هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

كائن إلكترونى

هالة العيسوي

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022 - 06:20 م

كنت أظن حتى الأمس أننى اجتزت العتبة الثانية للارتقاء فى سلم الكائنات الإلكترونية. منذ سنوات وأنا أتعامل مع الفضاء الإلكترونى والشبكة العنكبوتية، أحصل منهما على ما أحتاجه رغم اتساع امكاناتها السحرية،  ثم انتقلت إلى العتبة الثانية وصرت سعيدة بنفسى وفخورة بما حققته من معرفة إلكترونية. الآن استطيع أن أديرمدخراتى القليلة بضغطة زر وأنا جالسة فى بيتى، استخرج وثائقى وأجدد رخصتى وأوثق توكيلاتى دون الحاجة للاعتصار ومكابدة زحام الطوابير وأن أدفع فواتيرى وأُجرى معاملاتى المالية وأنا أنتقل من مكان لآخر بواسطة هاتفى الجوال؛ دون إهدار الكثير من الوقت. 

لامانع من بعض منغصات البدايات والتجربة والخطأ، وبغض التعقيدات الإجرائية لضمان سلامة وأمن تلك المعاملات لكن النتيجة كانت في العموم تبهرنى.

بالأمس اكتشفت أننى مازلت أحبو فى «صف كى جى وان»، وأن التطبيقات الحديثة التى تتطور كل يوم بطريقة مذهلة تضعنى فى تصنيف الأمية الإلكترونية، وأن هذا العالم الساحر بتسهيلاته فائقة السرعة، تجاوزت قدراتى العقلية المحدودة.

لامانع طبعا من التعلم ومحاولة مواكبة هذه التطورات، لكن الخطير فى الأمر، أن هذه السهولة التى تقدمها التيسيرات الإلكترونية هى سلاح ذو حدين، وأنها تيسيرات تجرى فى اتجاهين، فكما تسهل عليك الحياة، تسهل استغفالك وسرقتك، وأيضًا بضغطة زر. وإننى وإن كنت مواطنًا أو كائنًا طبيعيًا أزعم لنفسى قدرًا من المعرفة والقدرة على التعلم،  فإن هناك من يفوقنى خبرة وحنكة، فى المجال الإلكترونى، تمكنه عبر بعض المعادلات التى يحترفها من تخمين أرقامى السرية، وكلمات المرور التى أشقى لتصعيبها.  ولو غفلت عنها لأى سبب فإنها مسئوليتك الشخصية، ولا عزاء لك فى تحويشة العمر، أو فى معاش أو مرتب الشهر، أو قسط تقوم بدفعه. الأخطر أن هذا يمكن أن يتم دون خطأ منى ومنك، أو غفلة. لكنه مثلًا يمكن أن يكون عطلا ميكانيكيا فى الآلة المصرفية أو فى السيستم، أو بسبب احترافية لص أو محتال يمكنه أن يستولى على أموالك.

المشكلة أن المواطن العادى لا يستطيع أن يواكب الدولة، وهى تتقدم بكل أجهزتها نحو الرقمنة، والميكنة، والشمول المالى، بحيث لن يصبح بإمكانه  فى المستقبل القريب التعامل إلا بالدفع الإلكترونى. الدليل على ذلك صفوف البشر المكدسين فى البنوك للحصول على شهادات الاستثمار الجديدة،. كذلك، كم الشكاوى من مشاكل التعامل مع آلات الصرف الآلى بما يعطل صرفهم لمعاشاتهم التى يعتمدون عليها شهريا فى فتح بيوتهم وتسيير حياتهم. أولئك الذين لايثقون فى الماكينات، ولا يطمئنون إلا بالحديث والاستفهام المباشر  والقبض من الموظف المسئول.

هذه الفئة التى لم تتواءم بعد مع التطور الرقمى والدفع الإلكترونى، ليست قليلة العدد، وهى نفسها الفئة الأكثر عرضة لأخطاء إلكترونية كارثية، وغالبيتهم العظمى من كبار السن وأصحاب المعاشات. وهم مايزالون بحاجة إلى خطط كثيرة لزيادة وعيهم بالأنظمة الحديثة، وكيفية التعامل معها، وزيادة الضمانات لتلافى آثار الأخطاء والأخطار الناجمة عن الجهل الإلكترونى. معظمنا لسنا كائنات إلكترونية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة