شيرين هلال
شيرين هلال


رئة ثالثة..

شيرين هلال تكتب: مصر تنجح في زراعة الرئة من أحياء

شيرين هلال

السبت، 24 ديسمبر 2022 - 06:03 م

أسئلة سيئة النية جدا قد تكون مفيدة للصحة أحيانا!
‏نجاح عملية زراعة الرئة كأول زراعة رئة من متبرع "حي" في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا بعد اليابان مباشرة في مستشفى عين شمس التخصصي بالقاهرة.!


‏المريضة سحر٢٨ سنة، اللي اتبرع لها أخوها الكبير كامل وأخوها الصغير جمعة بفص رئة كل واحد منهم العملية اتعملت ما بين ٣غرف عمليات في وقت واحد بـ50  طبيب، ١٤ ساعة حرب متواصلة.

زراعة الرئة من العمليات الصعبة واللي بتحتاج لتدريب عالى وإمكانيات خاصة جدا، وعشان أقرب لك حجم الإنجاز هلخص لك المعلومات المتوفرة عنها للناس من خارج المجال الطبي زي حالاتي:

 عدد الحالات اللي خضعت لزراعة الرئة حول العالم تنقسم إلى نوعين على حسب المتبرع (متوفي-حي)، في أكثر من 65 ألف رئة تمت زراعتها من متوفين، وبيتم نقل رئة كاملة أو الرئتين، لكن النوع التاني هما 300 حالة بس اللي تمت زراعتها من أحياء وفى البرنامج دا بيتم أخذ الفص الأيمن والفص الأيسر من 2 متبرعين لنجاح النوع الدقيق دا من الجراحة.

 واللي بيزود صعوبة زرع الرئة من الأحياء أن الرئة اليمين بتتكون من ثلاث فصوص لكن الشمال بتتكون من فصين، عشان كدة بيحتاج المريض لزراعة الرئة إنه يأخذ فص من شخصين مختلفين، ودا طبعا شئ صعب فى توفيره عشان المريض يلاقي اتنين متبرعين مش واحد والاتنين يكونو متجانسين مع فصيلة دمه و أنسجته، دا غير إن في حالة الالزرع من متوفي بيتم أخد الرئتين من شخص واحد فقط ،ودا بيفسر ليه عملية الزرع من أحياء بتكون صعبة جدا بالمقارنة مع زرعها من متوفين.

ولما تعرف ان العملية اللي مرت علينا مرور الكرام كان بيتحضر لها من 4 سنين، بالتأكيد هتسأل إزاي؟

أرسلت مصر فريق طبي لليابان عشان يدرب ورجع في 2020 قبل جائحة كورونا مباشرة. عطلت الجائحة البداية لعملية خطيرة بهذا الحجم فترة كبيرة. لكن أخيرا تم الاعلان عن افتتاح عيادة تحضيرية لمرضى الرئة لتلقي الحالات والمتبرعين في مصر من كام شهر. استقبلت العيادة من وقتها عدد كبير من المرضى، لكن كان في صعوبة كبيرة في إيجاد تطابق بين المرضى والنتبرعين من حيث الأنسجة الأنسجة وعينات الدم والتحاليل الأخرى . وأخيرا تم التوافق على حالة سحر وأخواتها.

واتوافق على فريق طبي في مستشفى عين شمس التخصصي من 13 تخصص طبي مختلف من بينها الصدر والتخدير والأشعة والرعاية المركزة وغيرهم.

وضع المريضة مستقر حاليا في العناية المركزة على جهاز التنفس بتتحسن يوم بعد يوم ونسبة الأوكسجين في دمها ممتازة لكن لسة محتاجة تفضل تحت الملاحظة والرعاية . أما المتبرعين، فخرجوا من المستشفى وفي صحة جيدة جدا.

لحد كدة أنا كنت بكلم في الماضي. ايوة في الماضي ، العملية نجحت الحمد لله وبنتكلم في الحالات اللي بعدها. اللي هو استثمار هذا النجاح :

بحسب الإحصائيات والنسب العالمية؛ مصر محتاجة تعمل ما بين 300-400 عملية زراعة رئة سنويا . قبل كدة لأسباب فنية طبية و أخرى تشريعية و فتاوي تحريم الزرع الشرعية كان من الصعب جدا إجراء العدد المطلوب لهذا النوع من العمليات وبالتالي كان بتحصل مضاعات بتؤدي لوفاه اغلب المرضى. الأمر دا دفع مصر للإتجاه بقوة للتوسع في إجراء جراحات زراعة الرئة في المستقبل. وطبعا دا مش منفصل عن اعلان مصر في سبتمبر2022 عن إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في الشرق الأوسط وأفريقيا وبتنشئ كمان قاعدة بيانات واسعة لعمل منظومة متطورة لزراعة الأعضاءو المرضى والمتبرعين. هتضم تخصصات زراعة أعضاء زي الرئة والقلب والكلى والكبد وغيرها.

 كل دا بجانب إطار تشريعي محكم ينظم عملية التبرع وبوقف مافيا سرقة الأعضاء. باختصار بيروح المتبرع الشهر العقاري يصدر وثيقة للتبرع أو بيخصص خانة في بطاقة الرقم القومي تثبت رغبته في التبرع. وكمان موجود صندوق لتمويل زراعة الأعضاء . اتعطلت مصر كتير في هذا الملف مش بس بسبب قلة الامكانيات وثقلفة الرفض المبنية على فتاوي معارضة حتى بعد استصدار القانون في 2010. في دول حوالينا قفزت في هذه العمليات قفزة كبيرة لما تحررت من تلك العباءات واصبحت من مصادر الاستثمار والترويج لها والأغرب إن نسبة كبيرة من الطواقم الطبية القائمة على عمليات الزراعة هي كوادر مصرية بالأساس.

الأطباء المصريين عاملين عظمة في كل مكان على وجه البسيطة ومش هقول السير مجدي يعقوب ولا غيره من المشاهير . تعالى أفاجئك إن في طاقم طبي مصري هو و اللي أدخل زراعة الكبد في كوت دي فوار في ديسمبر 2021. بعد ما صرفت الحكومة الإفوارية على تديرين طواقمها الطبية في ماما أمريكا في 2006 و اتكلفت ميزانية ضخمة جدا في جامعة بيترسبيرج، لكن الأطباء رجعوا بدون استفادة لأن محدش اهتم هناك بتعليمهم على حسب بيانهم! ومن خلال التواصل مع مصر تم عمل برنامج تدريبي مكثف للأطباء الإيفواريين من 2018 ناجح جدا ، مكن البرنامج الأطباء المصريين انهم يضعوا  كوت دي فوار رقم 3 على مستوى القارة الأفريقية في زراعة الأعضاء بعد مصر و جنوب أفريقيا.

وعلى سيرة جنوب أفريقيا جامعة عين شمس متولية تدريب الجراحين هناك في مختلف المجالات وعاملة بروتوكول تدريب واسع مع جامعة  «Witwatersrand University»

وأخر دورات التدريب شملت 45 جراح لتدريبهم على الاصلاحات الجراحية في تشوهات العامود الفقري وإدخال أنظمة شرائح من إبتكار مصري خالص. أيوة يا فندم عندنا دكاترة مصريين إخترعوا ابتكارات طبية مسجلة بأسمهم في الدوريات العلمية. وواصلة شهرتهم أقصى بقاع الأرض والناس جاية تتعلم منهم زراعة الشرايح  كمان!

في جامعات مصرية "حكومية" ومصريين زينا لكن بيشتغلوا بجد واجتهاد.

طبعا نط في دماغك أسئلة كتير، هقولهم كلهم: لما العملية بتاعة زراعة الرئة بهذه الأهمية والخطورة ليه مكانش في كاميرا مصاحبة الجراحة وشاشات مفتوحة ليل ونهار عشانها؟

 ليه معملناش عداد على الشاشات المصرية (يعد عدد ساعات العملية – مقياس الأكسجين في جسم المريضة- يعد فاضل كام ساعة علة خروجها من الرعاية) وشريط أخبار داير على مدار الساعة ينقل أخبار الجراحة وحالة المرضى التلاتة؟

 ليه معملناش من الحبة قبة وجببنا من الحكاية النجمة؟

ليه محدش اتكلم عن تكلفة العملية على الدولة "2مليون جنيه" عشان تتعمل عملية بهذا الحجم وهذه الجدية؟

ليه متعملتش حملة تبرعات واسعة لصالح انجاح التجربة الوليدة تصب لصالح البحث العلمي في جامعة عين شمس العريقة، اللي تولت المشروع وعملت معجزة بالمقارنة بالامكانيات المحدودة المتوفرة ، الحملة تربط المصريين عاطفيا ونفسيا وفعليا بالخطوات العظيمة في هذا المجال الواسع، وياما حملات نجحت قبل كدة لقطاع خاص وعام في المجال الطبي!

ليه محدش ركز على البعد الإداري في الموضوع؟

بمعني: ليه محدش سأل نفسه ازاي دولة (نظام إداري) زي مصر بكل ظروفها الاقتصادية المأزومة وترهل جهازها الحكومي، قدرت تشرف وتنفذ نجاح بهذا الحجم، في حين انها في هذا التوقيت أولى بصرف المبلغ على على أوجه انفاق أكثر إلحاحا  من وجهة نظر البعض؟
‏ليه مفيش تسليط ضوء على ابطالنا من الدكاترة ونجومنا من العلماء "جوا مصر"
‏احنا عندنا كنوز بتعمل كل يوم معجزات علمية برغم قلة الامكانيات؟ مع انهم بيستثمروا مواهبهم وطاقتهم في خدمة اهل مصر!
‏ليه تدفنوا مجهود الناس بعدم الحديث عنهم؟

ليه محدش فكر لحظة في دخل الأطباء والعلماء المصريين الي قاموا بعملية الزراعة، لو كان في جامعات بالخارج أو مؤسسات طبية أجنبية كان ممكن يكون متضاعف كام ضعف؟ ومع ذلك هما بيفضلوا تقديم مجهودهم لبلدهم ومتنازليين عن التقدير المادي والشهرة برة عشان ينفعوا بلدهم بتعليمهم!
‏لو احنا مش قادرين نعوضهم ماديا، ما نديهم حقهم اعلاميا ويبقى لهم نصيب من الشهرة!
‏انجازات الناس دي بتدي امل لصغار الشباب من الاطباء اللي عايشين بيتعلموا وعينهم على برة عشان مش شايفين اي بؤرة نور والدول الأخرى "المتقدمة والمستغلة" على حد سواء بتخطفهم خطف!

ليه بلد عندها قاعدة عريضة من جامعات ومستشفيات ومراكز ومعاهد طبية وآلاف مؤلفة من العلماء بتخرج  كل سنة افواج من كوادر طبية شابة ، تفقدهم بسبب التهميش والإستبعاد وقلة الإهتمام؟ ونفضل إحنا بنسبة عجز وصلت 67% واحنا محتاجينهم فعلا؟
‏ليه احنا الشعب المصري ، حرام نفرح بولادنا الناجحين؟

 ليه مطلوب نفضل يائسين ومش شايفين الكويسين؟ ليه الطالب المتفوق واللي بيتعب على دراسته وأهله بيشوفو الويل عشان يكون طبيب وبعدها يشقى في التدريب والعمل ويكون دخله مثير للسخرية ومسبب للهزيمة النفسية ودافع قوي للهروب برة البلد، يشوف النماذج الشاذة بيتم تلميعها وتقديمها للمجتمع على انها نجوم بدخول جنونية؟ عايزين نوصل شبابنا المتفوق لفين؟
‏احنا ليه انكتب علينا حصر النجومية في الممثلين والمطربين وكمان نحصرها اكثر في النماذج اللي عليها لغط؟ احنا مش بنلمع أم كلثوم في الغناء ولا بنكافئ فاتن حمامة في التمثيل للأسف!! احنا بنختار المدمنيين واصحاب المحاضر والجنح منهم، عشان نسلط عليهم الأضواء في توقيت واحد وبشكل مكثف وفاضح، وكأننا بنقول معظمنا وأشهر ما فينا "مشبوه"!!
‏قصة زي سحر و تبرع اخواتها "الرجالة" بتقول كتير من المعاني الجميلة في بر الاهل و تراحم الاسرة ومسؤولية وشهامة الراجل المصري على الست اللي تخصه ، قيم "مقصود" تفضل غايبة عن مجتمعنا بفعل تصدير نماذج قتالين البنات في الشوارع وواكلين ميراث الستات ومشحططين العيال بامهاتهم على المحاكم.

مش آسفة على سوء النية ، ولأول مرة مضطرة أستخدم أسوء مقولة عرفها التاريخ:

"سوء الظن من حسن الفطن"

لازم نعرف مين ورا سياسة تشويه الصورة الذهنية عن مصر ونحاكمه، ونعرف فين بؤر الأمل ونسلط عليها الضوء.
وأخيرا ومن قلبي.. ‏شكرا جامعه عين شمس

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة