محمود الوردانى يكتب: سحر الخطوبة
محمود الوردانى يكتب: سحر الخطوبة


محمود الورداني يكتب: سحر الخطوبة

أخبار الأدب

السبت، 05 نوفمبر 2022 - 04:26 م

[email protected]

وقعتُ في غرام قصة الخطوبة للراحل بهاء طاهر مبكرا. لم أفهم دلالاتها جيدا حين قرأتها فى العدد الخاص الذى أصدرته مجلة جاليرى 68 عن القصة القصيرة فى العام نفسه، أو لم أستوعبها فقد كنت فى الثامنة عشرة من عمري، لكننى انجذبت إليها بشدة. قرأتها عدة مرات بعد ذلك، وفى كل مرة كنتُ أعيد اكتشافها.


والقصة عن شاب يذهب إلى بيت خطيبته ليطلب يد الخطيبة من أبيها، ويتحول الأمر بنعومة وتؤدة إلى كابوس يخنق الشاب على مَهَل، والأب يستدرج الشاب ليوقعه فى شَرَك تلو الآخر. القصص عموما من الخطأ تلخيصها كما فعلت لتوي، والمهم هو كيف كتبها بهاء، والجو الذى صنعه ليحكى قصته، واللغة المحايدة الخالية من الحشو والوقوف على الحافة: الحافة المرعبة التى يوشك الشاب على الوقوع فيها.


و استمتعت بعد ذلك بأعماله التى توالت ولكن بعد سنوات طويلة، فقد نشر مجموعة الخطوبة فى وقت متأخر بالنسبة لجيله، بل هو آخر من جمع قصصه فى مجموعة عام 1972 وصدرت فى سلسلة الجديد التى لم تكن تحظى بسمعة طيبة، ورئيس تحريرها هو رشاد رشدى المعروف بقربه الشديد من السادات.


على أى حال، أود هنا أن أشير إلى أن بهاء كان حاضرا بقوة فى الحياة الثقافية بوصفه كاتبا ومترجما ومخرجا للدراما ونائب مدير البرنامج الثانى فى الإذاعة فى ذروة ازدهاره. وفى عام 1971 قام السادات بانقلابه وألقى بمن أسماهم مراكز القوى فى السجون.

وعلى الجانب الإعلامى والصحفى جرت أضخم « حملة تطهير»، بموجبها تم رفت وإقصاء من أطلق عليهم «الملحدون»، وللرئيس السادات مقولة شهيرة هى «لن يتولى فى عهدى ملحد مكانا فى الإعلام» تقريبا بالنص.

وفى زيطة كهذه تم إزاحة بهاء طاهر على نحو غادر، كما هاجر العشرات بعد شهور من الكتاب والصحفيين مثل احمد عباس صالح وحجازى وغالى شكرى وأمير اسكندر والسعدني.. وغيرهم وغيرهم ممن أطلق عليهم الطيور المهاجرة.


فى هذه الفترة توقف عن الكتابة، ربما ترجم مسرحية أو اثنتين، وبعد سنوات كتب «قالت ضحى» التى أثّرت فى أجيال، ومازالت مؤثرة، شأنها شأن المجموعات القصصية والروايات التالية. بهاء كاتب مقروء جيدا وأحبه قراء كثيرون، وستبقى أعماله على الرغم من اللغط الدائر حول مواقفه، والالتباس الذى أحاط ببعض مما ينسب إليه من مواقف بعد الثورة.


وبعد إزاحته عام 1971 لم يستسلم للغدر، بادر بالاشتراك فى دورات مكثفة ليتقن الفرنسية إلى جانب الإنجليزية التى يتقنها، واجتاز الامتحان الذى تعقده الأمم المتحدة، وعمل مترجما فى مقرها فى جنيف منذ عام 1981 وحتى عام 1995 واستقر بعدها فى مصر وتوالت أعماله التى لم تنقطع.

وبالنسبة لي، أنا الذى توافّرت على أعماله وفُتنت بها واستمتعت وتعلمت، كاتب كبير حقا، قادر على تشييد أبنية سردية خاصة به، تميّز بها وانفرد. اقتحم عوالم مبهرة فى المدينة والقرية وفى عدة مدن أوربية.

وصاغ عوالم وشخصيات وصراعات، دون أن يصرخ أو يهلل. كان بهاء صناعته الكتابة، أخلص لها وعكف عليها. بالنسبة لى بهاء ليس مجرد كاتب موهوب، بهاء مكانة متميزة وخاصة فى السرد العربى بكامله.
وأخيرا .. مع السلامة ياعم بهاء كما كنت أناديه دائما.

اقرأ ايضا | محمود الوردانى يكتب: هل تريد أن تتعرف على الإسكندرية؟! ( ٣ - 3 ) لحظات هاربة للمدينة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة