجع سويًا خطوات هذا الرجل على طريق الفن؛ وكيف تحول من “مشروع لاعب كرة قدم” إلى “ممثل”؛ ونتذكر كيف تمرد على فكرة النجومية في “كرة القدم” ـ برغم براعته فيها - بحكم نشأته وانتسابه لوالده لاعب الكرة الكابتن/صالح سليم أسطورة كرة القدم المصرية؛ وعندما أجاب عن سؤال عن سر هذا التحول في حياته .. قال :
“ .. مفيش مقارنة مع أبي .. صالح سليم نموذج لا يتكرر.. ومهما وصلت لأي شىء فى كرة القدم .. لن أصل إلى ما وصل إليه .. وحتى الآن لم يصل أحد إلى مجده .. لكن فى الفن أنا أحسن ... “ !
وبهذه الروح المتمردة من خلال الثقة والاعتزاز بقدراته؛ دخل إلى عالم الفن وإلى قلوب الجماهير من الباب الملكي في أول إطلاله له على الشاشة الكبيرة .. وأمام من ؟ أمام سيدة الشاشة العربية /فاتن حمامة ! ليجسِّد شخصية “الفتي المراهق” المتمرد على تسلُّط وجبروت “سلطة الأمومة” ـ من وجهة نظره ـ وينجح تمامًا في التعبير عن مشاعر ملايين المراهقين في مثل سنه؛ وليكون الظهور في “امبراطورية م” أول خطواته في عالم التمثيل؛ وليس هذا فحسب .. بل ليغرس في نفوس من هم في مثل عُمره بذور مباديء البحث عن مفهوم الديمقراطية وآفاق الحرية الشخصية؛ تلك الحرية التي يتطلعون إليها بحسب مفاهيمهم الضيقة قبل الدخول في أتون التجارب الواقعية في دروب الحياة .
ولكن حزب أعداء النجاح لم يتركوا الفتى الصاعد “في حالُه” وأطلقوا الشائعات بأن اختياره في هذه السن المبكرة؛ لم يكن بمحض الصدفة أو لموهبته في هذا المجال؛ وإنما تم مجاملة واستنادًا إلى شهرة أبيه الكابتن صالح سليم “رئيس جمهورية الأهلي” !! ولكنه لم يهتز أمام تلك الشائعات المُغرضة الهدَّامة؛ بل اشتد إيمانه بموهبته الكامنة في أعماقه .
ثم تتوالى النجاحات على يد صائد اللآليء في أعماق بحار السينما المصرية ومكتشف النجوم المخرج الكبير/يوسف شاهين؛ حين يُسند إليه دور العمر في فيلم “عودة الابن الضال” فى مواجهة الفنانة ماجدة الرومى ليُشكلا ثنائيا لا يزال يتصدر قصص الحب والمواقف الرومانسية إلى يومنا هذا؛ وجاء قيامه بهذا الدور ردًا قاطعًا على الشائعات المُغرضة ولتأكيد عودة هذا “الابن” الي درب النجاح والتنبوء بالشهرة القادمة في مستقبل الأيام .
وبرغم كونه يحمل شهادة جامعية حصل عليها بعد التخرج في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان؛ إلا انه آثر أن يغيب عن الوسط الفني في مصرنا المحروسة؛ من أجل صقل موهبته والعمل الدءوب على تحقيق طموحاته وتطلعاته؛ ليذهب إلى العاصمة البريطانية “لندن” ليبدأ دراسة الفن فى “الأكاديمية الملكية للفنون” ؛ تلك الأكاديمية العريقة التى تخرج منها الكثير من الفنانين؛ والتي تأسست في عهد “الملك جورج الثالث” وتم إنشاؤها من أجل دعم الفنون في فروعها كافة؛ ومن المعروف أنه من يتخرج من هذه الأكاديمية يصبح فناناً محترفًا ومبدعًا؛ ويقوم العلم والدراسة بالإضاءة والدعم لإظهار جوانب الموهبة الكامنة في أعماق الفنان .
ويعود “هشام سليم” القادم إلى درب الحياة في 27 يناير 1958 ليظهر من جديد فى مرحلة الشباب الغض ــ وتخطي مرحلة المراهقة شكلاً وتشكيلاً ــ ليخطف الأنظار فى فيلم “تزوير فى أوراق رسمية” أمام الفنانة الكبيرة/ ميرفت أمين .. في العام 1984؛ أي إنه ــ وقتذاك ــ كان في ريعان الشباب وقمَّته ويرفل في أعوامه السادسة والعشرين من العمر !
ولم يتوقف قطار الإبداع في حياة الراحل هشام سليم؛ فقد توالت الأدوار بين السينما والتلفزيون؛ لينتزع الإعجاب والنجاح بين الجماهير لاختياره الشخصيات التي يلعبها بعناية ويؤديها بكل البراعة والإتقان؛ وبخاصة عندما قام بتجسيد شخصية “عادل البدري” في رائعة الكاتب /أسامة أنور عكاشة : “ليالي الحلمية”؛ وليزاحم كل أبطال هذاالمسلسل التاريخي في التألق والنجومية والنجاح .
وقد يطول بنا الحديث لمحاولة الإشارة إلى كل الأدوار التي لعبها ـ لضيق المساحة ــ ولكني أحاول الإشارة في عُجالة إلى تجسيده لشخصية “ بهلول” فى فيلم الأراجوز؛ وقام بالدور امام الفنان العالمي /عمر الشريف !
رحم الله الراحل المحبوب الذي استشعر كل مصري أنه فقد ابنا أو أخا أو أحد أفراد عائلته المقربين ،فلم يكن غريبا في ديارهم بل أقرب الأقرباء لقلوب محبيه ومعجبيه..ويقيني أن المبدعين لايرحلون بل يغيرون عناوينهم..وها هو قد غير عنوانه..وداعا هشام سليم!
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة