حـازم فـتـح الله العميد الأسبق للفنون الجميلة  خلال حواره مع «الأخبار»
حـازم فـتـح الله العميد الأسبق للفنون الجميلة خلال حواره مع «الأخبار»


شيك بـ5 جنيهات.. العميد الأسبق للفنون الجميلة الذي حقـق «علي أمين» أمنيته

الأخبار

الخميس، 08 ديسمبر 2022 - 05:41 م

د.طارق عبد العزيز

نادرًا أن نصادف فى حياتنا إنسانًا ومعلمًا وفنانًا بهذه المواصفات، أستاذًا كبيرًا صاحب شخصية متفردة فى العمل الإدارى، حكاءً من طراز خاص لا تمل من سرده وحكاويه مهما طالت، فهو يمتلك من عناصر الجذب الكثير والكثير، يمتلك حضورًا كاريزميًّا فى العمل الأكاديمى، فهو رمز ونموذج يقتدى به فى مجالات كثيرة.. رحم الله الأستاذ الجليل حازم محمد فتح الله (1944-2022)..

العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة- جامعة حلوان، ونائب رئيس جامعة حلوان الأسبق، ورئيس لجنة الفنون والموسيقى بالمجلس الأعلى للجامعات السابق.. وخلال مشواره الصحفى شارك حازم بالرسم والكتابة الصحفية فى صحف ومجلات «أخبار اليوم، الأخبار، الجيل، وآخر ساعة» وتم نشر رسومه بانتظام فى مجلات «روزاليوسف، صباح الخير، سمير، الهلال» .. ثم أشرف على الإخراج الفنى للكثير من المطبوعات فى مصر وبيروت..

حصل على جوائز عديدة أهمها جائزة الدولة التشجيعية فى الجرافيك 1986، ونوط  الامتياز من الدرجة الأولى 1991، ميدالية الجرافيك فى بينالى بورتا ريكاناتى بإيطاليا 1978. 

الأول على الدفعة

وعلى صعيد المجال العلمى الأكاديمى.. فقد أشرف على العديد من الرسائل العلمية.. وترك بصمات فى رئاسة اللجنة العلمية الدائمة لترقية أعضاء هيئة التدريس، كما أصدر أول مجلة علمية فنية محكمة لكلية الفنون الجميلة باسم «فنون 2000» ثم رئاسته للجنة قطاع الفنون بالمجلس الأعلى للجامعات.. كما استطاع تسجيل حضور بارز فى نخبة من الجولات والاتفاقيات ممثلًا لجامعة حلوان أمام عدد من الجامعات الأجنبية والعربية. 

ولد الفنان محمد حازم فتح الله فى يناير 1944 بحى شبرا.. هذا الحى الذى يحمل الكثير من هويتنا المصرية.. وهذا ما شكل طفولته وأثقل موهبته من خلال ثقافته البصرية، حيث اتجه مبكرًا للرسم.. وكان متابعًا جيدًا للصحف والمجلات وخاصة مجلات الأطفال.. وبدأت بالفعل تتكون معالم شخصيته الفنية فى التشكيل.. وتأثر خلال مشواره الفنى بالفنان الحسين فوزى، والفنان عبد الله جوهر، والفنان كمال أمين.. واستقى منهم كثيرًا من خبراته الأكاديمية والعلمية والفنية.. وتعلم منهم أسرار الجماليات البصرية لمصر القديمة الثرية .. وانعكس ذلك على مشروع تخرجه الذى كان فيه الأول على دفعته عام 1966.. حيث كان المشروع يتعلق بمصر الشعبية.. وبالتحديد شارع الأفراح «شارع محمد على»..

 فى إحدى لقاءاتى معه فى مكتبه بكلية الفنون الجميلة بالزمالك.. سرد لى بعض حكاياته النادرة و مقابلته وهو فى المرحلة الإعدادية للعملاقين على ومصطفى أمين، ومن ثم جلوسه مع كبار رسامى أخبار اليوم رخا وبيكار وصاروخان وكنعان، وخطواته الأولى مع فن الكاريكاتير قبل التحاقه بكلية الفنون الجميلة وتعيينه معيدًا بقسم الجرافيك. 

قابلت على أمين

وعن سر الدور التاسع بأخبار اليوم يقول حازم: وأنا فى الصف الثالث الإعدادى قرأت «فكرة» التى يكتبها على أمين، وقد كتب فيها: «إن لكل واحد أمنية يأمل فى تحقيقها، فإذا كان لك أمنية أرسلها لى فى خطاب وسأساعدك فى تحقيقها، لكن لا تطلب الصعود إلى القمر، وإذا طلبت ذلك سأعطيك تصريحًا أما الرجوع فسيكون عليك!»

وبالفعل كتبت خطابا له على ورقة كراسة، قلت فيه: أمنيتى أن أقابلك أولًا، وأمنيتى الثانية أن أكون رسامًا وصحفيًا وأن أقابل رسامى أخبار اليوم العالميين «رخا وصاروخان وبيكار وكنعان»، ولن أطلب الصعود إلى القمر لكننى أطلب الصعود للدور التاسع بأخبار اليوم.

 وفوجئت بعد مرور أسبوعين وأنا فى حصة التاريخ، دخل فراش المدرسة عبد المقصود مناديًا بصوت عال: محمد حازم فتح الله، ففزعت أن يكون استدعاء من الناظر، لكنه قال لى إن لى خطابا، واستلمته ولمحت شعار أخبار اليوم على الظرف، ففتحته لأجد خطابًا مكتوبًا على الآلة الكاتبة: الأستاذ/ محمد حازم التلميذ بمدرسة أودة باشا الإعدادية، وصلنى خطابك ومستعد لمقابلتك الثلاثاء أو الجمعة الساعة 11 صباحًا، وموقع نهاية الخطاب على أمين».. والحقيقة لم أصدق نفسى.

 ويكمل حازم: وصلت إلى الاستعلامات بأخبار اليوم مرتديًا الشورت والقميص، وأطلعتهم على الخطاب، فطلبوا منى الصعود للدور التاسع، وصعدت وكنت متخيلا أننى سأجد على أمين أمامى، لكننى وجدت غرفة من الزجاج بها عدد من النساء فاقتربت من إحداهن وقلت لها الأستاذ على أمين، فقالت لى انت عايز على بيه؟، فقدمت لها الخطاب، فقالت لى أنت حازم، اتفضل على بيه منتظرك، واكتشفت بعد ذلك أنها الكاتبة الصحفية نعم الباز، فدخلت إلى مكتبه ولم يمر دقائق إلا ووجدته أمامى مرحبًا بى: أهلًا ياحازم أنا منتظرك، وشاهد بعض رسوماتى وطلب من «عم حسين» أن يوصلنى إلى حجرة الرسامين، وقال لى إن رخا غير موجود اليوم.

ويسرد حازم: الفنان صاروخان هو أول فنان التقيته، وشاهدته يرسم بورتريه للصحفى الفلسطينى ناصر النشاشنى، وشاهد صاروخان رسوماتى، وأبدى بعض الملاحظات ونصحنى بعض النصائح، حيث كان يتحدث اللغة العربية بصعوبة، ثم قابلت بيكار الذى شجعنى وأثنى على رسوماتى، ثم التقيت كنعان الذى طلب منى أن أنزل إلى الشارع لمشاهدة المارة والبائعين لتتكون عندى ذاكرة بصرية، وقال لى أقعد على قهوة أو على الرصيف لترسم ما تراه عينك، وبالفعل كان هذا درسًا لى أن أرسم ما فى الطبيعة بكل جمالها، والتقيت بعدها الفنان رشاد منسى، ثم كمال الملاخ الذى قال لى: ياسيدى أتمنى لك مستقبلا جميلا، وقابلت الفنان رخا الذى قال لى: على بك أعظم رجل فى الدنيا، خليك وراه هتوصل لأعلى مرتبة.

وبعد هذه الجولة عدت إلى مكتب على بك.. وقضيت 45 دقيقة كاملة يتحدث معى ويشاهد أعمالى ومجلات الحائط التى رسمتها، وطلب لى عصير ليمون، وقال لى: اعتبر أخبار اليوم مدرستك وبيتك الثانى، وعندما ترسم أى رسومات عليك أن تحضرها إلى.

شيك بـ 5 جنيهات

 يقول حازم: رسمت رسمة من خيالى عن العدوان الثلاثى 1956وتم تعليقها فى المدرسة، وذهبت بها إلى على بك، فشاهدها وطلب منى كتابة بعض الكلمات أسفلها، وفوجئت أنه أرسلها إلى مجلة آخر ساعة وتم نشرها بعد أيام فى باب بعنوان «أنت ترسم ونحن ندفع»، وفوجئت أنه أرسل شيكا باسمى على المنزل بمبلغ 5 جنيهات، وكنت فى قمة السعادة وشعرت أننى نجم.

وعقب هذه الواقعة ظللت أتوجه لأخبار اليوم حتى حدث تأميم الصحافة عام 1960، ولم أرى على ومصطفى أمين لفترة طويلة إلا بعد ظهورهما فى دار الهلال، حيث أحدثا ثورة صحفية بإصداراتها عقب انتقالهما، وأذكر أنه فى أحد الأيام عقب خروجى من يوم دراسى فى الكلية، توجهت لدار الهلال، وطلبت مقابلة على أمين، فطلبت منى السكرتيرة أن أكتب فى ورقة سبب الزيارة، فكتبت: أستاذى على بك قد تذكرنى أو لا تذكرنى، أنا حازم فتح الله، والآن أصبحت طالبًا فى الفنون الجميلة وهذه أول خطوة فى طريقى الذى طالما حلمت به، قد تقابلنى أو لا تقابلنى.. لك كل التحية، وبالفعل دخلت إليه بعد موافقته، ووجدته يرحب بى ويقول لى فاكرك من ساعة ما كنت بالشُورت، وضحك معى كثيرًا، وقال لى أعرف أنك تحب رخا ونحن بصدد عمل مسلسل مرسوم فى مجلة المصور بعنوان «حسن وفاطمة»، وأنت ممكن ترسم معنا فى هذا الباب، وطلب منى تجهيز رسومات بعد أسبوع، وبالفعل انتهيت من الرسم، ولكننى علمت من الصحف أن على أمين عاد لأخبار اليوم.

وعن أنيس منصور يقول: بعد عودة على أمين لأخبار اليوم، ذهبت لأقابله ولكننى فشلت من الزحام والاحتفال بعودته، فحزنت جدًا وجاءتنى فكرة، حيث إننى أعلم أن مكتب أنيس منصور فى الدور العاشر، فصعدت وطلبت مقابلته ولكن الساعى الموجود على بابه قال لى إنه فى اجتماع، فذهبت إلى الأسانسير ولا حظت اختفاء الساعى من على الباب، فعدت ودخلت لأجد أمامى أنيس منصور ولا يوجد اجتماع، فرحب بى قائلًا: أهلًا يا أخى، أهلًا صديقى.. فقلت له أنا حازم فتح الله صحفى ورسام، فسألنى بتشتغل فين، فقلت له بصراحة لسه لم اشتغل بعد، فقال لى: طيب ماذا أتى بك، فقلت له أنا جئت لمقابلة على بك ولم أستطع مقابلته، وأعلم أن حضرتك رئيس تحرير مجلة الجيل، وأنا بهنى حضرتك على العودة، وفوجئت بأنه قال لى: أنت عارف إنك بتفكرنى بمن يبحث عن عمل يوم القيامة!، قلت له أننى لا أريد عمل ولكن كل طلبى أن أعرف هل رسوماتى تصلح للنشر أم لا، وقلت له إننى طالب فى الفنون الجميلة، فشاهد رسوماتى وضحك على الكاريكاتير، وأعجب برسوماتى وطلب منى رسم صفحة عن الصيف لنشرها فى مجلة الجيل، وبالفعل تم نشرها، وطلب منى بعدها صفحة عن عيد التليفزيون، وتوالت رسوماتى فى الجيل، وانقطعت بعد القبض على مصطفى أمين وانتقال على أمين للأهرام، وشعرت بالغربة بعد ذلك فى أخبار اليوم.

انتقلت بعد ذلك للعمل بروزاليوسف عن طريق عبد العزيز فريد مساعد مدير إعلانات أخبار اليوم، وكان مساعدًا لعثمان العبد مدير الإعلانات أنذاك، حيث انتقل عبد العزيز للعمل مديرا لإعلانات روزاليوسف، وقابلته وطلب  منى رسم بعض الإعلانات، وبالفعل رسمت عدة رسومات للمجلة، وانتقلت بعد ذلك عن طريق حسن فؤاد للعمل فى مجلة صباح الخير، ونشر لى عدة أعمال.. وتفرغت بعد ذلك حيث تم تعيينى معيدًا فى الكلية.

زيكو وزكى

وعن مجلة سمير قال: بعد تفرغى للكلية طلبنى أنيس منصور للعمل فى مجلة أكتوبر، حيث كان رئيسًا لتحريرها، وبالفعل بدأنا فى إعداد الأعداد التجريبية ورسمت عدة رسومات بها، ولكن عام 1976 وقبل صدور العدد الأول جاءتنى بعثة دراسية إلى إيطاليا لإعداد الدكتوراة، وحاول أنيس إقناعى بترك الكلية والتفرغ للمجلة، إلا أننى تركت المجلة وسافرت قبل صدور العدد الأول بشهر، وعدت بعد 4 سنوات ونصف، وعندما علمت رئيسة تحرير مجلة سمير «ماما لبنى» بعودتى طلبتنى للعمل معها، وبدأت أحصل على بعض السيناريوهات منها وأرسمها وأسلمها فى المجلة، وفى هذه الفترة رسمت عدة شخصيات مثل «زيكو وزكى، شهيرة ومشهور، وقبطان هاموش»، ولكن مهنة التدريس سيطرت علىّ ولم أجد وقتًا للعمل بالصحافة بعد ذلك.

قالت عنه الصحافة

وقد كتب عنه «كمال الملاخ» الأديب المصرى وعالم الآثار فى الأهرام عام 1984: يعرض الفنان حازم فتح الله لوحاته مستعرضًا عليها من خلال فن الجرافيك، للطباعة وفنونها التى أجادها تكتيكيًا.. عوالم يطلق فيها الأفق إلى بعيد.. حيث لا تلتقي السماء بالأرض، وكائنات يرسمها فى دنياه الصامتة.. وكأنها بريق امل أو بقايا رؤى.. ثم جسد امرأة أو حصان ..رمز الحركة.. إن فن حازم المطبوع على لوحاته إنما يبشر بالنجاح كله ليحفر اسمه مميزًا فى طليعة فنانى الجرافيك.

وقد كتبت عنه الصحفية الإيطالية «إيفانا بالداساى» فى صحيفة «الرستو ديل كارولينو»: يرى حازم أن المرأة هى العنصر الحيوى الرئيسى للوجود.. إذ تستشعر العواطف والأحاسيس الصامتة من خلال أجساد نسائه الملفوفة بالغلالات.. وتأتى ذاكرته بأشكال الخيول الموجودة فى خلفيات صور لتؤكد وتزيد من قيمة المفهوم والرمز للحياة..

وفى المقال الافتتاحى لمجلة سمير فى أغسطس عام 1981.. كتبت رئيس التحرير نثيلة راشد الشهيرة بـ «ماما لبنى» .. بعد خمس دقائق من لقائى بالفنان حازم فتح الله خيّل إلى اننى أعرفه منذ أعوام طويلة فهو فنان تشعر بأنه على سجيته يحكى بلا رتوش، وفى نفس الوقت قدرته على التعبير بالكلمات بفهم واحساس يتوازى مع قدرته الإبداعية فى اختيار وتجميع الألوان فى لوحة فنية.. أصبح حازم شريكنا فى المسئولية ورسم بريشته العبقرية بعض أبطال مجلة سمير، وحازت رسومه الإعجاب، وحاولنا أن نعزز صفحات كل عدد بفنه، لكنه مشغول للغاية ككل الفنانين الكبار، وهو يحاول بقدر استطاعته أن ينظم وقته ليرسم زيكو ودرش وشهيرة وهاموش.. 

فكل من يعرف الدكتور حازم فتح الله عن قرب .. يعرف كم هو إنسان رائع.

اقرأ أيضاً| د. طارق عبدالعزيز يكتب: يوم الوفاء لـ«حازم فتح الله»

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة