عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر


عسل في الكوز 

عبد الصبور بدر يكتب : أمير الشعراء في القمة العربية - الصينية

عبد الصبور بدر

الجمعة، 09 ديسمبر 2022 - 06:07 م

بدأت القصة في زمن المجاعات، والسنوات العجاف، حين كان الناس يعتصرون ويستغيثون.. بدأت في زمن البطون الخاوية، والأرض المتشققة التي لا تنبت.. بدأت في زمن المحرومين من الطعام، وبكاء الأطفال في حجر أمهات يطبخن الماء بالماء داخل قدور موضوعة على النيران، بدأت في زمن كان يرفع فيه الخلق أذرعهم إلى السماء؛ بحثًا عن الفكاك من البلاء، والخلاص من ضيق الحال.
 
بدأت القصة في زمن النبي يوسف – عليه السلام - حين تعلقت قلوب الناس وأبصارهم بمصر "صومعة الغلال في العالم" لتحميهم من المجاعة، وتعيد إليهم الحياة بوصفها الأم التي لا يجف ضرعها، وتمنحه بكرم للأبناء؛ ما جعل البشر من كل مكان يهرعون إلى أبوابها المفتوحة؛ لتفيض عليهم من طيباتها فيرجعون إلى أهلهم مسرورين. 

من هنا بدأت قصة الأيادي البيضاء لمصر، والتي استمرت على مدار آلاف السنين قبل أن تتعثر وتتوقف، حتى جاء زمن كورنا الذي أغلقت فيه الدول حدودها مع الصين، وكأن العالم يعاقبها بالعزلة بسبب الوباء الذي انتشر بين أهلها، لتعاني حصارًا وحشيًا يضاعف من خطر الفيروس الفتاك؛ فيما ظن العالم أنه بتلك الطريقة سينجو من المصير المرعب؛ وهو يترك الصين ليبتلعها كوفيد-19.

وحدها مصر التي أدركت أن الصين ليست مجرد دولة عابرة في تاريخ الأمم؛ لكنها توأم الحضارة في الزمن القديم، وأن الوقوف إلى جوارها في تلك المرحلة العصيبة واجب تفرضه الروابط التاريخية والثقافية الممتدة عبر آلاف السنين.  

قبل أن يبدأ التاريخ، كانت مصر، والصين تصنعان الحضارة للإنسانية، كلاهما سبق الدنيا بآلاف الأعوام في إنتاج الفنون، والآداب، والعلوم، واكتشاف أسرار الزراعة والصناعة، والعمارة، دولتان كبيرتان، تمتلكان مؤسسات محترفة للإدارة، ومدارس ترتقي بسلوك الأطفال، وتعلمهم تقاليد المعاملة، واحترام الآخر.

فوجئت الحكومة الصينية بالرئيس عبدالفتاح السيسي يرسل وزيرة الصحة  - آنذاك - هالة زايد، محملة برسالة مؤازرة إلى القيادة والشعب الصيني العظيم وكأنه يقول لهم «اطمئنوا.. نحن بجواركم». ليكسر الحصار المفروض بشجاعة مقاتل.

وتمر الأيام سريعًا، ويتعافى التنين، وتعود الحياة شيئًا فشيئًا على أراضي الدولة القديمة، فإذا أول شيء تفعله هو رد الجميل لأصحابه المصريين، وإرسال شحنات من الأدوية والمستلزمات الطبية، بينما كان اللافت أن الشحنات تتزين ببيت من الشعر كتبه أمير الشعراء أحمد شوقي «نصحتُ ونحنُ مُختلفون دارا.. ولكن كُلُنا في الهم شرقُ».

اختارت الصين الشعر ليكون معبرًا عن أواصر الصداقة؛ لأنها البلد الذي يثمن جيدًا قيمة الأدب في صياغة التحضر، بينما كان اختيار «البيت الشعري» بمثابة رهان على أن المحنة هي أداة للجمع بين الشعوب التي وحدت بينها الجغرافيا والتاريخ منذ آلاف السنين.

اختارت الصين شاعرًا مصريًا ليكون لسان حالها ليس لأنها فقط تخاطب شعبه، ولكن لأنها تعلم جيدًا أن الشعوب في أوقات الشدة تحمل جنسية واحدة هي "الإنسانية".

ربما يمكننا القول إن القمة العربية - الصينية المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض اليوم، بمثابة آلية تنفيذ لبيت الشعر الذي صاغه شوقي، وارتضته بكين ليعبر عن رؤيتها العميقة في علاقتها بالعرب.
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة