محمد بركات
محمد بركات


فى مواجهة الانفجار السكانى

محمد بركات

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022 - 06:43 م

الحقيقة التى يجب أن نواجهها، هى أننا تغافلنا وتجاهلنا الأخطار الجسيمة الناجمة عن الانفجار السكانى العشوائى.. حتى أصبح تهديدا خطيرا لواقعنا ومستقبلنا.

قد تكون الحقيقة صادمة لمن لا يعرفها ويجهل حدودها وحجمها،..، وهى صادمة أيضا لمن يتخوف من الاعتراف بوجودها، ويصر على تجاهلها ويسعى للتهرب من مواجهتها والادعاء بعدم الإلمام بها، آملا فى التنصل من تبعاتها.

هذا للأسف هو حال البعض منا تجاه أخطار المشكلة السكانية، أو أزمة الزيادة السكانية العشوائية وغير المرشدة، التى تحيط بنا وتمسك برقبتنا طوال السنوات الماضية، تشدنا إلى الخلف وتمنع انطلاقنا نحو التنمية الشاملة والمستقبل الأفضل،..، وأصبحت مثالا مؤسفا وبغيضا لما يمكن أن نطلق عليه أو نسميه بالأزمة المستعصية على الحل.

ولكنها فى الحقيقة ليست مستعصية على الحل لكل الدول وجميع الشعوب، فقد تمكنت دول كثيرة وشعوب عديدة من التغلب عليها والإفلات من قبضتها والنجاة من خطرها،..، ولكننا للأسف لم نستطع حتى الآن، بل تركناها تتضخم وتكبر حتى باتت خطرا مستفحلا يهدد واقع حياتنا ومستقبلنا.

الاعتراف ضرورى

وفى هذا الخصوص لابد أن نعترف بوجود نسبة غير قليلة منا، لا تريد الاعتراف بالحقيقة الواضحة للعيان، والتى باتت مؤكدة لنا جميعا، بوجود خطر داهم يحيط بنا ويهددنا ويجب التنبه له ومواجهته بكل الشجاعة والحكمة والإصرار فى ذات الوقت.

هذا الخطر يستوجب المواجهة العاجلة حتى لا يستفحل أكثر مما هو عليه الآن، بحيث يستحيل مواجهته والتعامل معه، نظرا لانعكاساته السلبية، وآثاره المدمرة على التنمية البشرية والاقتصادية، بجانب آثاره بالغة الخطر على الاستقرار الاجتماعى فى الدولة كلها.

والخطر المقصود هنا هو الانفجار السكانى أو الزيادة السكانية الهائلة، التى أصبحت واقعا يحيط بنا من كل جانب، وتحولت إلى غول يلتهم كل معدلات التنمية التى نحققها، وأصبحت بالفعل تهديدا مباشرا لكل الطموحات التى تراودنا فى مستقبل أفضل وحياة كريمة لأبنائنا ولجميع المواطنين.

وإذا كان البعض منا قد دق ناقوس الخطر أكثر من مرة لهذا الأمر الخطير بالفعل، فإننا نعيد اليوم التنبيه وندق الأجراس مرة ومرات أخرى لعل النتيجة تكون إيجابية، وفى ذلك نطالب الجميع ابتداء من الأسرة البسيطة، وكل سيدة وكل رجل فى وطننا، وانتهاء بالحكومة والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للسكان، ومرورا على جميع هيئات ومؤسسات المجتمع المدنى فى مصر كلها، بالتحرك الواعى والسريع والشامل لمواجهة هذا الخطر وذلك التهديد.

وفى هذا السياق أعتقد جازما أن الزملاء، لهم دور وطنى وقومى للمساهمة الفعالة فى هذه المواجهة، لإنقاذ مصر من غول الزيادة السكانية الذى لا يرحم، قبل أن يلتهم الأخضر واليابس فى بر مصر، ويطيح بكل ثمار التنمية وآمال التقدم. ويعوق الانطلاق إلى المستقبل الأفضل بالنسبة للمجتمع والشعب كله.

المسئولية محددة

ومن الطبيعى والضرورى أن يكون للإعلام دور مهم فى التنبيه لهذا الخطر انطلاقا من السعى بكل الجهد الواعى لتغيير المفهوم الثقافى السائد لدى كثير من الأسر المصرية، والتى تتصور أن كثرة «العيال» عزوة وقوة اجتماعية.

وهنا ضرورة السعى الواعى لاستبدال هذا المفهوم الخاطئ بالقيمة الصحيحة التى تعتبر أن العزوة الحقيقية هى فى توفير حياة كريمة للأسرة، وذلك بتوفير مستوى جيد من التربية والتعليم والثقافة والعلاج والإسكان والارتقاء بالأسرة ماديا ومعنويا وأدبيا.

وعلى نفس الدرجة من الأهمية يأتى دور وواجب رجال الدين فى المسجد والكنيسة، المطالبين بتصحيح الموروث الثقافى الدينى الراسخ فى أذهان ونفوس الكثيرين من أهلنا البسطاء حول قضية تنظيم الأسرة.

وما يتطلبه ذلك من إعادة صياغة للخطاب الدينى فى هذا المجال، بوصفها مهمة وطنية وقومية ودينية وهو ما يعنى ألا نترك المسئولية ونرمى بها فوق أكتاف وزارة الصحة والسكان، والحملات التى تقوم بها للتوعية فى الريف والمدن لا تكفى رغم أهميتها لأن المسئولية جماعية بين المدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام والبيت وكل رجل وامرأة فى مصر، وهى مسئولية بالغة الأهمية، ولا تحتمل اللبس أو التأجيل أو التراخى وعلينا أن ندرك أن الوعى العام فى كل بيت عليه أهمية كبرى.

وعلى نفس الدرجة من الأهمية والمسئولية يأتى دور المدرسة ودور المعلم والمسئولين عن التعليم فى معالجة هذه القضية، والتنبيه لهذا الخطر الداهم والشديد، ودق الأجراس فى كل مكان للتوعية الصحيحة، حتى تكون واضحة فى كل العقود وراسخة فى كل النفوس بالنسبة للأبناء والأجيال الجديدة.

والمقصد من وراء ذلك والهدف الذى يجب أن نسعى إليه بكل الوضوح وبكل القوة والإصرار،، هو أن نشارك جميعا فى وقفة جادة وصادقة وحازمة أيضا، لمواجهة هذا الخطر الذى استفحل بالفعل، وأصبح تنيناً ضخما يلتهم كل جهود وخطط التنمية ويهدد كل عمل من أجل المستقبل الأفضل لنا ولأبنائنا، ويطيح بكل طموحاتنا فى بناء دولة قوية حديثة.

حقيقة الخطر

وحتى نكون على بينة من قدر الخطر الذى نتحدث عنه لابد من ذكر الحقائق التى يجب أن تكون ماثلة أمام الكل على قدر الإمكان،..، وفى ذلك علينا أن نبدأ بالإشارة إلى الرقم الذى بات مؤكدا، بأن تعدادنا الآن قد تجاوز المائة مليون نسمة بخمسة ملايين على الاقل، وأننا نزيد سنويا بمعدل أكثر من ٢٪ وقد يصل فى أحيان كثيرة إلى ما يقارب ٢٫٥٪ وهذا يعنى أننا نزيد سنويا بمقدار يزيد على المليونين من البشر كل عام.

وهذا يعنى بوضوح أننا لو تركنا الأمر على ما هو عليه فسوف نزيد خلال العشر سنوات القادمة فقط بمقدار يتجاوز العشرين مليون إنسان،..، ولو تأملنا هذا الرقم لوجدناه يقارب ربع عدد السكان الحالى، وهو ما يعنى أننا فى عام ٢٠٣٠ سيصل عدد السكان فى بلدنا إلى ما يتجاوز ١٢٠ مليون نسمة، أى أننا سنواجه إضافة جديدة إلى تعدادنا الحالى قدرها يزيد على العشرين مليوناً من الأطفال والصبية، يحتاجون إلى أشياء كثيرة فى كل مناحى الحياة وسبلها،..، فى المأكل والمشرب والتعليم والصحة والعلاج والمسكن والملبس، والخدمات والمرافق من الطرق والمياه.. وغيرها وغيرها.

وقبل أن نستطرد فى استعراض جوانب هذه القضية وبيان خطورتها وتأثيرها الشديد على الدولة بصفة عامة، وكل فرد من أفراد المجتمع وكل أسرة من الأسر، يجب أن نتوقف مليا أمام هذا الرقم ونتأمل معناه وتداعياته وأثره،..، وفى هذه الحالة سنجد أن هذه الزيادة المتوقعة ستأكل فى طريقها كل ما نبذله من جهد لزيادة الإنتاج والارتقاء بمستوى الخدمات والمرافق، ومهما بذلنا من عمل وجهد ستظل هذه الزيادة الكبيرة فى كل عام تمثل مشكلة حقيقية، للتنمية والمستقبل الأفضل والتطوير والتحديث أيضا.

وهذه الزيادة الكبيرة وغير المرشدة فى عدد السكان ستظل عقبة على طريق النمو والتطور للمجتمع والدولة وستقف حائلا بيننا وبين النمو الاقتصادى، وتمنع الانطلاق إلى آفاق أرحب من المستقبل الأفضل الذى نتطلع إليه فى ظل التنمية الشاملة.

وحتى تكون الأمور واضحة بالقدر الكافى، علينا أن ندرك أن أى زيادة فى الإنتاج لن تكون محسوسة أو ملموسة فى ظل الاستمرار فى زيادة السكان بهذا المعدل وذلك الحجم كل عام.

المواجهة المطلوبة

والحقيقة التى يجب أن ندركها ونؤمن بها واضحة كل الوضوح وهى ما يجب أن نقوله ونعلنه بوضوح وصراحة ويجب أن نعترف بها دون مواربة، وهى أن علينا المواجهة العاجلة بل الفورية لخطر الزيادة السكانية غير المرشدة والمنفلته، لأنها هى العائق أمام طموحاتنا وأهدافنا فى التنمية والتقدم، بل وهى العقبة أمام ما نسعى إليه من توفير للحياة الكريمة لكل فرد فى المجتمع وكل أسرة على أرض مصر.

هذه للأسف هى الحقيقة التى يجب أن نواجهها حتى نستطيع الخروج من عنق الزجاجة التى حشرنا أنفسنا فيها واستسلمنا لها طوال السنوات الماضية وحتى الآن، عندما تغافلنا عن الأخطار الجسيمة الناتجة عن الزيادة السكانية المنفلتة، وتركناها تتضخم بطريقة عشوائية دون ترشيد أو سيطرة أو انضباط، حتى أصبحت تهديدا كبيرا وخطيرا للنمو الاقتصادى وغولا يأكل الأخضر واليابس على الأرض المصرية، وباتت تمثل تهديدا كبيرا لكل خطط وبرامج التنمية حيث إنها للأسف تلتهم كل زيادة فى الإنتاج.

وما يجب أن يكون واضحاً للجميع، هو أن غول الزيادة السكانية يلتهم بالفعل نتاج كل جهد وكل عمل، نظرا لأننا تركناه ينطلق بصورة عشوائية، وظل يضيف إلينا ملايين الأطفال كل عام، ونحن نتجاهل أنهم يحتاجون إلى آلاف المدارس الجديدة كل عام ومئات الآلاف من المدرسين كل سنة وعشرات الآلاف من وسائل النقل والمواصلات ووسائل الاتصال وآلاف المساكن والمستشفيات والأطباء وكل الخدمات والمرافق والمصانع، والملايين من فرص العمل وغيرها وغيرها.

وقد يتصور البعض للأسف أننا نبالغ فيما نقول، ولكن ذلك ليس صحيحا على الإطلاق.. فلا مبالغة فى القول ولا تزيد فى المعنى.. ولكن المصارحة الواجبة تفرض علينا أن ندرك الحقيقة وأن نحيط بحجم الخطر الذى يهددنا جميعا.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة