أحمد الإمام
أحمد الإمام


أحمد الإمام يكتب: الموت ببطء

الأخبار

الخميس، 13 أكتوبر 2022 - 06:02 م

«يموت ببطء من لا يسافر.. من لا يقرأ.. من لا يسمع الموسيقى»
منذ اللحظة الأولى التى قررت فيها الخروج من الجنة ومغادرة رحم الأم الواسع إلى دنيانا الضيقة ستجد نفسك فى ماراثون لا ينتهى ممتد بطول عمرك، وخط النهاية فى هذا الماراثون الطويييييل هو شهادة وفاتك.

ستظل تجرى بأقصى سرعتك بدون حتى أن تمنح قلبك المرتجف فرصة لالتقاط الأنفاس ومواصلة السباق السرمدى المحموم.
هتجرى فى المدرسة حتى تحصد أعلى الدرجات التى تكفل لك الالتحاق بكلية من الكليات التى يطلقون عليها كليات القمة رغم أن خريجيها يزاحمون أصحاب المعاشات على مقاعدهم بالمقاهى.
هتجرى للالتحاق بالوظيفة المرموقة التى توفر لك مركزًا اجتماعيًا مميزًا وراتبًا يكفى احتياجاتك.
هتجرى عشان تعمل فلوس وتبقى أشطر واحد وترضى غرورك.
هتجرى عشان تدفع أقساط وجمعيات وتحسن مستواك و ترضى طموحك.
هتجرى علشان تربى أولادك وتحقق لهم كل اللى نفسهم فيه.
هتجرى علشان تشيل حمل بيتك وأولادك وزوجتك وتبقى الزوج المثالى والأب الجميل اللى بيقول حاضر من غير مشاكل.

وفى وسط هذا الماراثون الرهيب لن تجد وقتا كافيا لتسأل نفسك.. هل يشعر أحد بكل ما تفعل .. هل يقدر أحد كم التضحيات التى تبذلها لإسعاد كل من حولك على حساب سعادتك وراحتك وصحتك.. هل يشعرون أن ما تفعله خارق للطبيعة أم أنه العادى الذى يجب أن يقدمه كل أب وكل زوج؟!

الله وحده أعلم بالإجابة بس الحقيقة أنك هتفضل تجرى وتجرى وتجرى، والماراثون عمره ما بيخلص، وخط النهاية هيفضل دايما بعيد.
بس فى وقت من الأوقات هيبتدى نفسك يتقطع وهتبدأ سرعتك تقل.. هنا بس هتقف وتبص وراك وتشوف المسافة الطويلة اللى قطعتها وهتكتشف أنك جريت كتييير بس نسيت حاجة مهمة جدا.. نسيت إنك تعيش.

نسيت تعمل اللى بتحبه مش اللى بيحبه الناس.. نسيت تستمتع بحياتك زى ما أنت عايز مش زى ما الناس عايزه.. نسيت تروح الأماكن اللى بتحبها.
وهناك قصيدة معبرة بشدة عن هذه الحالة أرسلها لى صديقى الطبيب المثقف رؤوف رشدى من إبداعات الشاعر التشيلى ﺑﺎﺑﻠﻮ نيرودا الفائز ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻸدب ﻋﺎم 1971 وتحمل عنوان «يموت ببطء»
يموت ﺑﺒﻂء.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﺎﻓﺮ.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺮأ.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﺠﻴﺪ اﻻﻫﺘﺪاء ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ.
يموت ﺑﺒﻂء.
ﻣﻦ ﻳﺘﻠﻒ ﺣﺒﻪ اﻟﺨﺎﻟﺺ.
ﻣﻦ ﻳﺤﺠﻢ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة.
يموت ﺑﺒﻂء.
ﻣﻦ ﻳﺼﻴﺮ ﻋﺒﺪاً ﻟﻠﻌﺎدة.
ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻧﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻖ.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ أﺑﺪاً ﺳﻤﺘﻪ.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﺠﺎزف ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﻟﻮن ﻣﻼﺑﺴﻪ.
أو ﻣﻦ ﻻ ﻳﺘﺤﺪث إﻟﻰ ﻣﺠﻬﻮل.
يموت ﺑﺒﻂء.
ﻣﻦ ﻳﺘﺠﻨﺐ اﻟﻬﻮى
وزوﺑﻌﺔ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ
ﺗﻠﻚ التى ﺗﻌﻴﺪ اﻟﺒﺮﻳﻖ ﻟﻠﻌﻴﻮن
وﺗﺮﻣﻢ اﻟﻜﺴﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻮب.
يموت ﺑﺒﻂء
ﻣﻦ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ وﺟﻬﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺤﺲ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ فى اﻟﻌﻤﻞ أو اﻟﺤﺐ.
ﻣﻦ ﻻ ﻳﺮﻛﺐ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﻟﻴﺤﻘﻖ اﻷﺣﻼم.
ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺎول ﻣﺮة فى ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ
اﻟﺮﺻﻴﻨﺔ.
ﻋﺶ ﺣﻴﺎﺗﻚ اﻵن
ﺟﺎزف اﻟﻴﻮم
ﺗﺼﺮف ﺑﺴﺮﻋﺔ
ﺗﻔﺎدى اﻟﻤﻮت اﻟﺒﻄﻲء.
ﻻ ﺗﺤﺮم ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة.
أخلاقنا

أعجبتنى بشدة الحملة الراقية التى دشنتها الشركة المتحدة على جميع قنواتها تحت عنوان «أخلاقنا الجميلة» وهو هدف نبيل بلا شك وخاصة فى ظل الانفلات الأخلاقى غير المسبوق والذى أصاب مجتمعنا كالسرطان فى الفترة الأخيرة.
أصبح الصوت العالى هو الغالب فى معظم الحوارات حتى بين الأصدقاء وزملاء العمل والدراسة والجيران وحتى داخل الأسرة الواحدة.
أصبحت الألفاظ السوقية المبتذلة التى كان يقشعر الجبين لسماعها مجرد مصطلحات عادية يرددها الجميع فى تعاملاتهم اليومية، على الرغم مما تعكسه الأفلام القديمة عن رقى وتحضر فى أسلوب الكلام والتعامل بين المصريين.
وأبسط مثال على ما كنا عليه وكيف أصبحنا، ما طالعته على صفحات التواصل الاجتماعى حيث كتب الكاتب الصحفى الراحل فكرى أباظة بأسلوبه الساخر فى ثلاثينيات القرن الماضى قائلا «إن الشاب الصفيق من هؤلاء يتعمد الوقوف على رصيف محطة الترام من المكان المخصص لركوب السيدات، وعندما يجد سيدة تقف بمفردها، يقترب منها بمنتهى البجاحة ويقول لها دون سابق معرفة، بنسوار ياهانم!».
تلك العبارة تُظهر مدى التطور السلبى الذى حدث فى هذه الظاهرة، ولو أن الكاتب الكبير فكرى أباظة كان حياً ويتجول فى الشارع حالياً لأصيب بالصدمة والدهشة من حجم التحرش اللفظى والجسدى الذى تتعرض له المرأة فى الشارع وأماكن العمل وحتى فى البيت من أقرب الأقارب، ولاكتشف أن ما كان يحدث فى الفترة التى كتب فيها هذه الجملة كان رقيا وتحضرا وليس تحرشا.
خلافات الجيران وأسلوبهم الفج فى التعامل مع بعضهم البعض جعل من خلافات الجيرة مسرحا لعشرات المشاجرات والجرائم شبه اليومية وهو ما يتناقض مع الأسلوب المتحضر الراقى الذى كان يتعامل فيه جيران الزمن الجميل مع بعضهم البعض وحرصهم على روابط الجيرة وصون حقوق الجار.

وقدمت لنا صفحات التواصل الاجتماعى أيضا هذه الرسالة التى كتبها الفنان الراحل سليمان نجيب لجاره نموذج فى أسلوب التعامل بين الجيران قديما حيث قال فى رسالته «جارى العزيز سالم بك القرنفلى
تحية طيبة وبعد ..
نظرًا للقيام بعمل مضيفة فى حديقة السراية، نخطركم بأنه سيكون هناك ضوضاء بدءًا من الساعة الثانية عشرة ظهرًا حتى الواحدة و النصف، نأسف لأزعاجكم، ولكنها لن تستغرق أكثر من ٣ أيام.
وبعد الانتهاء من الإصلاحات، نود أن ندعوكم لحفل شواء فى الحديقة الجمعة القادمة بأمر الله تعالى، للاحتفال بانتهاء تصوير فيلم «الزوجة السابعة» مع كاست الفيلم محمد فوزى والشابة مارى كوينى والصديق العزيز إسماعيل ياسين، وهى فرصة لطيفة للقاء، وخاصةً والطقس عليل هذه الأيام...
نشكركم على تفهمكم
والسلام ختام.
سليمان نجيب

هذه كانت رسالة الفنان الراحل سليمان نجيب الذى كان ينوى بناء مضيفة فى السراية المملوكة له، وقبل أن يبدأ العمل أبلغ جاره حتى لا تسبب له هذه الأعمال أى إزعاج.. شوفوا كنا فين وبقينا فين؟!
الآن ممكن أى شخص يرتكب جريمة إذا أخبرته زوجته أن غسيل الجيران بينقط عليهم!
لذلك جاءت حملة «الشركة المتحدة» فى وقتها تمامًا لإيقاف النزيف الأخلاقى الذى يعانى منه المجتمع وتصويب بعض السلوكيات الخاطئة، ولكن هذه الحملة مع نبل مقاصد القائمين عليها لن تؤتى ثمارها ما لم تتعاون معها المؤسسات الدينية المتمثلة فى الأزهر والكنيسة.
التربية تبدأ من المنزل وتكتمل فى المدرسة وتنتهى فى الدراما التى يجب أن تنمى القيم الأخلاقية الراقية وتبرز النماذج المضيئة بعيدًا عن نماذج البلطجة والإجرام التى سادت وأصبحت تمثل أسوأ قدوة لأطفالنا وشبابنا.
قالوا
- ثلاثة لا تحبهم المرأة: امرأة أجمل منها ومن يسألها عن عمرها ومن يسألها عن ماضيها.
شكسبير
- لا تبحث عن السعادة فى نفس المكان الذى فقدتها فيه.
- أحسن الظن بالناس وكأن كل الخير فيهم .. واعتمد على نفسك كأنه لا خير فى الناس.
- من يسأل يكون أحمق لدقائق ومن لا يسأل يبقى أحمق للأبد
حكمة صينية
- ان كان عدوك ينوى الرحيل شيد له جسرا من الذهب ليعبر عليه
حكمة يونانية

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة