عبدالرحيم كمال
عبدالرحيم كمال


يوميات الأخبار

إهدار البال العام

الأخبار

السبت، 29 أكتوبر 2022 - 08:37 م

هناك فئة من المصريين انعم الله عليهم بالمال الوفير وشهدت الشواهد بوطنيتهم وهنا أنتهز الفرصة لإطلاق تلك الدعوة لإنقاذ التعليم فى مصر

وهو أخطر كثيرا من إهدار المال العام

فالبال و(روقانه) يمثل أعظم وأثمن الأشياء على الاطلاق، وراحة البال هى التى يبنى عليها كل شيء، والساعون لإهدار البال العام، بتكسير قيمة ما أو تقديم عرض فنى سيئ، أو خلق (ترند) يثير البلبلة فينقسم حوله الناس، أولئك هم المهدرون لبالنا العام، وكما أن هناك عقابا للفساد وإهدار المال العام، يجب استصدار قانون مغلظ على من يثبت تورطه فى إهدار البال العام، ولأن الإنسان يجب أن (ياخد باله) فبأى شيء سيستطيع أن يأخذ باله إذا استمر استنفاد طاقته وإهدار باله، ولأن صاحب البالين كذاب، والثلاثة منافق، فلن يجد من أهدر باله بالا يجعله ينطق بالصدق، ولن يجد حتى الكذاب والمنافق بالا يستخدمانه، إذن الأمر خطير جدا، والبال المشغول الذى غنى له محمد عبدالوهاب (بالك مشغول يا شاغل بالي)، لن يكون مشغولا فقط، بل مهدر، واذا أراد أحدهم ان يسامر صديقه، ويفتح معه الحوار بالجملة الشهيرة : بالك انت …

سرعان ما سيتوقف عن الاسترسال، ويبلع الكلمة حينما يدرك أن صديقه بلا بال..

كان لنجار ماهر الصيت الكبير، وتحدثت الناس فى أرجاء البلاد بمهارته وموهبته، وإتقانه لصناعته، ومر به درويش وسأله سؤالا واحدا: هذا الإبداع الذى تصنعه بالخشب بتلك المهارة هل هو خبرة ومهارة ام أنه بال رائق؟

 رد النجار دون تردد: بل صنعة ومهارة، فاحتال الدرويش وأرسل الى بيت الرجل فى غيابه هدية، وعاد النجار وعلم بالأمر، واحتار عقله: من الذى أرسل تلك الهدية لزوجتى فى غيابى؟ وهل بينهما شيء ما؟

 انشغل باله وفشلت يده الماهرة فى صنع شيء، واحترق عقله من الحيرة، وفقد قدرته تماما على صنع شيء من الخشب، حتى مر الدرويش وكشف له الأمر وسأله مرة أخرى:

 هل الأمر صنعة ام بال رائق؟ 

فأجاب وقد وعى الدرس: بل هى بال رائق. والحفاظ فى تلك الأيام المضطربة على البال الرائق هو فرض عين على كل إنسان، على مر العصور لم تتوقف أبدا الطبول عن الدق فوق الرءوس، والمصريون يمتازون دوما بالبال الرائق الهادي، والضحكات كانت تجلجل ليلا ونهارا، فتهتز لها المقاهى والبيوت حتى يظن المار ان صاحب هذه الضحكة هو أغنى الأغنياء. جاء المحتل وخرج مخزيا ذليلا مهما طالت فترة الاحتلال وظلت ضحكات المصريين عالية مدوية مهما كانت الظروف، أتت الحرب العالمية الأولى والثانية وارتفعت الأسعار وظل المصرى يقاوم ضيق الحال بهدوء البال وكأنه سلاحه الأقوى، جاءت النكسة وتلاها النصر المبين فى أكتوبر والمصرى مبتسم واثق، لذا كان لزاما علينا ان نحافظ على ذلك البال فصاحب البال الحسن قادر على صنع المعجزات، ومن تعكر باله صارت حياته جحيما، لا تترك أحدا يعكر مزاجك، ويشغل بالك، ويدخلك فى الحيرة الشيطانية، تلك هى حبائله وتفاصيله التى يكمن فيها، وكن على يقين ان من يحاول تكدير صفوك هو شخص مغرض، يحاول ان يقتل أجمل ما فيك، مرت فترات الاستعمار وفترات الحروب ومرت كورونا، وستمر الأزمات، تلك هى سُنة الحياة، وسنة الله فى خلقه ألا يدوم حال، فلا تجعل أحدا يفقدك ما تملك من قوة، وقوتك فى سلامك النفسي، فى راحة بالك، اجعل قلبك مع من يبشرك وابتعد عمن ينفرك، ليس عن تغييب وبلاهة بالتأكيد، ولكن عن وعى عميق وأصيل أنك إنسان قوى قادر على مقاومة الأزمة بالإيمان، والثقة بالله، ثقة تجعلك مبتسما هادئا مطمئنا، فاذا ارتفع الدولار، فلترتفع طاقتك الإنتاجية، والطاقة والهمة فى حاجة الى انسان هادئ متزن طويل البال، وطول البال لا يقصره الا اليأس، نعوذ بالله منه، فليكن حبل بالك أطول كثيرا من أن يطوق رقبتك، ولا تجعل ولا تسمح لكائن من كان، أن يهدر بالك، ولأن البال هو سر الانسان الشخصى الذى يحتفظ به مستقرا مطمئنا، ولا يكشفه ولا يجرحه أحد، قال المصريون الجملة الشهيرة: اللى بالى بالك، وكأنه الشفرة والسر المشترك بين المصريين، السر المشترك الذى نحافظ به جميعا على بالنا العام، الساحة الآن مرتع لأولئك العابثين بالبال العام، وهنا تأتى المقاومة الشريفة من أجل إنقاذ البال العام، قاوم هؤلاء المرجفين فى كل مدينة، وحاول ان تكشفهم وتتجاهل دعواتهم الشريرة لإحباطك، وانشغال بالك، لا تجعلهم يعبثوا بمؤشر اتزانك النفسى أنّى شاءوا، وتأمل وجوههم وملابسهم وألسنتهم، لماذا يرتدون افخر الثياب، ويسكنون البلاد الغريبة، ويظهرون عليك فى استديوهات خارج البلاد، وينتقون اكثر الكلمات أذى وإيلاما ولؤما، ليرفعوا ضغطك ويقللوا درجة رضاك، ويتحدثوا عن معاناتك، بينما هم فى ملابسهم الثمينة الغالية التى يرتدونها من السحت، وبوجوه ممتلئة بالنعمة المحرمة، انهم يتمنون لك ريب المنون، ولا يرجون لك الا المصائب، ويعودون كل ليلة للبيات فى غرف الفنادق الغريبة وهم فى قرارة انفسهم يحسدونك، يحسدون ذلك الآمن فى سربه، النائم فى بيته وشارعه ووطنه، قاوم شرورهم ببال رائق وابتسامة مشرقة، ومزيد من الجهد والعرق، فأنت رغم الظروف تبنى لك ولأولادك وأحفادك، وتزور امواتك فى مقابرهم القريبة منك، وتخطط ليومك وغدك ونجاح اولادك وبناتك فى وطنك، وهم يشعلون النار فى جذورهم وهويتهم ومستقبلهم، ولا تظن لحظة واحدة أنهم فى حال حسنة، (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما) صدق الله العظيم.

فليس للطريد طمأنينة ولا راحة بال، ولكن سيظل يحمل سُمه ونقمته فى حقيبته، ويرحل بهما من مكان لمكان، بلا مأوى ولا عقيدة راسخة، وحيدا، بينما أنت تشارك مائة مليون مثلك حلم البناء، والغد الأفضل وشرف المقاومة، وفضيلة الاتزان النفسى والبال الرائق، وفى الداخل أيضا هناك من يحاول ان يهدر البال العام، فلا تعطه الفرصة واجعل جزءا من شرف رحلتك ان تدفع أحبابك وأصحابك وأقاربك وكل من فى رعايتك إلى حالة نفسية أفضل، كن مبشرا بالخير ميسرا لهم طريقهم، داعما لمواهبهم، حاول ان تلتمس الطاقة الإيجابية وتبثها فى نفوس من حولك، حتى ينصلح البال العام، وتذكر أن الحرب العالمية دمرت عواصم أوروبية بالكامل، واستطاعت تلك الدول بجهد وصبر رجالها ونسائها أن تعيدها كما كانت وأفضل مما كانت عليه، نحن لسنا أقل جلدا وصبرا ولن يكون الجلد والصبر الا بسلامة النفوس وهدوء وراحة وطول البال.

 التعليم والوطنيون المصريون 

هناك فئة من المصريين انعم الله عليهم بالمال الوفير وشهدت الشواهد بوطنيتهم وهنا أنتهز الفرصة لإطلاق تلك الدعوة لإنقاذ التعليم فى مصر، والتعليم هو الحلقة الأخطر على الاطلاق فى مشوار التنمية، فلا مستقبل ولا تنمية دون تعليم راقٍ، ولأن التعليم الراقى يحتاج الى أموال طائلة، كانت الفكرة التى اطرحها هى أن يتولى رجال الاعمال القادرون المساهمة المباشرة فى نهضة التعليم، وتكون تلك المساهمة مقدرة أيضا من قبل الدولة.

ماذا لو أسهم رجل اعمال وطنى وقادر فى الاهتمام بمرحلة تعليمية محددة، فيكون مثلا أحدهم هو المسئول ماديا لمدة ثلاثة أعوام عن المرحلة الابتدائية من الصف الأول الى الصف الثالث الابتدائى (مدارس وفصول مجهزة على أعلى مستوى)، وتسمى تلك الدفعة من الأطفال باسمه، تقديرا له واعترافا باستثماره الإنسانى لأبناء بلده، ويسهم رجل أعمال وطنى آخر فى المرحلة من الصف الرابع الابتدائى حتى السادس، وتكون تلك الدفعة باسمه أيضا تقديرا وامتنانا، ورجل أعمال آخر عن المرحلة الإعدادية، وهكذا حتى ينهض التعليم بيد أبناء مصر الوطنيين القادرين الأغنياء، والذين يرغبون بالرضا والاقتناع التام لما ثبت ورسخ فى قلوبهم من وطنية، ظهرت منهم قبل ذلك فى مواقف عديدة، وتظل تلك الدفعات بأسمائهم تخليدا لذلك الموقف الوطنى العظيم، إنها مجرد فكرة لإنقاذ التعليم المصرى وخلق جيل من المتعلمين، قادرين على نهضة تلك البلاد، ونقلها نقلة تستحقها مصر، ويستحقها شعبها أغنياؤه وفقراؤه.
التوك توك لا يليق بوجه مصر 

فى الوقت الذى تسعى فيه مصر وجمهوريتها الجديدة، أن تكون فى حالة افضل، وأرقى حضاريا، وتصنع حياة كريمة وعاصمة إدارية فخمة، يتحرك التوك توك بشكله غير اللائق، مشوها شوارع مصر وأحياءها وككائن عشوائى قبيح يتحرك ليفسد كل جمال، ليس من اللائق ان تظل تلك الوسيلة القبيحة تشوه الجمال المأمول، ونحن نسابق الزمن من أجل القطار السريع ونصنع المدن الساحلية التى تسر الناظرين، ثم تأتى تلك التكاتك تقسم الصورة الى قسمين؛ قسم عشوائى حتى لو كانت مبانيه جديدة وقسم راقٍ، أتمنى ان تختفى وسيلة التوك توك بسلوكياتها واخلاقها وانوارها العجيبة وصوت الكاسيت العالى والأطفال الأقل سنا من المراهقين الذين يتجولون فى شوارع وحارات القاهرة والعديد من المحافظات، هو نغمة نشاز وسط أوركسترا سيمفونى ترتدى أفخم الملابس وتعزف أرقى الألحان، أتمنى ان أستيقظ يوما فلا أجد أثرا لذلك الكائن الحديدى الأسود القبيح فى الشارع وكأننا مدينة من المدن المجهولة، ولا ينقصنا سوى المحفات التى يجرها البشر ويجرون حفاة شبه عراة بالركاب، فى الشوارع الضيقة، كما كان الوضع فى بعض الدول الآسيوية المكتظة بالسكان قديما، ليختفى هذا التوك توك تماما من الجمهورية الجديدة حتى تكون جديدة وجميلة بالفعل .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة