الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي .. ألا إن نصر الله قريب

الأخبار

الخميس، 15 ديسمبر 2022 - 09:24 م

يواصل الإمام الشعراوى خواطره حول سورة البقرة ويقف عند الآية 214 حيث يقول الحق: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ».

يوضح الشعراوي بقوله: وعندما نتأمل قوله الحق: «وَزُلْزِلُواْ» فأنت تكتشف خاصية فريدة في اللغة العربية، هذه الخاصية هي تعبير الصوت عن واقعية الحركة، فكلمة (زلزلوا) أصلها زلزلة، وهذه الكلمة لها مقطعان هما (زل، زل).

و(زل): أي سقط عن مكانه، أو وقع من مكانه، والثانية لها المعنى نفسه أيضًا، أي وقع من مكانه، فالكلمة تعطينا معنى الوقوع المتكرر: وقوع أول، ووقوع ثانٍ، والوقوع الثاني ليس امتدادًا للوقوع الأول؛ ولكنه في اتجاه معاكس، فلو كانت في اتجاه واحد لجاءت رتيبة، إن الزلة الثانية تأتى عكس الزلة الأولى في الاتجاه، فكأنها سقوط جهة اليمين مرة، وجهة الشمال مرة أخرى، ومثل ذلك (الخلخلة) أي حركة في اتجاهين معاكسين (خَلّ) الأولى جهة اليمين، و(خَلّ) الثانية جهة اليسار، وبهذا تستمر الخلخلة، وهكذا (الزلزلة) تحمل داخلها تغير الاتجاه الذى يُسمى في الحركة بالقصور الذاتي، والمثال على ذلك هو ما يحدث للإنسان عندما يكون راكبًا سيارة، وبعد ذلك يأتي قائد السيارة فيعوقها بالكابح (الفرامل) بقوة، عندئذ يندفع الراكب للأمام مرة، ثم للخلف مرة أخرى، وربما تكسر زجاج السيارة الأمامي حسب قوة الاندفاع؛ ما الذى تسبب في هذا الاندفاع؟ إن السبب هو أن جسم الراكب كان مهيأ لأن يسير للأمام؛ والسائق أوقف السيارة والراكب لا زال مهيأ للسير للأمام، فهو يرتج، وقد يصطدم بأجزاء السيارة الداخلية عند وقوفها فجأة، وعملية (الزلزلة) مثل ذلك تمامًا، ففيها يصاب الشيء بالارتجاج للأمام والخلف، أو لليمين واليسار، وفى أي جهتين متعاكستين، و«وَزُلْزِلُواْ» يعنى أصابتهم الفاجعة الكبرى، الملهية، المتكررة، وهى لا تتكرر على نمط واحد، إنما يتعدد تكرارها، فمرة يأخذها الإيمان، ثم تأخذها المصائب والأحداث.

اقرأ أيضًا .. خواطر الإمام الشعراوي .. هداية الدلالة وهداية المعونة

وتتكرر المسألة حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه: «متى نَصْرُ الله»؟ ويأتي بعده القول: «ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ» فهل يتساءلون أولاً، ثم يثوبون إلى رشدهم ويردون على أنفسهم «ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ» أم أن ذلك إيضاح بأن المسألة تتأرجح بين «متى نَصْرُ الله» وبين «ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ»؟، لقد بلغ الموقف في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاختبار والابتلاء إلى القمة، ومع ذلك واصل الرسول صلى الله عليه وسلم والذين معه الاستمساك بالإيمان، لقد مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، أي أصابتهم رجفة عنيفة هزتهم، حتى وصل الأمر من أثر هذه الهزة أن «يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ»، إن مجيء الأسلوب بهذا الشكل «متى نَصْرُ الله» يعنى استبطاء مجيء النصر أولاً، ثم التبشير من بعد ذلك فى قوله الحق: «ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ»، ولم يكن ذلك للشك والارتياب فيه، وهذا الاستبطاء، ثم التبشير كان من ضمن الزلزلة الكبيرة، فقد اختلطت الأفكار: أناس يقولون: «متى نَصْرُ الله» فإذا بصوت آخر من المعركة يرد عليهم قائلاً: «ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ»، وسياق الآية يقتضى أن الذين قالوا: «متى نَصْرُ الله» هم الصحابة، وأن الذى قال: «ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ» هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ينتقل الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك إلى قضية أخرى، هذه القضية شاعت في هذه الصورة وهى ظاهرة سؤال المؤمنين عن الأشياء، وهى ظاهرة إيمانية صحية، وكان في استطاعة المؤمنين ألا يسألوا عن أشياء لم يأت فيها تكليف إيماني خوفًا من أن يكون في الإجابة عنها تقييد للحركة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذرونى ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»، ورغم ذلك كانوا يسألون عن أدق تفاصيل الحياة، وكانت هذه الظاهرة تؤكد أنهم عشقوا التكليف من الله؛ فهم يريدون أن يبنوا كل تصرفاتهم بناءً إسلاميًا، ويريدون أن يسألوا عن حكم الإسلام فى كل عمل ليعملوا على أساسه.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة