د. أشرف غراب
د. أشرف غراب


د. أشرف غراب يكتب: أفريقيا والعرب.. وتحويل القِبلة

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 18 ديسمبر 2022 - 03:42 م

سياسة مُغايرة تمامًا للنهج الأمريكى تجاه العرب وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، بعد زيارة الزعيم الصينى تشى جين بينغ للملكة العربية السعودية، وعقده لثلاث قِمم تُعدُّ الأبرز والأهم بالنقد والتحليل على الساحة الدولية حاليًا، فبعد أن مارست الولايات المتحدة سياسة الاستعلاء ووسيلة العصا والجزرة كأداة تعاملٍ مع غالبية الدول التى تعتبرها مرتعًا لها، عادت لتبسط جناح الذل تطلب الرحمة، وتستجدى ود الأفارقة والعرب من جديد، فعقب رحيل فارس الصين مباشرةً، دعت أمريكا على عجلٍ لعقد قمة أفريقية أمريكية، لم تكن فى الحُسبان بالمرة، وإنما أراها ردة فعلٍ قوية على القمم الناجحة لرئيس بكين، لكى تُخفِّف من آثارها ووقعها على القارة السمراء والمنطقة الأهم بالنسبة لها، وعلى دول الخليج الذين حوَّلوا قبلتهم إلى الشرق كثيرًا.

ورغم خطب ود الزعماء الأفارقة لعِدَّة مطالب تتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، إلا أن العشم الأمريكى لم يجد ترحابًا من غالبية الحضور، بل إن بعضهم التزم الحياد ولم ينطق ببنت شفة لوسيلةٍ داخلية محلية أو دولية عالمية فى هذا الشأن، مما يُؤكِّد أن سياسة الغطرسة والقطب الأوحد المُتحكِّم فى القرار ما عادت على الطاولة، وبالأخص فى أفريقيا والدول العربية التى عانت لزمن منها، وقد يلوح فى مخيلة قادتها أنها ما جاءت إلا ردًا ونكايةً فى حضور الزعيم الصينى بقوة على أرض الذهب، عازمًا ومُؤكدًا بالاتفاقيات والشراكات وعلاقات التعاون، أنه سيلقى ترحابًا من الجميع، بعد أن ضاق بهم ذرعًا من الغرب وأفعاله.

المراقب للوجود الصينى فى أفريقيا حاليًا، ووسط الدول العربية، بلا شك يلحظ الفارق الشاسع فى العديد من المناحى، فإذا ما نظرت إلى التعامل ذاته، لربما وجدت كِبرًا وغرورًا ومواربةً للأمور فى الجانب الأمريكى، الذى لم يُكلف نفسه فى القمة الأخيرة له مع دول القارة المجىء إلى ساحتهم، بل إنه بغباءٍ دعاهم لعُقر داره، تاركًا مشاكلهم وأزماتهم وتحدَّث قبلًا فى قضاياه، التى منها بالطبع مدى التشابك الأمريكى الصينى الأوروبى الروسى فى القضية الأوكرانية، وسياسة فرض الكلمة وتشكيل الكيانات والتوازنات، وهو على علمٍ بأن هذه الدول ما رأت فى سياستهم إلا الشر منقطع النظير والإهمال والتطنيش لما يُعانونه، خلافًا لتدخُّلهم السافر فى شئون دولهم الداخلية دون حياءٍ، ثم زعزعة الاستقرار والتلويح بالوعيد والتهديد، الذى يرونه إهانةً لثقل القارة التى تُعادل ثلث ميزان القوة عالميًا اقتصادًا وبشرًا وأرضًا وكنوزًا وثروات، وعلى الجانب الآخر قوة ناعمة تبسط اليد للصفح والتشارك والدعم والعون، ناهيك عن الحضور إليهم وهو يُعلن كامل تقديره واحترامه لقادتها وشعوبها، لأن الصين وزعيمها يعلمان جيدًا ما تمثله أفريقيا والوطن العربى فى المعادلة الصعبة من عمر الاقتصاد العالمى اليوم.

توجُّه أمريكا لأفريقيا اليوم بالعون جاء متأخرًا، بعد خسارتها ودول الخليج العربى، بل والعرب عامةً، فهى لم تبالِ بقارة الكنوز لعقود، وإنما تركتها ووقفت إلى جوار أدنى حلفائها الأوروبيين منزلةً وهى أوكرانيا التى تُحاول الانضمام للاتحاد الأوروبى ولم تحصل حتى على العضوية إلى الآن بسبب الوقوف الروسى فى وجهها، لإزاحة أمريكا ودول أوروبا عن الاقتراب من حدوده وتهديد أراضيه، واعتباره لأرض كييف جزءًا من أملاكه، مما أشعل فتيل الحرب مع الجميع ولم تردعه عقوبات واشنطن ولا عداوتها وحلفائها، فسارعت أمريكا بتقديم نحو 55 مليار دولار لها مساعدات فى أقل من بضعة أشهرٍ، بينما لم تبلغ استثماراتها فى القارة السمراء كلها مثلها فى سنوات، وتلك كانت المحاولة لجمع الشتات فيها بدعوة 50 زعيمًا في قمة لثلاثة أيامٍ متواصلة هذا الشهر، فى محاولة إرضاءٍ و بناء شراكات اقتصادية جديدة، أو بمعنى أدق فتح صفحة من العلاقات جديدة فى بلاد الثروات.

بالطبع استفادت أفريقيا والدول العربية كثيرًا وستستفيد أكثر من زيارة زعيم الصين لأراضيهم، وهو ما تراه واضحًا وضوح الشمس فى صحوة أمريكيا واستجلابها زعماء القارة إليها وهى مُنكسرة، وتقديمها حزمة من المساعدات الدولارية والإفصاح عنها، خاصةً بعد أن درست الموقف جيدًا من وجود زعيم بكين على أرض الكنوز بنحو 100 مليار دولار من الصفقات التجارية فى عامٍ واحد فقط، لذلك سارعت إليها لتعويض خسارة دول الشرق الأوسط، وغالبية دول الخليج، مخزونها من النفط والغاز اللذين هما الأشد طلبًا حاليًا فى ظل التعنت الروسى معها ومع أوروبا فى ضخ الغاز وخلق أزمة مثلت لهم جحيم الشتاء، كما خسرت أيضًا آلاف المليارات من الدولارات من الأرصدة والصناديق السيادية المالية بالخليج، ولك أن تعلم أن قيمة التبادل التجارى بين الصين وقارة أفريقيا عام 2021 يُقدر بنحو 261 مليار دولار، بينما لم يتخط الأمريكى 64 مليار دولار، وبما يمثل 1.1 بالمئة من حجم التجارة الأمريكية مع العالم كله، وهو ما لا يجعل الأراضى السمراء مفروشةً بالورود لها هناك، كما لم تُصبح مفروشةً بالورود فى الخليج والشرق الأوسط.

أما عن اللقطات الحيّة التى تحتاج إلى التدقيق والتحليل لأسلوب الكبار، وكيف تُمثِّل تلك الأساليب أهميةً للمُتعاملين بها، وعلى الأخص حينما تكون هناك مصالح وعلاقات وتبادل تجارى، فسترى أيضًا الغطرسة الأمريكية واضحة على لسان زعمائها طيلة أعوام مع أفريقيا والخليج والعرب، وقد فعلها وزير دفاعها قبل أيامٍ من دعوة قادة أفريقيا لها بتحذير دول أفريقيا من عقد صفقات تجارية مع كل من بكين الصين وموسكو، فهى لن تتعلم وقادتها لغة القوة الناعمة أبدًا، ويبدو أن نهج التهديد والترويع متلازمة لديها لم ولن تتخلى عنها، خلافًا لسياسة الرئيس الصينى الذى يُبادر بالتنازلات ويُقدمها على طبقٍ من ذهب للأفارقة والخليج والعرب، ومن بينها تقديمه لمساعدات بلغت فى جولته الأخيرة  60 مليار دولار لدعم التنمية فى القارة هذا العام، وأسقط ديونًا وأجل أخرى، ناهيك عن وضعه لعدة صفقات تحت الطلب، ومد يد العون فى الأزمة الوبائية ودفعه باللقاحات والكمامات ووسائل الحماية لبعضها، كما فعل زعيم روسيا أيضًا لم تفعله أمريكا، إذ دعاهم بوتين لمنتجع سوتشى، وأقام لهم مأدبة عشاء، وقدم المساعدات، وعبَّر عن احترامه للخصوصيات الداخلية، ومواقفه الجديره بالاحترام للأزمات الحادثة، وأنه يترك لهم القرار إذا ما أرداوا المساعدة، وهو ما يؤكد أن التوجُّه الشرقى بات الأقرب لأفريقيا والخليج والعرب عن أمريكا وشركائها، ويبسط جناح الاستثمار لها واسعًا، والذى يعود الفضل فى تحريك مياهه الراكدة فى الآونة الأخيرة للحضور الصينى، وتأهبه بالمبادرة، وفوزه فى السباق قبل الجميع.

إن هناك العديد والعديد من المواقف التى جعلت زيارة الرئيس الصينى زلزالًا يضرب عرش الكبار، ويُسقط أوراق التوت عنهم، ويفضح مكانتهم عند أفريقيا والشرق الأوسط والعرب، وستبقى الكلمة فى النهاية لزعماء السمراء، هم وحدهم من يُحددون اتجاه القِبلة، وإن كانت أراها جديرةً بالشرقية عن الغربية، وهو المرأى على الساحة الآن والمحسوس، وكم سيكون جيدًا إن استغلت المواقف وخلقت منها نجاحات، ويجب أن تتشابك الأيدى وتترابط العلاقات الداخلية أكثر بين قادتها، ومن ثمَّ توحيد القرار، وفرض هيمنة الثروات فى صُنع التاريخ الغائب عنا بفعل همجية التعالى، وغطرسة الاستبداد.. وأخيرًا أختم مقالى بتدوينةٍ أعجبتنى للمتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضى، ردًا على تعليق أحد المواطنين على خبر الزيارة الحالية للرئيس السيسى إلى واشنطن، وتضمن تعليق المواطن الاستفسار عن موقف مصر من أزمة أوكرانيا وروسيا، قائلاً: "هو احنا مع مين؟ أمريكا وأوروبا ولا الصين وروسيا؟"؛  وجاء رد المتحدث الرسم باسم رئاسة الجمهورية: "مصر لها علاقات صداقة مع جميع دول العالم، علاقات متوازنة أساسها الاحترام المتبادل والتعاون البنَّاء والمصالح المشتركة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، والأمر بطبيعة الحال ينطبق على الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا؛ ومصر تربطها علاقات طيبة جدًا مع جميع أطراف الأزمة، سواء أطراف مباشرة، روسيا وأوكرانيا ودول الناتو، أو غير مباشرة، الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة".. حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه وسوء.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة