صورة موضوعية
صورة موضوعية


الأغنية المغربية.. من رحلات الدكالي إلى «معلم» لمجرد

عمر السيد

الخميس، 15 ديسمبر 2022 - 03:34 م

لون خاص تميزت به الأغنية المغربية على مدار عقود، حيث الميل إلى الفلكلور الشعبي الذي يقترب بدرجة كبيرة من موسيقى «الراي» الشهيرة التي تعد جزء من الثقافة الموسيقية ببلاد المغرب العربي، وذلك بجانب الموسيقى الصوفية والأندلسية التي تعد موروث ثقافي تختص به المغرب، لكن هذه الموسيقى لم تنضج بين ليلة وضحاها، فهي نتيجة تراكمت وتطورات حدثت منذ انطلاق الموسيقى المغربية الحديثة في خمسينيات القرن الماضي، وحتى الآن، حيث أصبحت موسيقى تشبه الطابع الغربي، لكن بروح مغربية، وهو ما حقق لها النجاح عربيا وأفريقيا وعالميا أيضا. 

اقرأ أيضا| حفل غنائي لفرقة ياسر المغربي للموسيقى العربية ببيت السحيمي

شهدت الأغنية المغربية على مدار تاريخها مراحل عديدة من التطور، أبرزها مع جيل المجددين الذين كان لهم رؤى فنية مختلفة لنمط الموسيقى المغربية، وكان لهم دورا كبيرا في صنع تيار موسيقي جديد عرف في بدايته بالأغنية المغربية الحديثة أو المعاصرة، التي شهدت مراحل عديدة، إلى أن وصلت للقالب المعروف الآن.

من أبرز هؤلاء المجددين، الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، وهو من مواليد 1941، ويلقب بـ«عميد الأغنية المغربية»، وتم تكريمه مؤخرا بالدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للموسيقى والتربية، الذي تنظمه أكاديمية مراكش، كأحد أبرز الوجوه الغنائية والموسيقية في تاريخ الفن المغربي، ويحظى الدكالي بشعبية واسعة وتواجد قوي داخل الوسط الموسيقي المغربي، كونه أحد المجددين الذي برز نجمهم أواخر خمسينيات القرن الماضي، ولاقت موسيقاه وتجاربه إستحسانا كبيرا على الساحة المغربية في ذلك الوقت، ومنذ أغانيه الأولى عرف نجاحا كبيرا، حتى قيل إن أغنيته الأولى “يا الغادي في الطوموبيل” التي تم طرحها نهاية الخمسينيات، فاقت مبيعاتها المليون نسخة.

وكأغلب نجوم الوطن العربي، قرر الدكالى مع بداية الستينيات الانتقال إلى القاهرة، وكانت الخطوة الأبرز في مشواره الفني، وفي تكوين مدرسته الموسيقية الجديدة، فأشاد الموسيقار محمد عبد الوهاب بصوته، وفي تلك الفترة انطلقت صداقته مع عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وبدأ يقدّم أغانيه في سهرات الإذاعة والتليفزيون المصري.

​​​​​​​وفي تلك المرحلة خاض الدكالي العديد من التجارب الموسيقية التي جمعه بعضها بالعديد من المدارس الموسيقية المصرية في رحلة البحث عن ذاته ومحاولة الموائمة بين أفكاره وما هو سائد داخل الأوساط الموسيقية بمصر، فتغنى بالعربية الفصحى، وفي بعض التجارب باللهجة المصرية، وكذلك بالفرنسية، وكان تركيزه الأكبر في تلك المرحلة على الكلمة، لذا حرص على انتقاء كلمات أغنية من مدارس واتجاهات شعرية مختلفة، فتغنى بكلمات الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، والسوري نزار قباني، والمصري حسين السيد. 

ورغم كل هذه التجارب والمحاولات لم يجد الدكالي ما يبحث عنه، وشعر بالإنسلاخ تدريجيا عن هويته وثقافته كفنان مغربي، لذا لم يستمر بهذا الاتجاه وعاد إلى المغرب في مرحلة جديدة بمشواره، حاول خلالها الاستفادة من تجاربه السابقة، ودمجها مع ثقافته وفنه، ليقدم نمطا مختلفا - حسبما كان يسعى في ذلك الوقت – يمزج فيه بين الثقافة الشرقية والغربية، ويعتمد في المقام الأول على روح الفلكلور والفن المغربي، وتقديمه كلون موسيقي يستحق التجديد والمنافسة، وإمتازت ألحانه وموسيقاه بالمزج بين الإيقاعات الفلكلورية للمغرب المستوحاة من ثقافات المغرب العربي، وبين الإيقاعات الشرقية تارة، والغربية تارة أخرى، كما ضمت تجاربة بصمات لمدارس موسيقية مختلفة تعاون معها خلال مشواره منهم عبد السلام عامر، أحمد البيضاوي، محمد بن عبد السلام وعبد الله عصامي.

شكلت موسيقى الدكالي وغيره من رموز الفن المغربي في تلك الفترة، قواعد ودعائم المدرسة الموسيقية المغربية للأغنية الحديثة التي أعتمدت بشكل كبير على استيعاب كافة القوالب الموسيقية، ومزجها بالإيقاع الفلكلوري المغربي الفريد، ومهدت الطريق لنجوم آخرين أستلموا الراية من بعده، وساروا على نفس النهج، إلى أن وصلت الأغنية المغربية لصورتها الحالية، على أيدي نجومها بالعصر الحديث، ممن أستطاعوا الخروج بفنهم وثقافتهم إلى المنطقة العربية بأكملها، وربما إلى العالمية أيضا، وعلى رأسهم سميرة سعيد، صاحبة الشهرة الأوسع بين نجمات الغناء المغربي على المستوى العربي، بمشوار فني طويل يمتد لما يزيد عن 50 عام، قدمت خلالها 46 ألبوم، و500 أغنية، وكانت الممثل الأبرز للأغنية المغربية لعقود، واستطاعت بفضل موهبتها وجرأتها في الوصول لقاعدة جماهيرية كبيرة على مستوى الوطن العربي بإختلاف ثقافاتهم ولهجاتهم، وساعدها في ذلك اختيارها اللهجة المصرية - الأكثر انتشارا وتداولا بين شعوب المنطقة - في مخاطبة هذه الجماهير، مع الاحتفاظ بثقافتها الموسيقية - كأحد أبناء الشعب المغربي - وشغفها الدائم للتنوع فيما تقدمه، وخاصة على الموسيقى والألحان، التي أعتمد فيها طيلة مشواره الفني على الإيقاعات الغربية الحديثة، ومواكبة ما يطرأ عليها، مع مزجها بالإيقاعات السريعة الرنانة التي تتميز بها موسيقى المغرب العربي.

ومؤخرا ظهر جيل جديد من المطربين المغاربة استطاعوا غزو الساحة العربية وتحقيق جماهيرة كبيرة خارج حدود بلادهم، مثل جنات وعبد الفتاح الجريني وزوجته جميلة وسعد لمجرد الذي يعتبر واحدا من أنجح الأصوات العربية في السنوات الماضية، وهذا الجيل ظهر مصاحبا لجيل جديد من الموسيقيين والملحنين ممن أصبحت لهم بصمة واضحة في عالم الموسيقى، ليس في المغرب فقط، بل على مستوى الوطن العربي أيضا، ومنهم الملحن والموزع الموسيقي جلال الحمداوي، الذى تعاون معه لمجرد في أغنيته الأشهر والتي حققت إنتشارا وضجة واسعة وقت طرحها «معلم»، لكن تظل سميرة سعيد الممثل الأبرز للأغنية المغربية على الساحة العربية في العصر الحديث، وصاحبة التجربة الأكثر تميزا وثراءً لعقود طويلة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة