صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


كهنة الإخوان.. وتركة العنف المسلّح

أخبار الحوادث

الخميس، 22 ديسمبر 2022 - 05:08 م

كتب: عمرو فاروق

تمتلئ كتب جماعة «الإخوان الإرهابية» بالكثير من المنعطفات والضلالات الفكرية التي صيغت جوانبها بهدف تأصيلات محددة، تدفع بمريديها ودراويشها إلى السكون بين جدرانها، وكأن على رؤوسهم الطير، مستسلمين ومقدسين لرؤية مرجعياتهم الفكرية والتنظيمية من دون جدال أو نقاش لمنحهم صكوك الغفران.

الكثير ممن سطّر تلك الأدبيات والأطروحات الفكرية للكيانات والجماعات المتطرفة والمتشددة، وحرّم الخروج عليها، وألبسها رداء الشرعية، انقلب عليها، ليس انتقادًا لمفرداتها وضوابطها الفقهية، وتعاطيها مع المجتمعات، أو تراجعًا عن مفاهيمها، لكن اختلافًا مع قياداتها تنظيميًا لا فكريًا.

اقرأ أيضا| ​​​​​​​هل يجوز أن يخص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته؟..الأزهر يجيب 

ربما جسّد تلك الإشكالية كل من سعيد حوى، المرجع الفكري لجماعة «الإخوان الارهابية» في سوريا، وفتحي يكن، أبرز مؤسسي جماعة الإخوان الارهابية في لبنان، ومراقبها السابق، بعد انفصالهما عن الجماعة وكيانها التنظيمي، تاركين إرثًا كبيرًا من المناهج الفكرية والأدبيات التنظيمية التي أصّلت للعمل السري والعنف المسلح، وتحولت مرجعًا ومنهجًا لتيارات السلفية الجهادية، من دون نقد هذه الأطروحات التي تناقلها جموع الشباب، وأصبحت بمثابة قواعد فقهية وفكرية ملزمة في التعامل مع مسارات الحركة الإسلامية عامة.

صاغ سعيد حوى مجموعة من الكتب والمؤلفات القائمة على منهجية سيد قطب وأبو الأعلى المودوي، مثل «فصول في الإمرة والأمير»، وكتاب «جند الله تخطيطًا»، وسلسلة «الأساس في المنهج»، وسلسلة «فقه الدعوة والبناء والعمل الإسلامي»، وكتاب «جند الله ثقافة وأخلاقًا»، وكتاب «من أجل خطوة إلى الأمام على طريق الجهاد المبارك»، وكتاب «دروس في العمل الإسلامي».

ويشير حوى في كتابه «جند الله ثقافة وأخلاقًا»، إلى «أنّ المسلمين في ردّة، ويجب إعادتهم إلى الصواب، وأنّ الخلافة هي النظام الشرعي الوحيد للحكم الإسلامي، فلا بدّ للمسلمين من وجود خليفة واحد قائم بأمر الله، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

بينما صاغ فتحي يكن، مجموعة من الكتب وظّفت في تجنيد الشباب واستقطابهم، مثل كتاب «ماذا يعني انتمائي للإسلام؟»، و»الإسلام فكرة وحركة وانقلاب»، و»المتساقطون على طريق الدعوة - كيف.. ولماذا؟»، الذي أفتى فيه بحرمة الخروج من ربقة الجماعة ونقد بيعتها، وكتاب «مشكلات الدعوة والداعية»، و«أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي»، و«كيف ندعو إلى الإسلام؟»، و«المناهج التغييرية الإسلامية خلال القرن العشرين».

يعتبر يكن - تحديدًا - واحدًا ممن شرعنوا للفكرة التنظيمية، والإيمان بأهدافها والانصياع لمبادئها ومشروعها، فسطّر  كتاب»ماذا يعني انتمائي للإسلام؟»، الذي يتم تدريسه حتى الآن داخل الهيكل التنظيمي الإخواني بهدف تشكيل عقول الإخوان وأفكارهم وفقًا لرؤية الجماعة الضلالية، وأهدافها المرحلية والتغلغل داخل المجتمعات العربية، ويحمل الكثير من الأفكار التي تدعو إلى تكفير النظم الحاكمة، وتجهيل المجتمعات.

تولى الراحل يكن، منصب الأمين العام  لـ»الجماعة الإسلامية» (جماعة الإخوان في لبنان)، لكنه انشق عنها في 2006، بسبب الخلافات الإدارية، وأسس «جبهة العمل الإسلامي»، بعد عشرات السنوات التي قضاها بين جدرانها، تاركًا وراءه الكثير من الكتب التي ما زالت تدرّس داخل التنظيم، باعتبارها مرجعًا مهمًا لأفكار وأدبيات الجماعة وقياداتها، واختتمها بكتاب «ليت قومي يعلمون»، أبرأ فيه ذمته من التنظيم وقياداته معلنًا استقالته، بعد ما شبه قياداته بشخصية «السامري» الذي أضاع الجماعة بقراراته، ويمسك بخيوطها من وراء ستار، وأنهم قيادة الظل، التي تتحرّك في الظلام.

يشير يكن في كتابه «ماذا يعني انتمائي للإسلام؟»، إلى أن الشريعة الإسلامية معطلة، وأن النظم والتشريعات الوضعية هي المهيمنة على الشعوب العربية، وأنه لا بد من الانضمام إلى جماعة أو تنظيم إسلامي، يسعى بكل قوة للوصول الى السلطة حتى تتمكن من تطبيق الشريعة الإسلامية.

حاول يكن تأصيل فكرة الحاكمية، بتأكيد أن النظم الحاكمة الحالية هي خليط من التشريعات الرومانية واليونانية والفرنسية الوضعية التي تخالف في مجملها الشريعة الإسلامية، وأنه فرض عين على كل عناصر الجماعة، المشاركة في هدم كل الكيانات والأنظمة التي تدعو إلى تطبيق التشريعات الوضعية، وعدم الاحتكام اليها نهائيًا، لأنه كفر صريح بالشريعة الإسلامية، وانتقاص من قدرها، حتى تعود القيادة مرة أخرى إلى الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان)، وتتمكن من الوصول إلى السلطة الحاكمة في البلاد.

يتم تدريس كتاب «ماذا يعني انتمائي للإسلام؟» للمستويات التنظيمية الأولى داخل جماعة الإخوان، مثل مستوى «محب»، ومستوى «مؤيد»، ويتم التدرج في أجزاء الكتاب وفقًا للمرحلة التربوية الخاصة بالعناصر، إذ يتم تقسيم الكتاب إلى أجزاء، بدايتها ترتكز على الجانب الفقهي، والروحاني، تمهيدًا للتدرج إلى المستويات الأكثر تأثيرًا داخل التنظيم مثل مستوى «منتسب»، ومستوى «منتظم»، انتهاءً بمستوى «الأخ العامل».

يحمل الجزء الثاني من الكتاب الكثير من الأفكار «القطبية» التي تنطوي عليها أطروحات تنظيم الإخوان الارهابي، مثل وجوب العمل الجماعي، ووجوب الانتماء إلى الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان) والانتظام في صفوفها والالتزام بالسمع والطاعة لقياداتها.

يسهب الكتاب في التلاعب بمشاعر عناصر الجماعة، مؤكدًا ضرورة السمع والطاعة، والالتزام بما تقوله قيادتها، تمهيدًا لتحقيق الهدف من تكوين التنظيم، مدعيًا أنه لا يمكن أن تطبق الشريعة الإسلامية، في ظل عدم وجود خلافة، ووجود خليفة يتولى زمامها ويحكم بما أنزل الله، وأنه لا بدّ من قيادة إسلامية على رأس الحكم تحقق شكل الدولة الإسلامية، وتحقق حلم أستاذية العالم الذي رسمه حسن البنا المؤسس الأول للتنظيم.

يوضح يكن ضرورة وجود نظام داخلي هيكلي للجماعة، يقتصر دوره على انتقاء العناصر الجيدة، وتأهيلهم دوريًا، روحيًا وعسكريًا، كنوع من التدريب والاستعداد للحظة التمكين المرجوة، وتكوين كوادر قادرة على التعامل المسلح، كنوع من ترسيخ عمل «التنظيم الخاص» الذي وضع أدبياته مؤسس الإرهاب في العالم البنا عام 1940، وطوّر فكرته منظر التكفير سيد قطب، وفقاً لمبادئ الحاكمية وجاهلية المجتمع، وضرورة هدم أركان الدولة في حال صعوبة الوصول للسلطة، وتمكين الفئة المؤمنة.

حاول الكتاب أن يؤصل لفكرة تشكيل الكيانات الخاصة لضمان بقاء التنظيم، مثل تشكيل لجان العلاقات الدولية، وقدرة التنظيم على توثيق علاقاته بدوائر صنع القرار الغربي، ما يعزز قوة عناصر الجماعة في التعامل مع الأنظمة المحلية، لا سيما العربية، في حال عدم التوافق بينها وقيادات التنظيم.

إضافة إلى تشكيل الكيانات الاقتصادية، التي تمنح الجماعة قدرة البقاء والتعامل مع مختلف الأوضاع والظروف التي تمر بها، باعتبارها قوة اقتصادية داخل المجتمعات، ولديها من المقدرة التي تساعدها على التكيف في حالة الدخول في صدام مع الحكومات، والمقدرة على استقطاب العناصر الجديدة، والظهور بمظهر الداعم الاجتماعي للمجتمعات العربية.

ولفت يكن إلى ضرورة وجود نظام تربوي لتأهيل العناصر بالمستجدات والمتغيرات الفكرية المتعلقة بالحركة، إضافة إلى نظام خاص، مهمته الدفاع والجندية، ويكون قائمًا على الفكرة المسلّحة التي تضمن بقاء الحركة وقوتها، وهو ما حدث بالفعل منذ سقوط حكم الإخوان في مصر في 30 يونيو2013، وتشكيل حركات اللجان النوعية المسلحة، مثل حركة «حسم»، وحركة «لواء الثورة»، وحركة «العقاب الثوري»، و»كتائب حلون»، وغيرها من الحركات المسلحة التي استهدفت ضباط الشرطة على مدار السنوات الماضية.

وشدد يكن على أحد الأصول المهمة لدى جماعة الإخوان الإرهابية، على مدار تاريخها منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهو مبدأ «علانية العمل وسرية التنظيم»، الذي جاء تحت بند خصائص الحركات الإسلامية، ويقول فيه: «إنه لا يعني بحال أن تكشف الحركة كل ما عندها من مخططات وتنظيمات، فليس في ذلك مصلحة على الإطلاق بل جهل بالإسلام وتعريض للحركة ولأفرادها لمكر الأعداء وغدرهم، والقاعدة التي يجب تبنيها هى (علانية العمل وسرية التنظيم)».

لم يغفل يكن أن يستند في كتابه إلى فكرة العزلة النفسية والشعورية التي طرحها من قبل سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، وضرورة أن يتعايش أفراد الجماعة في عزلة نفسية تجعلهم يتميزون عن المجتمع الجاهلي الذي ينخرطون وسط أفراده، من دون أن يتأثروا بأفكار الجاهلية والكفر حتى يتمكنوا من تحقيق مشروعهم في إقامة الدولة المزعومة.

في محاولة لخداع الأتباع، والإيهام بدرجة الاصطفاء، طرح يكن تحت عنوان «عدة الحركة الإسلامية» أن أفراد جماعة الإخوان، وقع عليهم الاختيار الإلهي لإنقاذ العالم من براثن الكفر، وكتب عليهم فضل الانتماء للتنظيم.

وتوثيقًا لفكرة تغيير المجتمع والوصول الى رأس السلطة، يوضح يكن، أن التغيير لا بدّ من أن يكون كليًا وليس جزئيًا، أي شعبًا وحكومة، ولا يقتصر على جزء دون جزء، فتغيير المجتمع من دون الوصول الى رأس السلطة لا يحقق الهدف الذي يسعى إليه التنظيم، بل ربما يعوق الحركة عن دورها وينهي مسيرتها مبكرًا.

وعن فكرة الانتماء إلى الجماعة وترسيخه لدى أفراد التنظيم، ادّعى يكن أن الانتماء الى الجماعة هو الانتماء الى الدين، وأن الامتثال لقياداتها هو امتثال لأمر الله، والخروج عن طاعتهم معصية لله، وأن الجماعة ترفض الانتماء العفوي والعشوائي، أو الجزئي، فلا بدّ من أن ينتمي الفرد انتماءً كليًا، بالجهد والمال، والنفس والعقل والعاطفة، ومبايعة قيادات الجماعة هي عهد مع الله، وأن نكث هذه البيعة، خيانة للإسلام وشريعته. 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة