جمال حسين
جمال حسين


يوميات الأخبار

حكايتى مع حبل المشنقة

جمال حسين

السبت، 17 ديسمبر 2022 - 07:58 م

دخلت حجرة الإعدام المرعبة بسجن الاستئناف وطلبت من عشماوى أثناء إجراء حوار صحفى معه بأن يلف حبل المشنقة حول رقبتى ففعل وصعد بى إلى طبلية الإعدام وهددنى بشد ذراع التنفيذ فأصبت بالانهيار !!
 

المونديال.. دروسٌ وعِبر

ساعات قليلة وينفض مولد كأس العالم الذى تعلَّقت قلوب وعقول مليارات البشرِ فى جميع أنحاء المعمورةِ تابعوا بكل شغف مبارياته ال64، التى أُقيمت على مدار ٢٨ يومًا، حيث المُتعة والإثارة وكرنفالات الاحتفالات والهتافات التى زلَّزلت المُدرجات رغم اختلاف الألوانِ والثقافاتِ والحضاراتِ

وبعد أن انفض المولد، ردَّد البعضُ المثلَ الشعبىَّ «العروسة للعريس والجرى للمتاعيس»، فى إشارةٍ إلى أن الكأسَ فاز بها مَنْ يستحقّها، والباقون لم ينالوا إلَّا السهرَ والتعبَ.. لكنى أُؤكِّد أن «الكل كسبان»، فقد نجحت تلك الساحرة المُستديرة فى توحيد الشعوبِ وهو ما فشل فى تحقيقه الساسة والقادة والآن لا بد لنا من وقفةٍ؛ لنستخلص الدروسَ والعِبر الموندياليَّة؛ حتى نستفيد فيما هو آتٍ.

الملاحظة المهمَّة أن كأس العالم الحاليَّة كانت النُسخة الأغلى تكلفةً على الإطلاق، فقد أنفقت قطر حوالى 200 مليار دولارٍ.

وعن الجوائز الماليَّة للمونديال حدِّث ولا حرج، فقد بلغت قيمة الجوائز - بعد فرمان الفيفا- مليار دولارٍ، بزيادة 209 ملايين دولارٍ عن مونديال روسيا الماضى 2018، حيث حصل المنتخب الفائز بالبطولة على 42 مليون دولارٍ، وحصل الوصيف على  30 مليون دولارٍ، وصاحب المركز الثالث على 27 مليون دولارٍ، وصاحب المركز الرابع على 25 مليون دولارٍ،وحصل كل لاعب على 10 الاف دولار عن كل مباراة لعبها .. وتُشير المعلومات ان فيفا حصد من بيع حقوق البث التليفزيونى والديجيتال، 5 مليارات دولارٍ، إضافةً إلى مليار دولارٍ من عقود الرعاية.

الدرس الأهم أن الساحرة المُستديرة نجحت فى توحيد الشعوبِ.. فقد رأينا جميع وسائل الإعلام العربيَّة تُعانق وسائل إعلام المغرب والسعوديَّة وتونس وقطر فى المُدرجات، وعايشنا مظاهرات الأفراحِ تنفجر فى شوارع بلداننا العربيَّة كافةً عقب الانتصارات التاريخيَّة التى حقَّقها المنتخبُ المغربى الذى وصل إلى المربَّع الذهبى، وكذلك الفوز التاريخى للمنتخب السعودى على الأرجنتين، والفوز التاريخى لمنتخب تونس على فرنسا، والنتائج الطيِّبة لمنتخبات السنغال والكاميرون وغانا، والتى شرَّفت القارة الأفريقيَّة، وظهرت نتائجها مبكِّرًا بإعلان فيفا زيادة عدد مقاعد افريقيا فى كأس العالم المُقبلة بأمريكا إلى ١٠.

ولعل من أهم هذه الدروس التى خرجنا بها من كأس العالم، أن الأحلام يُمكن أن تتحقَّق بالإيمانِ واليقينِ والسعى الجاد، وأن استصغار القُدرات يُحجِّم الطموحات، وأن كل مُتوقِّعٍ آتٍ إن آمنا به، وصَدَق مَنْ قال «من يتهيَّب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحُفر «

كان البعض يظن أن أقصى حدٍّ للحلم العربى هو استضافة المونديال، لكن التجربة فاقت كل التوقعات، ومع كلِّ مباراةٍ لمنتخبٍ عربىٍّ كانت الأرض «تتكلّم عربى»، فلا تعرف المصرى من المغربى، ولا السورى من التونسى، ولا اللبنانى من الخليجى، ولا الجزائرى من العراقى.

الدرس المهم أن وصول المنتخب المغربى إلى المربَّع الذهبى عرَّى ازدواجيَّة الغرب فى التعاطى مع بعض القضايا، فظهرت وسائل إعلاميَّة أوروبيَّة تصف أسود الأطلس بـ»الداعشيَّة».

أيضًا الجنس الناعم كان أحد مظاهر البَهجة فى المونديال، إذ زيَّنت الفتيات الجميلات من كل الجنسيات المُدرجات،.. أيضًا فضيلة البِر بالوالدين كانت حاضرةً بقوةٍ فى هذه الأجواء الكرويَّة المُلتهبة، خاصةً من لاعبى المنتخب المغربى، الذين شاهدناهم يُقبِّلون ويحتضنون أُمهاتهم وآباءهم، عقب كل فوزٍ، مُؤكِّدين أن الفضلَ لدعائهم فيما وصلوا إليه...

بكاء كبار النجوم كان أحد المشاهد المُؤثِّرة وهو ما شاهدناه من نيمار البرازيلى، ورونالدو البرتغالى، وسواريز الأوروجوانى..

فى حجرة الإعدام 

طوال فترة عملى محررا أمنيا بقسم الحوادث ثم مندوبا لجريدة الاخبار بوزارة الداخلية كانت تستهوينى زيارات السجون للتعرف على ما يجرى خلف هذه الاسوار العالية والالتقاء بالمساجين والتعرف على الجرائم التى قادتهم لقضاء سنوات طويلة خلف القضبان او  الحصول على احكام بالاعدام وارتداء البدلة الحمراء فى انتظار لقاء مع عشماوى قادم لا محالة ..أرشيفى الصحفى يضم آلاف القصص المثيرة ولقاءات مع سجناء وسجينات فى قضايا جنائية وارهابية اجريتها داخل عدد كبير من السجون منها سجون طرة السبعة وسجون ابو زعبل االثلاثة ومجمع سجون وادى النطرون الثمانية وسجون القناطر للرجال وسجن الاستئناف وسجن النساء بالقناطر وسجون برج العرب والزقازيق والمرج والقطا والحضرة وسوهاج وسجلت بقلمى وعدسة زملائى المصورين قصص وحكايات لسجناء وسجينات خلف القضبان كانت سببا فى فوزى بأغلى جائزتين من ثلاثة جوائز منحتها لى نقابة الصحفيين الاولى فى القصة الانسانية عندما نجحت جريدة الاخبار فى الافراج عن أقدم سجينة بسجن النساء رغم مرور ١٠ سنوات على قضائها عقوبة المؤبد ٢٥ سنة فى قضية مخدرات بسبب عدم قدرتها على سداد ٢٥ مليون جنيه قيمة رسوم تخزين شحنة المخدرات التى جلبتها من لبنان باحد الموانى البحرية وهى القضية التى كانت جريدة الاخبار سببا فى تحرك وزيرى الداخلية والعدل والنائب العام لاضافة مادة « المعسرة « للقانون لحل مشكلة المعسرين 

والجائزة الثانية كانت عن  حملة صحفية بعنوان « طرة لاند « لكشف اسرار الكبار والمشاهير داخل السجن.. لكن ذاكرتى لا يمكن ان تنسى تفاصيل تلك الستين دقيقة التى قضيتها داخل حجرة الاعدام بسجن الاستئناف برفقة عشماوى اثناء اجراء حوار صحفى معه حيث فاجأته بطلب غريب بان يلف حبل المشنقة حول رقبتى وان يصعد بى الى طبلية الاعدام فى مشهد تمثيلى لكن عشماوى تلاعب بأعصابى وهددنى بفتح الطبلية فكدت أموت من الخوف !!

حدث ذلك فى عام ٢٠٠٥ عندما حصلت على تصريح امنى لعمل حوار صحفى مع المساعد اول شرطة حسين قرنى اشهر من حمل لقب عشماوى بقطاع مصلحة السجون والملقب بالقاتل البريء الذى نفذ حكم الاعدام شنقا فى 1070 مجرما ومجرمة تحقيقا للقصاص العادل ودخل موسوعة جينيس للارقام القياسية كأكثر من نفذ أحكاما بالإعدام على مستوى العالم وتوفى العام الماضى بأزمة قلبية 

التقيت عشماوى فى مكتبه الملحق بحجرة الاعدام بسجن الاستئناف الذى يقع بمنطقة باب الخلق خلف مديرية امن القاهرة القديمة .. ساعة وانا استمع الى حكاياته المثيرة  مع حبل المشنقة وحجرة الاعدام اثناء شنق الخارجين على القانون 

حكى لى عن ذكرياته مع حبل المشنقة واهم من قام بإعدامهم خاصة الجاسوسة هبه سليم وعزت حنفى ومنفذى التفجيرات الارهابية والقتلة والمتهمين فى قضايا المخدرات الكبرى  ..

روى لى كيف انهار نجوم ونجمات الفن اثناء الصعود بهم الى حبل المشنقة اثناء تصوير مشاهد الاعدام فى افلامهم السينمائية وقال انه أعدم فريد شوقى ويسرا وفيفى عبده وهانى سلامة وروبى خلال تصوير افلام لهم داخل السجن وان يسرا كانت الاكثر تماسكا بينما انهارت روبى وأغمى عليها عندما وضع الحبل على رقبتها

وخلال إجرائى الحوار مع عشماوى طلبت منه ان يقوم بتمثيل إعدامى وتنفيذ كل الخطوات باستثناء شد الذراع الذى ينتج عنه سقوط ارضية طبلية الاعدام الحديدية حتى لا تكون نهايتى على ان يقوم زميلى المصور بتصوير هذا المشهد التمثيلى المروع !! .. وافق بعد إلحاح وأحضر حبل المشنقة السميك وربط ذراعى للخلف بقوة وقام بتحزيم كتفى بحزام جلدى ملحق بحبل المشنقة وهنا شعرت ان عظامى تتكسر ثم قيد قدمى من اسفل واخيرا البس وجهى تلك العصابة السوداء السميكة التى تحجب الضوء والضياء واصطحبنى الى الطبلية حيث صعدت سلما من عدة درجات وربط الحبل فى السقف ورغم علمى ان المشهد تمثيلى الا ان ضربات قلبى تصاعدت بقوة خاصة عندما أمسك بيدى ووضعها على ذلك الذراع الحديدى وأبلغنى انه اذا شد الذراع ستطير رقبتى وينتهى كل شيء ..شعرعشماوى بالانهيار الذى أصابنى وأبعدنى عن الطبلية لأتنفس الصعداء بعد هذه المغامرة غير محسوبة العواقب  ومن يومها أصبحت صديقا لعم حسين اشهر عشماوى فى مصر رحمه الله

امسكوا طرف الخيط

يومًا بعد يومٍ يزداد إعجابى بالجهود التى تبذلها الدكتورة نيفين القبَّاج، وزيرة التضامن الاجتماعى، التى تقتحم مشكلات وقضايا اجتماعيَّة لم يَقترب منها أحدٌ من قبل، كما تخوض معارك لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ونشر الوعى الإيجابى والمجتمعى بالقضايا القوميَّة المهمَّة.

خلال الأسبوع الماضى، نظَّمت الوزيرة حملات ميدانيَّة مُكثَّفة تجوب القرى والنجوع بجميع المحافظات لمدة 16 يومًا؛ لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات تحت شعار «امسكوا طرف الخيط.. وشاركوا فى القرار»؛ للتأكيد على أنه بمقدور أى فتاةٍ أو سيدةٍ أن تُواجه العنف بجميع أشكاله الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة؛ إذا عَرفت حُقوقها، وعَرفت كيف يُمكنها التغلُّب على العقبات التى تُواجهها، ووقتها يُمكنها أن تبدأ فى الإمساك بالحَلِّ، وأن تُساعد غيرها فى النجاة من العنفِ، والمُشاركة فى اتخاذ القرارات التى تخصها، ومن ثمَّ المُشاركة فى كل مناحى الحياة.

القضية مهمة خاصة بعد ان أكَّدت منظَّمة الصحة العالميَّة أن 736 مليون امرأة تعرَّضنَ لعنفٍ جسدىٍّ أو جنسىٍّ خلال حياتهنَّ، بواقع واحدة من كل ٣ نساء،.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة