د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

حال اللغة العربية

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 21 ديسمبر 2022 - 07:45 م

الشرطة وحدها لن تستطيع القضاء عليه ولابد من مساعدتها من الأهالى بالإبلاغ عن أى تاجر وعن أى متعاطٍ

تلقيتُ دعوة من الأستاذة أمنية فكيه الإذاعية اللامعة محبة العربية للاحتفاء باللغة العربية عبر إذاعة صوت العرب العريقة، ولصوت العرب عندى معزة خاصة لأنها مؤْنسة الليالى ببرامجها المميزة وفصاحة مذيعيها؛ وأتذكر أن صديقا سوريا يعمل أستاذا بجامعة حمص حكى لى كيف سافر أبوه من حمص لدمشق كى يشترى راديو واشترط على البائع أن يبث الراديو إذاعة صوت العرب ولم يشتره حتى وضع البائع الحجارة به وصاح المذيع «صوت العرب من القاهرة» فاشتراه.

وقد شرفت بمحاورة الإعلامية أمنية فكيه والإعلامى المثقف الأستاذ ممدوح زكى فى البرنامج الشهير «بالعربى» وقد تداخل الإعلامى الموسوعى الدكتور خالد عاشور موضحا علاقة اللغة والإعلام، دار الحوار وأخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وتحدثتُ عن دور مجامع اللغة العربية وإصداراتها واحتفائها بالعربية فى حفل علمى رائد، وأوضحتُ أننى لست من المتباكين على واقع اللغة العربية وحاضرها الراهن لأننى أرى أن وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمقروء أسهمت فى تذليل صعوبات الفوارق اللهجية بين البلدان العربية فصارت اللهجات على اتساع عددها تتبارى فى القُرب من اللغة الفصحى وقد سمعنا ورأينا مذيعا من المغرب العربى يعلق على مباراة دولية يشاهدها العالم العربى كله ويستمع إليه ويفهم كل ما يقوله ويتفاعل معه، وقد شاهدنا كيف انتشرت العامية المصرية والسورية واللبنانية من خلال المسلسلات والأفلام وقد تبدو بعض الكلمات دخيلة أو أعجمية لكنها مفهومة من خلال السياق.

وقد رأينا قديما كيف كانت لهجة قبيلة عصيَّة على غيرها نطقا وفهما لكن القرآن الكريم أذاب هذه الفوارق وإن لم يلغها أو يحرّمها، ومن حُسن حظ العربية أن الله أنزل بها القرآن الكريم وهذا يفرض علينا ألا نتخاذل ونتهاون فى حمايتها من تغوّل اللغات الأجنبية عليها ومن المحزن أن نجد مؤتمراتنا العلمية وقد نسيت اللغة العربية وتبارى المشاركون فى التحدث باللغة الانجليزية فى عدم وجود أجانب وكأن الانجليزية ترفع متحدثها إلى علية القوم وهذا عجب عُجابّ!

آمل أن نهتم بمقرر اللغة العربية فى الحضانة والمدارس وأن تغدو مساقا إجباريا فى جميع أقسام الكليات بالجامعات العربية جمعاء فهى لغتنا ونحن أحق الناس بالعناية بها والفخر بها وآمل من المجامع اللغوية العربية أن تنشئ لجنة المكتشفات لتواكب الجديد المكتشف فى سائر العلوم الإنسانية والتطبيقية لتنحت مصطلحاته قبل انتشار مسمياته الأجنبية ولغلتنا طيّعة النحت والاشتقاق وهذا دور المعاجم اللغوية التى ننتظر منها الكثير.

كما أرى ميلا لاستخدام اللغات الأخرى على حساب لغتنا العربية وصارت المؤتمرات العربية فى بلدان عربية تدار محاورها بالإنجليزية لجمهور جله من العرب كما أردفت سابقا، الأمر يحتاج إلى تعريف جديد للهوية العربية وللغة الرسمية للبلدان العربية واقعا وليست فقرة فى دساتيرها، نود أن نرى زهوا باستخدام العربية وليس تواريا عن توظيفها فى حياتنا اليومية والعلمية.

الجحش والفيلولة

هل يوجد تفسير منطقى لانشغال الإعلام العربى بقنواته التليفزيونية وصحفه وخبرائه الاستراتيجيين بمعركة بين فيل وحمار؟ وكلاهما بسياسة واحدة إلا بعض الاختلافات الداخلية تجاهنا، الديمقراطيون والجمهوريون الأمريكان لا يختلفان على الإطلاق، كيف انشغل إعلامنا ليل نهار بعدّ أصوات ولاية ولاية وكأن هذه الولايات فى الوطن العربى، وراح الخبير الاستراتيجى يحلل - وبالمناسبة حتى اليوم لا أعرف ماهية هذه الوظيفة وكينونتها ومن الذى يهبها حتى يتحول المرء خبيرا استراتيجيا - انشغل هؤلاء بالتصويت الإليكترونى والحضورى وتصوير اللجان والطوابير الحقيقية والمزيّفة وملابس المرشحين وحركات أجسادهم وراح الاستراتيجيون ينجّمون ثم يبشرون المشاهدين بقرب فرز الأصوات فى ولاية فلوريدا وكأنها محافظة من محافظات البلدان العربية وفى تحليل عميق يتوقف الخبير ليذكر لنا أسماء المرشح الفيل ومنافسه الحمار وهذا «الفُيْلولة» مرشح حزب الفيل يقترب من حسم الجولة ولكن الجحش مرشح حزب الحمار لا يقبل الخسارة فيدفع بالمرشحين ثم الفرز الأتوماتيكى ويليه الفرز اليدوى!

ما علاقتى كمواطن عربى بهذا الانشغال القوى وحشْو عقول الناس فى العالم العربى؟ ماذا سيتغير لو داس الفيل على حافر الحمار أو نطح الحمارُ الفيلَ، فى كل الأحوال سيكون العالم هو الضحية؛ ونحن الضحية الأكبر. فْلننكفئ على مشاكلنا ونحاول التفكير فى حلها بدلا من تغييب العقول.

الأحزاب وتكافل الطلاب

لماذا لا تتسابق الأحزاب لرعاية الطلاب المحتاجين ولاسيما الفتيات الجامعيات اللواتى يحتجْن فى بداية كل عام دراسى لدفع رسوم الجامعة والكتب والإقامة والتنقلات وخلافه، وبهذا يكون لهم دور اجتماعى دون أن تمارس هذه الأحزاب دورا سياسيا فى داخل أسوار الجامعة وإنما كفالة أيتام ورعاية طلاب محتاجين وشراء كتب لهم ودفع نفقات إقامتهم بالمدن الجامعية وإقامة معارض ملابس فى داخل الجامعات بأسعار زهيدة فكل حزب به رجال أعمال يجب أن يتبرعوا للطلاب وهذا أفضل دعاية لهم بجانب أنشطتهم خارج أسوار الجامعات، وليت رجال الأعمال يعرفون أنهم مطالَبون بدفع جزء من أرباحهم لأبناء العاملين لديهم وللجميع فى شكل بعثات خارجية على نفقتهم للنابهين من طلابنا يُبتَعَثون على نفقة الموسِرين من أبناء مصر ليعودوا حاصلين على الماجستير والدكتوراه ولديهم انتماء لهذا الوطن ونقضى على مخلَّفات الطبقية فى نفوسهم وليت الأمر يصل إلى الشركات والمصانع التى يجب أن ترعى موظفيها وأبناءهم وتوفر لهم مِنَحا دراسية تمتد لتشمل أبناء الوطن الذين أعوزهم العوز، هذا هو الدور الوطنى المطلوب من الجميع، أنت غنى لكنك لن تشعر بحلاوة الغنى وسط فقراء إلا إذا منحتهم جزءا مما منحك الله.

«الشابو» تحذير أخير  

صار «الشابو» حديث الناس ومصدر اهتمامهم بعدما شاهدنا من الحوادث ما تشيب له القلوب، شاب يقتل أبويه وهو يضحك وآخر يلقى بأبنائه من بلكونة الدور الثالث حتى يلعبوا بالشارع وآخر يشعل النار فى شقته وأسرته بداخلها ويجلس على السلم سائلا المطافئ عما يحدث ولماذا جاءوا؟ وغير ذلك من الحوادث المُحزنات المبكيات..

شباب يدمن من أول جرعة ثم يتحول إلى مُروّج بعد أن يفلِس ويبيع كل ممتلكاته وممتلكات أسرته تحت تهديد السلاح، وبات الشابو يُصُنّع فى أماكن معروفة..

ويتكون الشابو من الميثامفيتلمين مع خليط من المركبات المؤثرة على الأعصاب لتقليل التكلفة وهو منشط ويعطى إحساسا بالبارانويا والإحساس بالعظمة إضافة إلى الهلاوس العدوانية التى تؤذى المتعاطى نفسه وأقاربه ومن حوله؛ وعلاجه عرضى وتوجد صعوبة فى السيطرة على المريض إضافة الى إمكان إيذائه طاقم العلاج مع احتمالية رجوعه سريعًا بعد الشفاء إلى التعاطى مرة أخرى.

الشرطة وحدها لن تستطيع القضاء عليه ولابد من مساعدتها من الأهالى بالإبلاغ عن أى تاجر وعن أى متعاطٍ وهنا يأتى دور الشرطة التى يجب أن تجفف المنابع وأن تلقى القبض على تُجّاره، وأن تنشئ الدولة والقطاع الخاص والجامعات مستشفيات علاج الإدمان فى كل محافظة وأن يُلقى القبض على المتعاطين ونأخذهم عنوة إلى هذه المراكز العلاجية، وقد شاهدت أبا ربط ابنه بالسلاسل واقتاده عنوة إلى مستشفى بأسوان ليعالجه من إدمان الشابو، مطلوب مستشفى فى كل محافظة حتى نساعد هؤلاء الضحايا ليتعافوا من هذا الموت الجنونى المدمر فقد صار المتعاطى خطرا على نفسه وعلى المجتمع، هل يتطلب الأمر إنشاء المجلس القومى لمكافحة المخدرات وعلاج المدمنين..

نعم نحن فى أمَسّ الحاجة لهذا المجلس الذى أراه ضروريا وآمل أن أرى هؤلاء التجار الذين يبيعون لأبنائنا هذه السموم معلَّقين على المشانق إثر عدالة ناجزة لا تراعى فيهم رحمة، وإنا لمنتظرون.

بصمة لكل مولود

فى ظل ظاهرة خطف الأطفال وضياعهم، لماذا لا نأخذ بصمة للطفل فى يوم مولده بالمستشفى حتى إذا حدث خطف وعُثر على هذا الطفل بعد سنوات تتعرف أسرته عليه، فالشرطة تلقى القبض على أطفال محبوسين فى شقق وقد كبر هؤلاء ولا يعرفون أهلهم لأنهم كانوا صغارا عندما تم اختطافهم ولا يستطيع أهلهم التعرف عليهم أيضاً لكن بالبصمة التى تسجل فى أجهزة الدولة وأقسامها المختلفة يتعرف ذووهم عليهم كما يستدل من خلالها على المخطوف والمقتول والتائه والغريق، فالنساء اللواتى يعرضن لأطفالهنّ فى الشوارع للشمس والتراب والبرد ليتسولن بهم فى الشوارع أشك أنهن أمهاتهن. «حفظ الله أطفالنا».

تأملات آخر العام

ترتبط النهايات بالبدايات، فكل بداية اقتراب من خط نهايتها، وما مرَّ أمسٌ لن يعود غدا، والأمانى تركض خلفك لتلحق بك، وتمضى مخلِّفا ظلالك فوق أرض لا تسير معك، فافتح كتاب يومك وتأمّلْه حتى تعرف غدك وامنح قلبك طُمأنينته ولامِسْ عِرْفانيَّته ليغمر النورُ قلبَك فمِنه انبجس بحر ذاتك النورانى وحاوِرْ خطوط ضوئك فلكلٍّ منا شمس وقمر فى قلبه لا يتعاقبان بل يتجاوران ويتحاوران ويبتسمان لك كى ترقى بعيدا عن معاناة نفسك وهى تركض كى تدرك نهايتك، فاكتب بحروف أنفاسك مدد الضعفاء إذا وردوا بعد الظمأ الأسمى واسمع صوت نداءٍ قدسيٍ يخترق الآفاق ويختبئ رويدا فوق سحاب الروح وقل: مَرْحى باليوم الآتى.

فى النهايات تتجلى البدايات

قال ابن الفارض:

يا راحِلاً وَجَميلُ الصَّبْرِ يَتْبَعُهُ

هَلْ من سبيلٍ إلى لُقْياكَ يَتَّفِقُ

ما أنصَفَتْكَ جُفونى وهيَ دامِيَةٌ

ولا وَفَى لكَ قلبى وهْو يحترِقُ

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة