جلال عارف
جلال عارف


جلال عارف يكتب: العالم يتغير.. والضعفاء يدفعون الثمن

جلال عارف

الجمعة، 07 أكتوبر 2022 - 10:29 م

ما أن صدر قرار تجمع «أوبك +» الذى يضم أعضاء «أوبك» بالإضافة إلى روسيا و 12 دولة أخرى منتجة للبترول حول تخفيض الإنتاج، حتى سارع البيت الأبيض بالإعلان عن الغضب الأمريكى، وأن الرئيس بايدن محبط من قرار «أوبك» الذى وصفه بأنه قصير النظر، وأن أمريكا ستتخذ كل الإجراءات لمواجهة الموقف.

هناك محاولات للتخفيف من ردود الفعل على القرار بالتأكيد على أن التخفيض الفعلى سيكون فى حدود مليون برميل وليس مليونين كما نص القرار، وبأن فى السوق فائضاً يزيد على ذلك بسبب الركود الذى يسيطر على اقتصاد العالم، وبأن الوضع ستتم مراجعته كل شهرين.. لكن كل ذلك لا يعنى شيئاً لكبار المستهلكين وهم يرون أسعار البترول تبدأ فى الصعود فور صدور القرار، ولا يهدئ الأوضاع فى سوق مضطرب بالفعل، وفى ظل أزمة اقتصادية هائلة يعانى منها الجميع.

لكن الصدمة الأمريكية تتجاوز كل ذلك إلى المخاطر الأكبر من وجهة نظر الإدارة الأمريكية.. هناك العاجل والأهم وهو انتخابات التجديد النصفى للكونجرس التى يواجه فيها الديموقراطيون خطر فقد الأغلبية البسيطة فى أحد المجلسين أو كليهما، وهو ما يجعل الرئيس بايدن مقيد الحركة فى النصف الثانى من ولايته. ولاشك ان رفع سعرالبنزين بالنسبة للمستهلك الامريكى سيكون ضربة قاصمة للرئيس بايدن والديموقراطيين.

بعيداً عن ذلك فإن اقتصاد أمريكا قادر على استيعاب الموقف ومواجهته. لكن الاخطر قد يكون فى الجانب السياسى للقرار. فقد تم الكشف عن جهود هائلة بذلتها واشنطون وضغوط مارستها قبل اجتماع «أوبك +» وفشلت كلها فى منع إصدار القرار بل تم الأخذ بالحد الأقصى لتخفيض الإنتاج!! وهو ما يعنى تدهور النفوذ الأمريكى عند دول تمتلك ٨٠٪ من الاحتياطى العالمى للبترول!
ويزيد من قسوة الوضع أن القرار يأتى بمشاركة روسيا ولصالحها، بعد كل الجهود المحمومة التى بذلتها واشنطون لحصار روسيا وفرض العقوبات عليها وعزلها سياسياً واقتصادياً. يجىء القرار ليؤكد أن روسيا غير معزولة، وأنها تبنى شراكة فاعلة فى منطقة خطيرة وسلعة أساسية كانت لأمريكا كلمتها العليا فى القرارات بشأنها!!

يتصل بذلك أن شركاء الحرب فى أوكرانيا من الحلفاء الأوروبيين يعانون بما فيه الكفاية من تبعات الحرب، ومن نقص الطاقة، ومن ارتفاع هائل فى الاسعار، ومن ميزانيات تتضاعف للسلاح(!!) وأن الخوف فى أوروبا يتصاعد من استمرار الحرب وتمددها، ومن تدهور الاقتصاد، ومن حركات احتجاج ونفوذ يتزايد لليمين المتطرف. وسيكون على واشنطون أن تقدم إجابات لأسئلة أوروبية تتصاعد حول جدوى الاصرار الأمريكى على استمرار الحرب التى تخوضها واشنطون عن بعد وتخوضها أوروبا على حدودها المشتعلة، وفى عواصمها المهددة!!

ووسط هذا كله يبدو الغائب الأكبر هو مصلحة الشعوب. التى تعانى، وخاصة فى الدول الفقيرة التى تدفع تكلفة صراع الأقوياء.. مع أزمة غذاء، وارتفاع أسعار وركود اقتصادى، والتى مازالت تفتقد  منبراً يجمعها ويسمع العالم صوتها كما فعلت يوماً من خلال حركة عدم الانحياز التى كانت مصر أحد أبرز قياداتها.
العالم يتغير، والطريق للتغيير صعب ومؤلم. لكن ليس من العدل ولا من المنطق أن يتصارع الكبار على النفوذ، وتدفع الشعوب تكلفة الصراع!!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة