عبد الله البقالي
عبد الله البقالي


حديث الأسبوع

سخاء لتمويل الدمار وبخل فى إسعاف الضعفاء

الأخبار

السبت، 05 نوفمبر 2022 - 05:31 م

كشف تقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى عن معطيات وحقائق مقلقة تتعلق بالأزمنة الصعبة والقاسية التى تنتظر مجموعة من دول العالم، وبسبب التطورات المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى العالم بأسره، التى يتسبب فيها الكبار ويتواجه فيها الأقوياء بصفة مباشرة، ويدفع فاتورتها الغالية الضعفاء من بنى البشر.

تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى الأخير تناول بالدراسة والتقييم قضية واحدة من القضايا التى تبدو أكثر استعصاء، لكنها قد تكون الأكثر سهولة إذا ما توافرت إرادة تجسيد قيم التضامن العالمي، الذى يستند إلى مساعدة القوى للضعيف، ويتعلق الأمر بقضية الديون المستحقة على الدول الضعيفة والمحتاجة. حيث تحدث التقرير بالوضوح الكامل عن (الخطر الذى يتهدد عشرات الدول النامية بسبب أزمة ديونها التى تتفاقم بسرعة) وينبه التقرير إلى أن 54 دولة، تمثل أكثر من نصف سكان العالم، بحاجة الآن إلى تخفيف فورى للديون لتجنب زيادة الفقر، ومنحها فرصة للتصدى لتغير المناخ، ودعا إلى (اتخاذ إجراءات سريعة وسط مخاوف من زيادة الركود العالمى وأزمات ديون) .

قراءة هذا التقرير وتقييم محتواه يجب أن يرتبط بما تؤكده أوساط مالية واقتصادية مهنية فيما يتعلق بظاهرة ارتفاع حجم الديون الخارجية فى العالم، فى إطار ما سمى ب. (أكبر طفرة للديون خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية)، حيث وصلت قيمة الدين العالمى إلى 226 تريليون دولار، وذلك بسبب الأزمة الصحية التى هزت أركان العالم، وما ترتب عنها من حالة ركود عميق.

وتكشف هذه الأوساط أن الدين العالمى ارتفع لتمثل قيمته ما يعادل 256 بالمائة من إجمالى الناتج المحلي. وطبعا لا بد من الإشارة هنا إلى أن استحواذ قوى اقتصادية كبرى على جزء هام من هذه الديون فى العالم، حيث إن حجم اقتصادياتها فرض عليها ضخ أموال باهظة لمواجهة مرحلة ما بعد الأزمة الصحية العالمية، ولكن مع ذلك فإن الديون الخارجية المستحقة من طرف الدول النامية استحوذت بدورها على جزء هام من هذا الارتفاع غير المسبوق فى التاريخ الاقتصادى الحديث. وأمام ضعف قدراتها وإمكانياتها على تسديد أقساط هذه الديون، فإن الأخطار المحدقة بها تزداد تضخما وتغولا.

والأكيد أن التطورات الخطيرة التى عرفها العالم مباشرةً بعد بداية التعافى الاقتصادى والاجتماعى من تداعيات أزمة كوفيد اللعينة، والمتمثلة أساسا فى الحرب التى اندلعت فى عمق الشرق الأوروبى زادت من حدة أزمة الديون الخارجية، بما يعمق الشعور بالقلق وبالخوف مما هو آت.

والحقيقة فإن قضية الديون المستحقة على الدول النامية، سواء التى منحتها المؤسسات المالية الدولية، من قبيل صندوق النقد الدولى أو البنك العالمي، أو التى تمنحها مؤسسات مالية خاصة، أو حتى التى تعطيها الدول الغنية، تمثل إحدى أهم القضايا الشائكة فى العلاقات الدولية السائدة، لأنها انزاحت عن سياقها الطبيعى وزاغت عن أهدافها الحقيقية، وأضحت فى كثير من المرات، وبالنسبة للعديد من الجهات المانحة، مشروطة بإملاءات تفرغها من محتواها، فالجهات المانحة تحرص على فرض شروط خانقة تمنع الجهة المستفيدة من التنفس الطبيعي، بحيث تشترط فى كثير من الأحيان عدم صرفها فى الاستثمارات العمومية، التى تعود بالنفع على البسطاء من السكان، وتفرض إبعادها عن تمويل المشاريع الاجتماعية الهادفة إلى التخفيف من أعباء الهشاشة الاجتماعية، بينما تفرض جهات مانحة أخرى معدلات فائدة جد مرتفعة تجعل فى بعض الأحيان نسبة خدمة الديون الخارجية فى الميزانية العامة للدولة المستفيدة من الدين، أعلى وأكثر من المبالغ المخصصة للاستثمار العمومى .

وفى نفس التوقيت الذى يصدر فيه برنامج الأمم المتحدة الإنمائى تقريرا أسود حول قضية الديون فى العالم، والذى يؤكد محتواه وجود اختلالات عميقة فى بنية العلاقات الدولية، والذى يكشف عن تشدد مفرط من الجهات المانحة تجاه الدول النامية الدائنة، فى نفس هذا التوقيت تبدى الاقتصادات الكبرى والقوية سخاء كبيرا غير مسبوق فى توفير السيولة المالية الكافية، لاستمرار الحرب الروسية الغربية التى تدور فوق التراب الأوكراني، هى نفسها الدول والحكومات التى ترفض أى حديث عن إلغاء ديون مستحقة على دول نامية وذات الدخل المحدود، والتى تفتقد إلى القدرة على السداد، هى نفسها الدول التى لا تتوانى عن توفير ما يحتاجه الدمار والتخريب والقتل من المبالغ المالية الكبيرة والباهظة، وهى نفسها الدول والحكومات التى تمانع حتى فى الحديث عن إعادة جدولة ديون مستحقة على دول فقيرة، وعلى اتخاذ مبادرات فيما يتعلق بتسهيل وتيسير السداد، وعلى تخفيض معدلات الفائدة المرتفعة، هى نفسها التى تقبل بإعادة جدولة الدمار والخراب وأياديها فى جيوبها مبتعدة ومتأهبة لإخراج الأموال بسخاء متى طلب منها ذلك.

وهى بذلك تقبل عن طواعية أو عن غيرها أن تتضامن فيما بينها لإنتاج الخراب والدمار، وتمانع عن سبق إصرار وترصد على إسعاف اقتصاديات ضعيفة هى فى أمس الحاجة إلى الدعم لإنقاذ شعوب كثيرة من رزمة من الأخطار الاقتصادية والاجتماعية التى أضحت ملتصقة بها وتهدد مصائرها.

نقيب الصحفيين المغاربة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة