صورة جماعية للقادة والزعماء المشاركين فى القمة
صورة جماعية للقادة والزعماء المشاركين فى القمة


مكاسب مصرية من القمة الأفريقية الأمريكية.. الولايات المتحدة ترمم جدار الثقة مع القارة السمراء

آخر ساعة

الإثنين، 19 ديسمبر 2022 - 11:46 م

كتب: أحمد جمال

يعد التعهد الذى قدمته الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ضخ 55 مليار دولار من الاستثمارات إلى دول القارة الأفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة دليلاً واضحَا على مدى التحول في الرؤية الأمريكية تجاه أفريقيا، ما يؤشر على جملة من المكاسب التى ستحظى بها دول القارة، وفى القلب منها مصر، التى تعد الأكثر جاهزية من حيث النواحى التكنولوجية والبنى التحتية وحجم السوق الذى يستطيع استيعاب الجزء الأكبر من تلك الاستثمارات.

55 مليار دولار استثمارات ومنطقة حرة مشتركة تضمن تنفيذ التعهدات الأمريكية

جاهزية مصرية تكنولوجية وإنشائية تدعم الاستفادة من الاستثمارات الأمريكية

تخصيص مقعد للدول الأفريقية بمجلس الأمن وقمة العشرين أبرز المكاسب

المكاسب السياسية تطغى على الاقتصادية

ومن الواضح أن القمة التى استمرت لمدة ثلاثة أيام وشارك فيها 49 من زعماء ومسئولى وقيادات الدول الأفريقية برهنت على أن هناك جدية أمريكية هذه المرة فى تنفيذ تلك التعهدات، وأن التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم باستثمارات تصل إلى حوالى ثلاثة ونصف مليار دولار تشكل مقدمة لضمان توجيه تلك الاستثمارات والاستفادة منها، بخلاف عهود سابقة قطعتها الولايات المتحدة على نفسها لكنها لم تجد أثراً للتنفيذ على الأرض.

الرئيس مع وزير الدفاع الأمريكى فى البنتاجون

الجدية الأمريكية
وما يؤكد على الجدية الأمريكية التى تأتى هذه المرة فى سياق تنافسى مع الصين التى كانت اللاعب الأبرز من حيث الانخراط الاقتصادى مع دول القارة خلال السنوات الماضية، أن ما تمخض عن القمة لم يقتصر فقط على حدود الاستثمارات والجوانب الاقتصادية الأخرى المتمثلة فى الغذاء والصحة والتعليم والتجارة والتنمية، لكن طال أيضا أبعادا سياسية مباشرة تضمن تعهدا أمريكيا بتخصيص مقعد للقارة الأفريقية ضمن مجموعة العشرين خلال الاجتماع المقبل المقرر عقده العام القادم، وكذلك تخصيص مقعد للقارة بمجلس الأمن.

وتبعث مخرجات القمة بمزيد من التفاؤل لأنها تطرقت إلى إصلاح أوضاع الهيئات المنوطة بالتنسيق بين دول القارة وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي، ولم تكتف الإدارة الأمريكية الحالية بالحديث فقط على تقديم وعود استثمارية كما حدث فى القمة الأولى التى انعقدت قبل ثمانية سنوات فى عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، لكنها خاضت فى كثير من التفاصيل التى تبرهن على وجود إرادة هذه المرة للدخول فى معترك التنافس مع الصين وروسيا من بوابة النفوذ الخارجي، وأن الحديث عن ضخ 15 مليار دولار فى الشراكات الاستثمارية المشتركة يبرهن على أن هناك توازنا مطلوبا بين أهداف الولايات المتحدة ومكاسب دول القارة.

دور محورى لمصر
وقال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، إن تنوع حضور القمة بين زعماء وقادة الدول إلى جانب رجال الأعمال وأبناء القارة فى الشتات والمغربين وكذلك منظمات المجتمع المدنى يبرهن على أن هناك جدية أمريكية فى ترميم جدار الثقة مع القارة الأفريقية.

وأضاف أن القمة شهدت الطرق إلى مجالات مختلفة ما يجعلها تتصف بالشمول، إذ إنها أثارت قضايا قديمة على رأسها مكافحة الإرهاب والأوضاع الاقتصادية الصعبة لدول القارة إلى جانب الأزمات السياسية التى لم يتم حلها إلى الآن فضلاً عن قضايا اجتماعية تتعلق بالصحة والتعليم، إلى جانب قضايا حديثة بينها تأثيرات جائحة كورونا على بلدان القارة والحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على الأمن الغذائى والمائي، والأخير أضحى بمثابة أمن قومى تعمل مصر على طرحه فى كافة المحافل الدولية.

وشدد على أن الحضور المصرى في القمة كان فاعلاً وأن رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى تضمنت ضرورة التوجه باستمارات ليس فقط لمجابهة الأزمات التى تعانيها القارة لكن من أجل التنمية المستدامة والاتجاه نحو تطوير البنى التحتية لبدان القارة والقطاعات الإنتاجية المختلفة سواء كان ذلك بين بلدان القارة الأفريقية وبعضها أو بين بلدان القارة والعالم الخارجي، لافتًا إلى أن القمة تؤسس لشراكات أفريقية ومقاربات جديدة مع الجانب الأمريكي.

وأكد أن الحضور المصرى القوى بالقمة برهن على أن القاهرة تلعب دوراً محوريًا فى القارة، وفى علاقاتها مع الأقطاب الأخرى، وأن رئاسة الاتحاد الأفريقى فى العام 2019 وعقد أكثر من 20 مؤتمرا إقليميا ناقش كافة قضايا القارة كان بمثابة تمهيد لزيادة وتيرة التنسيق بين دول القارة، مشيراً إلى أن أفريقيا شهدت خلال السنوات الأخيرة الماضية ظهور قوى ذات نفوذ وتأثير قوى لديها منها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر وهو أمر كان محل مراعاة من الطرف الأمريكى خلال القمة الأخيرة.

وأضح أن مصر عرضت خلال القمة رؤية متكاملة للتعامل مع أزمة الغذاء والتأكيد على مجموعة من المبادئ الواجبة التنفيذ من أهمها تخفيف أعباء الديون الخارجية لدول القارة وتكثيف الاستثمارات الزراعية الموجهة لأفريقيا وتعزيز التكامل بين دول القارة والارتباط الوثيق بين الأمن الغذائى والأمن المائي، بالإضافة إلى جهود التكيف المناخى وضرورة الالتزام بمخرجات قمة شرم الشيخ للمناخ.

وعبرت اللقاءات التى عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسى مع العديد من المسئولين الأمريكيين عن وجود رؤية مصرية لإيجاد حلول سياسية لتحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك العمل على البناء لما توصل إليه مؤتمر المناخ الذى كان شاهداً على تقديم الولايات المتحدة دعمًا للدول الأفريقية المتضررة ودفع الدول التى تسببت فى الأزمة المناخية إلى تعويض الدول التى تضررت ولم يكن لها دور فى هذه الأزمة العالمية.

تحولات دولية
وأشار الدكتور يسرى الشرقاوي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، إلى أن نجاح القمة الأخيرة يرتبط بالتحولات العديدة التى يشهدها المجتمع الدولى بعد ثمانى سنوات من انعقاد قمة أولى لم تكن على المستوى المأمول، وهو ما أفرز عن الحاجة لإعادة صياغة التحالفات فى منظومة دولية متعددة الأقطاب وفى ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعانيها العالم ومساعى الدول العظمى بالفوز بتحالفات تؤمن مصالحها.

وأوضح أن غالبية الاستثمارات الأمريكية ستكون فى مجالات البنى التحتية والاقتصاد الرقمى والزارعة والغذاء، وكذلك تكوين شراكات استثمارية مع دول القارة المختلفة سواء كان ذلك عبر وكالة التنمية الدولية الأمريكية أو عبر مؤسسات تمويل الائتمان، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة على استفادة أكبر من الثروات الطبيعية للقارة وفى القلب منها البترول والغاز، وفى المقابل تنتظر الدول الأفريقية تعظيم الاستفادة من استقدام التكنولوجيا ومعاهد الصناعة والبحث العلمى وتعظيم التجارة البينية.

وشدد على أن مصر تعد أولى الدول الأفريقية من حيث الجاهزية لاستقبال الاستثمارات الأفريقية سواء كان ذلك على مستوى استعدادات البنى التحتية والتشريعية والتكنولوجية التى تجعلها مستعدة للدخول فى شراكات استثمارية وقادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.

نظرة أكثر شمولية
وقالت الدكتورة هبة البشبيشي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، إن المكاسب السياسية قد تطغى على نظيرتها الاقتصادية من تلك القمة، وأن دعم الولايات المتحدة بوجود مقعد دائم لدولة أفريقية فى مجلس الأمن يعد أبرز المكاسب، كما أن الدعم الاقتصادى الذى تقدمه الإدارة الأمريكية للدول الأفريقية يحمل أوجه سياسية لأنه يعبر عن انفتاح رأسمالى على دول أفريقية لديها توجهات اشتراكية غير مرنة.

وأضافت أن دعم الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان فى بلدان القارة يؤشر على أن هناك نظرة أكثر شمولية للأوضاع الحقوقية لدى دول القارة دون حصرها فى أوجه بعينها، مع مساعى الإدارة الحالية كسب ثقة أعضاء الاتحاد الأفريقي.

وأبدت البشبيشى تخوفها من أن تصب القمة لصالح الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي، لأنها تستفيد من المواد الخام وتجد بدائل الطاقة والغذاء فى حين أن الوسائل التكنولوجية التى تجعل دول القارة أكثر قدرة على الاستفادة من خيراتها مازالت غائبة ولا تستطيع أغلب الدول استخراج المعادن كما أن قدراتها التوزيعية مازالت ضعيفة وبحاجة إلى دعم تكنولوجى غير مشروط من الولايات المتحدة وغيرها من الدول الاستثمارية فى القارة.

وأكدت أن الصراع الأمريكى الصينى قد لا يصب فى صالح القارة إذا لم يكن هناك استفادة من الثروات الطبيعية بشكل أفضل، كما أن تعدد أقطاب الصراع مع دخول فرنسا التى تروج لنفسها كقوة امبريالية تستهدف إعادة إعمار القارة وإعادة البشر إلى مواطنهم الأصلية سيؤدى إلى تنافسية غير محسوبة العواقب.

ويؤكد متابعون أن الصين وروسيا لن تقفا مكتوفتى الأيدى وسنرى مبادرات أخرى صينية روسية، وقد يتطور الأمر فى قادم الأيام إلى قمم تكتلات، وهو أمر بحاجة لإعادة دراسة وتنسيق من جانب الدول الأفريقية حتى لا تقع فريسة لتلك الدول، من خلال التطلع إلى إبرام اتفاقيات تجارية عادلة لتحسين الوضع الاقتصادى فى البلدان الأفريقية، إضافة إلى مبادرات عديدة فى مجالات الطاقة والخدمات المالية وتغير المناخ والأمن الغذائى والرعاية الصحية، واستثمار هذا التنافس لوضع حد للأزمات الأمنية التى تشهدها بعض بلدان القارة خاصة منطقة الساحل.

وكان وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن قد حذر خلال اجتماع فى مستهل القمة الأمريكية الأفريقية من أن نفوذ الصين وروسيا «يمكن أن يكون مزعزعا للاستقرار»، وخلال منتدى نُظم على هامش القمة للجالية الأفريقية فى الولايات المتحدة، أكد وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن أن الاستراتيجية الأمريكية الجديد تتلخص بكلمة واحدة هى «شراكة».

توقيت مهم
قال اللواء محمد صلاح أبوهميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهورى بمجلس النواب، الأمين العام للحزب، إن القمة الأمريكية الأفريقية المقامة جاءت فى توقيت هام ومناسب فى ظل أزمة اقتصادية عالمية يعانى منها العالم أجمع جراء الحرب الروسية- الأوكرانية، خاصة أنها جاءت بعد القمة الصينية العربية التى أقيمت بالسعودية الأيام الماضية، ما يؤكد تسابق الدول الكبرى فى التقارب مع الدول العربية والأفريقية وهذا يساهم فى تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية عظيمة للدول الأفريقية والعربية وعلى رأسها مصر.

أوضح أبوهميلة، فى بيان له إلى أن الصين كانت الشريك التجارى الثانى لدول القارة الأفريقية لكنها بعد عام 2013 أصبحت الشريك الأول لدول القارة السمراء وزادت حجم استثماراتها وحجم التبادل التجارى بينهما، موضحا أن الإحصائيات قدرت أن حجم التبادل التجارى بين الصين ودول القارة الأفريقية تجاوز العام الماضى 200 مليار دولار، وتسعى الصين لزيادة استثماراتها وحجم التبادل التجارى باستثمارات حقيقية على أرض الواقع.

تابع رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهورى بمجلس النواب، أن الرئيس السيسي يتحرك ويحرص على تعزيز الشراكة بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة لمواجهة أزمة الأمن الغذائى وزيادة الفرص الاقتصادية لزيادة معدلات النمو الاقتصادى وزيادة الاستثمارات الأجنبية، موضحا أن لقاء الرئيس السيسى مع نخبة من رجال الأعمال الأمريكيين على هامش القمة يزيد من حجم الاستثمارات الأمريكية فى مصر خلال الفترة القادمة، كما أن نقل التكنولوجيا الأمريكية لدول القارة السمراء يحقق فوائد كبيرة عن طريق تحويل الثروات الخام فى أفريقيا إلى منتجات تامة الصنع يتم تصديرها للخارج بدلا من تصدير الخامات والثروات فى صورتها الأولية بما يحقق فوائد كبيرة وزيادة العوائد المالية إلى أضعاف كثيرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة