خالد محمود
خالد محمود


خالد محمود يكتب: السينما المغربية.. أن يكون لك مكانا وسط الكبار

أخبار النجوم

الخميس، 15 ديسمبر 2022 - 03:14 م

أصبحت للسينما المغربية حضور مميز على شاشة المهرجانات السينمائية خلال العقد الأخير، وهو ما لمسته بقوة خلال حضوري تلك المهرجانات، ومعه ظهر طموح مخرجيها وأبطالها الذين وقفوا عند منطقة خاصة من الإبداع .

شاهدت نوعية من الأعمال التي باتت مثار إعجاب الجمهور والنقاد، بل وكان لها نصيب من الجوائز بما تحمله من أفكار عميقة ورؤى فنية أكثر جرأة وتحرر تجاه قضايا مجتمعها، سواء معاصرة أو مستلهمة من الماضي ومازال لها تأثيرها حتى اليوم .

حملت قضايا الأفلام قيمة كبيرة، وهي البحث عن فكرة “الحرية”.. حرية الاختيار وكيف تؤثر العوامل الخارجية على خيارات الإنسان؟، وكيف يملك الإرادة؟.
مع قصص تلك الأفلام دراما إنسانية كبيرة، منها فيلم المخرج المغربي نبيل عيوش “علي صوتك”، الذي عرض بالمسابقة الرسمية لمهرجان “كان” السينمائي الدولي، وكان صوت الحرية عاليا للخلاص من مأزق التقاليد الموروثة والعادات المؤلمة وثقافة التطرف الديني والتشدد في الأمور العائلية والسلوك الاجتماعي بشكل عام، وكيف يتورط الجيل الجديد من الشباب ويبق أسيرا لكبت الأفكار والإنطلاق إلى العالم الذي نحبه، وكانت الأزمة كيف يفك هؤلاء الشباب قيود الأسر، إلى أن يأتي من يرشدهم إلى الطريق، وهو عاشق موسيقى الراب “أنس”، الذي يأتي كمعلم في مركز ثقافي بحي شعبي بالدار  البيضاء، ويقوم بتشجيع طلابه ويتتبع شغفهم والتعبير عن أنفسهم بحرية دون قيد من خلال غناء وموسيقى “الهيب هوب”، وكان نبراسه، إذا آمنت بقدرتك لن يستطيع أحد السيطرة على أفكارك .

وبالفعل تحدث المواجهة في صورة سينمائية أقرب إلى الخيال، لكنها كانت واقعية في أحكامها عندما يتواجه الطرفان الشباب الرافض لما حوله والعشق لتحرير أحلامه والمتشددين الرافضين للتغيير، وكأن الفيلم ينبض بثورة داخلك لتحرر من قيود بمثابة الإرث.

وفي ملمح آخر وجدتني اتساءل: “ترى ماذا تفعل عندما تمنحك السينما الأمل وتجعله يتسلل بداخلك ليذكرك بالمعنى الحقيقي لوجودك؟”. 

«ميكا»
كنت ساكنا في مقعدي داخل قاعة العرض عندما أنتفض بداخلي ذلك البركان الثائر في لحظة لا أعرف كيف أصفها، فهي لم تكن يأس ولا غضب، لكنها لحظة شرود، وربما عتاب على زمن، الفيلم الذي كنت أشاهده هو المغربي الفرنسي “ميكا” الذي يطرح بأسلوب شيق لم أعهده كثيرا في السينما المغربية، قضية الإصرار على الحياة والنجاح، وقيمة أن يكون لك مكان في هذا العالم القاسي، حيث يقدم لنا قصة الطفل “سعيد” الشهير بـ”ميكا”، الذي يبلغ من العمر 11 عاما، ويعيش في أسرة فقيرة، ووالده المريض الذي يقبل على عمليه جراحية يطلب من صديقه الذي يدعى “الحاج” أن يأخذه معه ويساعده بالحصول عمل حتى يصبح عائلا للأسرة، ويتوفى الأب، ويأخذ “الحاج” الطفل معه إلى كازابلانكا، حيث يعمل هناك في نادى للتنس، ويجد “ميكا” - ابن ضواحي مدينة مكناس الفقيرة - نفسه في عالم آخر لم يتوقع رؤيته أبدا، وتظهر الطبيقية في الصورة، فهو ينظف ويلم الكرات للأطفال في مثل سنه، ويتعاملون معه بقسوة، لكن تظهر المدربة الشابة “صابرينا” وتلتقط فيه موهبته باللعبة، وتساعده، وبعد عدد من المواقف الصعبة، يحاول الهروب إلى الحلم بمارسيليا، وعندما لا يستطيع دفع قيمة تذكرة هروبه بالمركب، يعود ويتمرن ويقفز فوق الصعاب ليجد ذاته بعد أن أصبح ندا للأطفال الآخرين رغم هزيمته في أحد المباريات، المشهد بحق كان عظيما وملهما لمدى التمسك بالحلم والإرادة فى إثبات الوجود .

استطاع المخرج سليم الفروخي أن يمنح مشاهديه عبر سيناريو ناعم وصورة شفافة وحوار واقعي، الاحساس بالفرحة والانتفاضة على اليأس، وأعتقد أن هذا الطفل - بطل الحكاية - سوف يترك تأثيرا كبيرا، ليس فقط لأبناء جيله ممن هم في مثل سنه، لكن للكبار أيضا، لابد أن تبحث عن نفسك وتغير مصيرك وتتحدى صعاب مجتمعك الجديد، وأنت تستطيع أن تفعلها مثل “ميكا” .

أداء الأبطال كان سلسا للغاية، وفي مقدمتهم الطفل زكريا عنان، الذي برع في تجسيد الدور بطزاجة وبراءة وتعبيرات مدهشة وكأنه ولد ليمثل، وكذلك صبرينا الوزاني وعز العرب القفاط، كما لعبت الموسيقى دورا مؤثرا في الانتقال بالإحساس من مرحلة الاستسلام إلى الصعود بالحلم، الفيلم هو الثالث لمخرجه إسماعيل فروخي، الذي فاز فيلمه “الرحلة الكبرى” بجائزة “أسد المستقبل” بـ”فينيسيا” .

«آدم»
يأتي فيلم “آدم” للمخرجة مريم توزاني في تجربتها الأولى، ليكون محطة فارقة في السينما المغربية المعاصرة، والذي يعرض قضية مؤرقة في المجتمع المغربي، وهي إنجاب الأطفال غير الشرعيين، عن علاقة خارج الزواج، ومصيرهم المجهول، لدرجة أن الأمهات يردن التخلص منهم عقب عمليات الولادة، حيث قدمها الفيلم في رؤية إنسانية محمومة المشاعر رفيعة المستوى الفني، كما تحمل دلالات بارزة بحسب شهادة الناقد الأمريكي الكبير تيم جريرسون.

في الواقع “آدم” هو قصة بسيطة لفكرة كبيرة، وهي معركة الأمهات العازبات بالمغرب، ومعاناتهن من أجل الحياة، وتركز الأحداث على رحلة ذاتية لامرأتين ساقهما القدر لأن يلتقيا صدفة ويعيشا معا ويغيرا مجرى حياة كل منهما، يبدأ الفيلم بظهور “سامية” في الشهر الثامن لحملها فارة من مصير غامض بعد علاقة غير شرعية، تبحث عن مأوى وعمل، لكن طلبها لا يجد صدى، وتنام بالشارع، وقبل أن يتملكها اليأس تطرق أحد الأبواب وتستقبلها أرملة شابة تدعى “عبلة”، تكافح للعيش مع ابنتها “وردة” البالغة من العمر 8 سنوات، وقد فقدت طعم الحياة منذ وفاة زوجها، صارمة في تصرفاتها تبيع فطائر الحلوى المغربية من خلال شباك منزلها، ومع تطور السرد الدرامي الرائع يبوح لنا السيناريو الذي كتبته المخرجة بالإشتراك مع المخرج نبيل عيوش، كيف تجد المرأتين طريقا حقيقيا لإعادة علاقتهما بالحياة متأثرين ببعضهما البعض؟، فـ”سامية” تجعل “عبلة” تخلع الرداء الأسود وتحاصرها للخلاص من همومها لتعيش، وفي مشهد رائع تجعلها ترقص على أغنية وردة “بتونس بيك وأنت معايا،” لتوحي الرقصة دراميا بتغيير في الجسد والروح، بالمقابل تتعلق “عبلة” وابنتها بـ”سامية”، لتعيد إليها الأمل في تقبل الواقع، حيث شاهدنا مشهدا آخر أكثر إبداعا في إنسانية الأداء، عندما تلد “سامية” طفلها، ويظل الصغير يبكي، لأن أمه ترفض أن ترضعه، ترفضه أصلا، فهي لا تعرف مصيره وهو غير شرعي، ولا يعرف المشاهد من أبوه، وتمر “سامية” بلحظات أرق، وتغوص في البكاء، وتركز الكاميرا على عين “عبلة” ولسان حالها ينطق: “أرضعيه”، وبحركة بطيئة تتجه الأم الصغيرة نحو الطفل وترضعه، ليصمت صراخه وسط آهات الحضور تأثرا بالحالة، وتطلق عليه اسم “آدم”، في إشارة رمزية أنه يجسد دنيا الرجل.

أداء الممثلون كان ساحرا، بل وكان استثنائيا، خاصة لبنى عزبال ونسرين الراضي، بأدوار “سامية” و”عبلة”، وجسدتا شخصيتهما بأكثر الطرق صدقا وإنصافا لذاتهما وعمقا للفكرة، أنهما رائعتان، كلاهما لديه حساسية خاصة في كيفية تفاعلهما معا، فلم تكن أيا منهما تتخيل أن حياتها ستتغير للأبد، فبعد أن كانتا هاربتين من مصيرهما، بات لهما مصير جديد، وهو ما أنعكس أيضا على أداء الطفلة وردة (دعاء بلخودة)، وما نجحت به المخرجة في مشهد الختام  بتلك الإيجابية التي تركها العمل رغم وجود مأساة، وأيضا للمشاعر الجميلة التي ملأت الشاشة طوال الأحداث، ورصدت الصورة عالم الشخصيات بواقعية شفافة وهي تلملم جراح مجتمع وتسعى لتداويه.

«صوفيا»
أتذكر هنا أيضا فيلم “صوفيا” للمخرجة مريم بن مبارك الفائزة بجائزة أفضل سيناريو عام 2018 بمسابقة “نظرة ما” في مهرجان “كان”، والذي تطرق لنفس القضية، من خلال قصة شابة في العشرين، تعيش مع والديها، تقع في حمل خارج إطار الزواج، وعند الوضع تمنح لها إدارة المستشفى 24 ساعة فقط لإحضار والد الطفل، قبل إخبار السلطات الأمنية وإيداعها السجن.

«روك القصبة»
هناك أيضا فيلم “روك القصبة” الذي بدأ بمشهد إستهلالي قوي بنظر النجم عمر الشريف في عيون الجمهور، وجهه يكسوه نضارة شاب في الثمانين من عمره، وتحدث عن ذكرياته مع السينما قبل أن يباغتنا بالقول إنه صاحب الجثمان الذي يتأهب الجميع لمواراته التراب، وأنه كان يتمنى لو أنه أعد العدة لهذه اللحظة، جلس فوق مدفنه، وبجواره كلب يتبول على قبره.
الفيلم تنطق صورته المدهشة بحكاية الحياة والموت وما بينهما، وهنا ينفتح الكادر على إتساعه لنرى عالما حقيقيا ينبض بصراع أزلي بين أفكار المرأة والرجل في الشرق، وهو ما كشفت عنه بالتتابع أحداث العمل.

عنوان الفيلم يوحي بأننا أمام عمل عن موسيقى الروك الشهيرة، حيث إنه مأخوذ من أغنية قديمة بالاسم نفسه لفريق الروك الإنجليزي “كلاش” منذ 30 عاما، لكن المخرجة الواعدة ليلى مراكشي فاجأتنا بموضوع مغاير انحازت فيه للمرأة “التي يحصى الله دموعها ويصب غضبه على من يبكيها” حسبما أنتهى الفيلم على لسان راويه، عمر الشريف أيضا، وهو ينظر إلينا نفس نظرة البداية.
في منزل عتيق على أطراف مدينة طنجة المغربية، تحيطه حديقة تلفها الأشجار لتقيه أشعة شمس الصيف الحارة، تدور أحداث الحكاية، تجتمع 3 أخوات ووالدتهن وخادمة عجوز بعد وفاة الأب ورجل البيت، وعلى مدار 3 أيام تجرى فيها مراسم تشييع الجثمان والعزاء تتصاعد العواطف وتتأرجح بين دموع وإبتسامات، لتكشف التفاصيل وقع العادات والتقاليد على أجيال مختلفة من النساء إنطلاقا من علاقتهن بالأب البرجوازي “السيد حسن” الذي كان مهيمنا على بناته بآليات مختلفة، ولتبوح النساء وتثور ولتحاول أن تكون، فالعائلة هنا تجتمع لدفن كبيرها الذي لا يريد طيفه مغادرة المنزل، حيث يظهر ويتكلم مع حفيده الذي طالما اشتاق لرؤيته في مشاهد بدا فيها الراوي والمتوفي السيد حسن (عمر الشريف) في أبهى صوره على الشاشة، يؤدي بمزاج خاص، ورشاقة متناهية، وبروح مبدعة تلهم طاقات بشر جمعت بين التسلط والشاعرية.

تتناول المخرجة المغربية عالم هو نوع من جنة مفقودة، يظل كل شيء فيها معلقا، تقرب الواقع من الحلم، كما يجتمع فيها الحاضر بالماضي الذي يفرض نفسه في اللحظة ويفجرها حيث تفتح الدفاتر وتصفي الحسابات وتنكشف الأسرار.

جمعت عددا من الممثلات العربيات الموهوبات، مرجانة علوي التي تؤدي دور “صوفيا” الابنة الصغرى التي تتمرد على سلطة الوالد وذهبت للعيش في الولايات المتحدة وصادقت مخرجا أمريكيا عملت معه وحققت ما كانت ترغب فيه من أن تكون ممثلة، لكن أدوارها كانت تقتصر فقط على تمثيل شخصية الإرهابية بمسلسلات أمريكية، وعودتها إلى بيت العائلة مع ابنها الحفيد الذي تمنى لو رآه قبل أن يموت، تكون مناسبة لتصفية الحسابات مع أسرتها، ولبنى الزبال التي لعبت دور “كنزة” أصغر الأخوات، وهي فتاة مطيعة عملت معلمة بناء على رغبة الأب، لكنها تمتلك حنكة في التغلب على المصاعب، واللبنانية نادين لبكي التي شاركت بدور “ميريام” التي تبدو مصطنعة إلى أقصى حد ولا تهتم سوى بالمظهر وعمليات التجميل ولا تريد أن تكبر.

بينما جسدت بتلقائية و مشاعر محبطة، الفلسطينية هيام عباس دور الأم التي تحاول أن تبدو قوية بعد علمها بخيانة زوجها مع الخادمة (فاطمة هراندي)، وإنجابه ولدا في السر، لم تكشف عنه الأحداث الستار سوى عندما يحب هذا الولد إحدى البنات الثلاث، وكان الأب يرفض إرتباطهما دون أن يكشف إن الولد أخ للبنت التي انتحرت قبل أن تعرف الحقيقة، وتقرر الأم طرد الخادمة بعد 30 عاما خدمت فيها العائلة، وسرعان ما تتكشف حقائق مثيرة حول الشقيقة التي انتحرت وهي حامل، وابن الخادمة (عادل بن شريف) الذي أحبها، ورفض الأب بإصرار زواجهما، حتى إنه أجبرها على مغادرة البلاد ليجهض مشروعهما تماما.

ليلى مراكشي أدخلت بعض عناصر الحكاية الشخصية للمرأة العربية على السيناريو، مثل الأمومة والبحث عن الهوية وتقاليد العائلة في حالات الفقدان وغيرها من المواضيع.. حيث أرادت أن تقارن ما يجري في فيلمها بأحداث العالم العربي. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة